فتحت المدارس أبوابها في مدينة إدلب الواقعة في شمال شرق سورية ومناطق شمال غرب البلاد، وسط فرحة الأهالي باستمرار تعليم أبنائهم. فرحة تصطدم بالكثير من العقبات، منها مادية، التي تحول دون إرسال بعض الأهل أولادهم إلى المدارس. يأتي بدء العام الدراسي في وقت تواجه فيه العملية التعليمية تحديات عدة في مناطق شمال غرب سورية، الأمر الذي يشكل حجر عثرة أمام متابعة الطلاب تعليمهم، ومن بينها غياب الدعم وصعوبة تأمين الكتب المدرسية بالإضافة إلى نقص الكوادر التعليمية المؤهلة، وغياب المدرسين الأكفاء من جراء توجههم للعمل في مهن أخرى، عدا عن كارثة الزلزال المزدوج في السادس من فبراير/ شباط والدمار الكبير الذي ألحقه بالمدارس بشكل كلي أو جزئي، والقصف المستمر.
وتفيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، بأن "نظام التعليم في سورية يعاني من إرهاق ونقص في التمويل، وهو مجزأ وغير قادر على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال. وفي الداخل السوري، هناك 2.4 مليون طفل خارج المدارس، 40 في المائة منهم فتيات"، ليزداد هذا العدد بعد كارثة الزلزال وتضرر الكثير من المدارس ونزوح الأهالي.
وتقول سعاد البيرومي (35 عاماً)، وهي نازحة مقيمة في مخيمات حارم، شمال غرب إدلب، إنها فقدت معيلها منذ سنوات بعدما توفي زوجها من جراء القصف الذي طاول مدينتها خان شيخون. ومع افتتاح المدارس، ينتابها الخوف من استمرار عجزها عن تأمين مستلزمات الدراسة لأبنائها.
تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنها لا تنوي منع أبنائها الأربعة من الذهاب إلى المدارس على الرغم من ظروفها الصعبة، لكنها تخشى إغلاق مدرسة المخيم في حال استمر انقطاع الدعم عنها، ما سيؤدي إلى حرمان أبنائها من التعليم.
أما فاطمة الزوادي (29 عاماً)، فلا تجد جدوى من إعادة أطفالها إلى المدرسة بعد انقطاعهم الطويل عنها بسبب النزوح والفقر، وخصوصاً أن زوجها قلّما يجد عملاً ويعجز عن تأمين متطلبات العائلة في ظل الفقر، وتعتمد على ما يحصل عليه أبناؤها من أجور في نهاية الأسبوع من جراء عملهم في إحدى ورش الحدادة لتسد من خلالها رمق عائلتها.
وتوضح أن الوضع التعليمي الحالي لا يزال غير مستقر بسبب فقدان الأمان والأوضاع المعيشية الصعبة وبعد المدرسة عن المخيم الذي تقطنه، ما أجبرها حالها حال كثيرين على الامتناع عن إرسال أبنائها إلى المدارس وتشغيلهم في العديد من المهن.
وتسبب الزلزال في مناطق شمال غرب سورية بدمار عشرات المدارس. وبيّن مجمع إدلب التربوي أن عدد المدارس التي تضررت بفعل الزلزال الأول في منطقة حارم بلغ 39 مدرسة، من بينها 34 مدرسة تهدمت بشكل جزئي، و5 مدارس تعرضت لتشققات بسيطة. فيما أعلن مجمع معرة مصرين التربوي أن عدد المدارس التي تضررت بفعل الزلزال الأول الذي ضرب المنطقة بلغ 14 مدرسة، من بينها 12 مدرسة تعرضت لتهدم جزئي ومدرستان تعرضتا لتشققات بسيطة.
ولا يزال علي القدور (33 عاماً)، وهو من متضرري الزلزال، غير قادر على إلحاق أبنائه بالمدرسة منذ السادس من فبراير الماضي، بعد سكنه في أحد المخيمات العشوائية التي تفتقر للكثير من الخدمات والمرافق الحيوية أهمها المدارس، ويشير إلى أن تداعيات الزلزال أثرت على طموح أبنائه في الدراسة، مطالباً بإنشاء خيام مخصصة لتعليم الطلاب، لضمان استكمال العملية التعليمية بالنسبة لمتضرري الزلزال في المخيمات.
يجوب الطفل أيهم الربيع (13 عاماً)، شوارع مدينة الدانا، شمال إدلب، ناقلاً معه بسطته الصغيرة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه يبيع الملابس الداخلية الرجالية منذ نزوحه الأخير مع أهله منذ قرابة الخمس سنوات، حتى أنه لم يعد يذكر القراءة والكتابة على الرغم من أنه تعلمها قبل النزوح. يرغب في العودة إلى مقاعد الدراسة ثانية، ولديه الكثير من الأحلام، إلا أن الفقر وفقدان المعيل والعيش في مخيمات النزوح يمنعه.
إلى ذلك، يقول المشرف التعليمي محمد كجك إن القطاع التعليمي في شمال غرب سورية يواجه مشاكل وتحديات ليس أولها توقف الدعم وليس آخرها الفقر والتسرب الدراسي وعمالة الأطفال، مؤكداً أن انقطاع الدعم وشحه وقلة المحفزات التي تسمح للعملية التعليمية بالاستمرار تمثل التحدي الأكبر للقطاع التعليمي، سواء للمعلم أو الجهات القائمة على التعليم، الأمر الذي ينعكس بشكل حتمي على الطلاب وتحصيلهم العلمي.
ويشدد على أهمية دور المعلم في العملية التعليمية، إلا أن تدهور الوضع المعيشي في ظل قلة الرواتب وانقطاعها أحياناً، يدفع بالكثير من المعلمين للبحث عن مصادر دخل أخرى، ما ينعكس سلباً على سير العملية التعليمية، ويتساءل: في ظل عجز الأهالي عن تأمين الغذاء لأطفالهم، كيف سيكونون قادرين على تأمين الكتب التي تعجز حتى مديرية التربية عن تأمينها للطلاب في كثير من الأحيان؟
ويتحدث لـ"العربي الجديد" عن المناهج الدراسية الضخمة والمعقدة وعدم تناسبها مع الطاقة الفكرية الاستيعابية للطلاب المنقطعين عن الدراسة لفترات طويلة بسبب الحرب والقصف والنزوح والفقر والزلازل. ولا يزال المنهاج القديم هو المعتمد مع تعديلات بسيطة لا تتناسب مع التحديات المتعددة التي يواجهها القطاع التعليمي.
وعن عدد الطلاب والمعلمين في إدلب، يقول معاون وزير التربية والتعليم في حكومة الإنقاذ زياد العمر، لـ"العربي الجديد"، إن عدد الطلاب بلغ 4635121، وعدد المعلمين 22653، ولم ينكر وجود شح بالدعم المادي واللوجستي التي تحتاجه العملية التعليمية.
وفي ما يتعلق بتحسين العملية التعليمية، يؤكد العمر أن وزارة التربية والتعليم رممت المدارس التي تأثرت بالزلزال الذي ضرب المنطقة، بالتعاون مع عدد من المنظمات الشريكة في التعليم. ولمواجهة التسرب، تعمل الوزارة الآن على إحصاء عدد المتسربين لوضع خطة عمل تهدف إلى إعادتهم والحد من انتشار الظاهرة وإنقاذ الأجيال من براثن الجهل.
من جهتها، تحذر المرشدة النفسية والاجتماعية لمياء السفاري من كارثة استمرار انقطاع الأطفال عن الالتحاق في المدارس لأنهم سيكونون عرضة للجهل والانحراف في ظل الفوضى القائمة، وسيترسخ لديهم الميل إلى العدوانية والعنف، في ظل فقدان الرعاية الأسرية والتربوية اللازمة، وتشدد على ضرورة منح القطاع التعليمي الأولوية لناحية الدعم والمساندة وإعادة الطلاب إلى مقاعدهم من خلال تحسين الواقع التعليمي والمعيشي والاقتصادي لمعظم الأسر التي أنهكها الفقر والنزوح.
يشار إلى أن فريق "منسقو استجابة سورية" أحصى نحو 318 ألف طفل شمال غربي سورية و78 ألفاً داخل المخيمات متسربون من التعليم. وذكر الفريق أن "أكثر من 800 مدرسة دمرت بفعل هجمات النظام منذ عام 2011، بينها 170 منشأة تعليمية في شمال غرب سورية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ومع فتح المدارس في الشمال السوري، حذرت منظمة الخوذ البيضاء من التصعيد العسكري على المراكز التعليمة وقصف المدارس في شمال غرب البلاد، وسلطت الضوء على تأثيرات النزاع المستمر على الحياة اليومية للمدنيين، وخصوصاً على التعليم، وقالت إن القصف الممنهج يؤثر على المدارس ويشكل تهديداً لأمان الطلاب والمعلمين، ويعرقل العملية التعليمية، ما يتسبب في تأثيرات سلبية على مستقبل الأطفال والشباب.
وتبين أن تأثيرات النزاع على التعليم لا تقتصر على الأمان البدني فحسب، بل تشمل أيضاً تأثيرات نفسية واجتماعية على الطلاب والمجتمع بشكل عام، وطالبت المجتمع الدولي بالعمل بجدية للحد من هذا التصعيد العسكري وحماية الأماكن الآمنة مثل المدارس وضمان حق الأطفال في التعليم والحماية. أضافت أن قوات النظام وروسيا استهدفت مدرستين مباشرة ومحيط مدرسة ثالثة بتاريخ 26 أغسطس/ آب الماضي في ريف إدلب.
وأشارت إلى أن هذه الأحداث تجسّد تأثيرات النزاع المستمر على الأماكن التعليمية وتأثيراتها السلبية على حياة الطلاب والمجتمع المحلي.