اتفق كل من حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، والأحزاب الدينية التي ستشارك في الحكومة على سن قانون يمهد الطريق لإعفاء طلاب المدارس الدينية الذين يتفرغون لدراسة التوراة والمصادر الدينية من الخدمة العسكرية.
وحسب مشروع القانون الذي نشر على موقع "الكنيست" الإلكتروني، فإن "كل من ينذر نفسه لدراسة التوراة كمن يؤدي خدمة مهمة لصالح الدولة"، كما أن تعليم التوراة في جميع المدارس "يمثل قيمة أساسية من قيم تراث الشعب اليهودي، وتعد حقوق وواجبات من ينذر نفسه لدراسة التوراة مدة طويلة مساوية لحقوق أولئك الذين يؤدون خدمة ذات مغزى للدولة".
ويجاهر ممثلو الأحزاب التي صاغت نص مشروع القرار بأن هذا النص يعني إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، ومساواتهم بالجنود، ويؤسس لتوفير بيئة قانونية تسمح بحصول طلاب المدارس والمعاهد الدينية على نفس الحقوق الاقتصادية التي يحصل عليها الجنود والضباط الذين يؤدون الخدمة العسكرية الإجبارية.
وإلى جانب أن مشروع القانون يلزم الطلاب العلمانيين بدراسة التوراة بغض النظر عما إن كانت لديهم، أو لدى أولياء أمورهم، رغبة في ذلك أم لا، فإنه يكرس عدم المساواة بين العلمانيين وأتباع التيار الديني الحريدي، وإن كان الشاب الإسرائيلي يؤدي الخدمة العسكرية الإجبارية بمجرد بلوغه سن الثامنة عشرة، ليخدم الرجال ثلاثة أعوام والنساء عامين، فإن القانون الجديد يضفي شرعية قانونية على تملص أتباع التيار الحريدي من الخدمة العسكرية لأنهم "ينذرون أنفسهم لتعلم التوراة".
ويرى المختص في القانون الدستوري، آدام شنعار، أن الأحزاب الدينية أصرت على أن يتم سن القانون بوصفه قانوناً "أساسياً" حتى لا تتمكن المحكمة العليا من إلغائه مستقبلاً، فضلاً عن أن إلغاءه من خلال الكنيست سيتطلب توفر أغلبية مطلقة، موضحاً لموقع "سروغيم"، أن "القانون يمنح إطاراً يشرع تملص الحريديم من الخدمة العسكرية".
ويغير القانون الواقع الحالي، إذ يوفر بيئة قانونية تسمح لأتباع التيار الديني الحريدي بالحصول على مخصصات مادية كبيرة لمجرد تفرغهم لتعلم التوراة. ووصف "المركز الإسرائيلي للديمقراطية" ما اعتبره "قانون تعليم التوراة"، بأنه "قانون التملص من الخدمة العسكرية"، وأنه "ضمانة لتكريس انعدام المساواة الاجتماعية بين الإسرائيليين".
وفي "تقدير موقف" نشره عبر موقعه، لفت المركز إلى أن "القانون يمس بشكل خطير بتوجه الدولة لاقناع المدارس التابعة للتيار الحريدي بتدريس المواد الأساسية، مثل الإنكليزية، والرياضيات، والعلوم. الدولة لن يكون بوسعها التمييز في دفع المخصصات المالية للمدارس على أساس طابع المواد التي تدرسها، بحيث تحصل المدارس الحريدية على نفس الموازنات التي تحصل عليها المدارس التي تدرس المواد الأساسية".
وحذر المركز من أن "سن القانون سيسهم في تكريس الصدع المجتمعي والاستقطاب الداخلي، إذ من المفترض أن يتم سن القوانين الأساسية عندما تحظى بإجماع شعبي، وتكون لدعم أجندات يمثل تبنيها قاسماً مشتركاً بين مكونات المجتمع".
من ناحيته، يلفت المعلق في موقع "بحدري حدريم"، أوري كلمان، إلى أن "سن القانون يوفر الأرضية التي تضمن إلزام الدولة القيام بتوفير ظروف تنسجم مع توجهات المتدينين على الصعيد الاجتماعي، لاسيما الفصل بين الجنسين في المؤسسات الأكاديمية، وفي المؤسسات العامة، ويمكن وصفه بأنه أكبر إنجاز تاريخي حققه الحريديم منذ إعلان قيام إسرائيل، سواء على صعيد تأمين حقوقهم، أو فرض توجهاتهم".
ويمكن أن يؤثر قانون "تدريس التوراة" مستقبلاً على موازين القوى السياسية والأيديولوجية في إسرائيل. تقول الباحثة ميخال شليف إن زيادة جرعة المواد الدينية في التعليم كانت أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تحقيق اليمين الديني إنجازاته الكبيرة في الانتخابات الأخيرة.
وفي تحليل نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت"، جزمت شليف أن "صعود اليمين الديني الشعبوي كان نتاج غياب تعليم ليبرالي تعددي"، مشيرة إلى أن "تديين" التعليم في إسرائيل أفضى إلى غلبة قيم المحافظة والتعصب القومي، وهو ما عزز الثقل السياسي لليمين انتخابياً.
ولكي تدلل على صوابية ربطها بين "تديين" التعليم وصعود اليمين الديني، لفتت شليف إلى أن "زيادة كبيرة طرأت على مستوى دعم الشباب اليهودي للأحزاب التي تمثل اليمين الديني كما عكست ذلك نتائج الانتخابات الأخيرة".
ومن الواضح أن سن القانون سيعزز توجه أتباع التيار الحريدي لعدم الإسهام في سوق العمل، على اعتبار أن الشباب الحريدي سيتمتع بالدعم المالي الحكومي مقابل تفرغه لدراسة التوراة، مما يفاقم من حجم الكلفة الاقتصادية للقانون، خصوصاً مع حقيقة أن الحريديم يمتازون بأعلى نسبة تكاثر مقارنة بالتكتلات الاجتماعية الأخرى، حيث يبلغ متوسط عدد ولادات المرأة الحريدية سبع ولادات. ما يعني زيادة عدد الشباب الذين لا يشاركون في سوق العمل، فضلاً عن مفاقمة حجم الأعباء التي تتحملها الخزانة عبر دفع مخصصات لهم ولعوائلهم.
وعارضت القوى السياسية العلمانية سن القانون، كما هاجمت نتنياهو بسبب خضوعه للتيار الديني، وقال رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، يئير لبيد، إن هذا القانون لم يكن ليطرح لولا تفضيل نتنياهو مصلحته الشخصية على مصلحة الدولة، وأكد في فيديو نشره على "فيسبوك"، أن "نتنياهو المعني بتوظيف الحريديم للإفلات من المحاكمة في قضايا الفساد، يبدو مستعداً للموافقة على أي قانون يرغبون فيه".
وكان الكاتب ديفيد روزنتال، الوحيد من بين النخب الحريدية الذي اعترض على سن القانون، ففي مقال نشره موقع "كول هزمان"، حذر روزنتال من أن سن القانون يمكن أن يفضي إلى بلورة تحالف يضم قوى اجتماعية وسياسية معادية للتيار الحريدي، ما يجعل أية حكومة تتشكل في المستقبل بدون مشاركة الحريديين تعمل على إلغاء القانون عبر استغلال تغير موازين القوى داخل البرلمان.