تخطط بغداد لإجراء تعداد سكان العراق في 2024 خلال نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، في استحقاق هو الأول من نوعه منذ أكثر من ربع قرن، والذي تؤكد الحكومة أنه سيمهد لرسم سياساتها بعد تحديد الأولويات والاحتياجات الخاصة بالتعامل في شكل مناسب مع التغيّرات السكانية والاجتماعية الواسعة.
وتعهدت السلطات عدم طرح سؤال حول المذهب الديني، والذي كان سبباً رئيساً في تأجيل التعداد السكاني مرات خلال السنوات الماضية، لكن مراقبين لم يستبعدوا احتمال تأجيله مجدداً بسبب خلافات سياسية قد تحدث لاستباق نتائجه.
ووصف وزير التخطيط محمد تميم، أول من أمس الأحد، تعداد سكان العراق 2024 بأنه "الاستحقاق الأبرز الذي ينتظر وزارة التخطيط عام 2024، وندعو مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني إلى دعم جهود الوزارة من أجل إنجاح إجراء التعداد بسبب أهميته الكبيرة التي ترتبط برسم السياسات السكانية المستقبلية في العراق".
وأجري تعداد سكان العراق في المرة الأخيرة عام 1997 من دون أن يشمل حينها محافظات دهوك وأربيل وسليمانية في إقليم كردستان (شمال). وبعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003 تأجل التعداد أكثر من ست مرات لأسباب سياسية أو أمنية غالباً، وأحياناً بسبب خلافات حول محاولة تصنيف التعداد المواطنين إلى مكونات قومية ومذهبية.
وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي لـ"العربي الجديد": "20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 هو الموعد النهائي لإجراء التعداد السكاني الذي سيستغرق يومين يترافقان مع عطلة رسمية، وسيُنفذ إلكترونياً".
أضاف: "ستجري وزارة التخطيط تعداداً سكانياً تجريبياً في مايو/ أيار المقبل ضمن مناطق معينة، كما سيخضع الموظفون لتدريبات خلال الصيف المقبل. والأسئلة لن تتناول الانتماء المذهبي، بل سيطرح سؤال واحد يتعلق بالانتماء الديني (مسلم أو مسيحي)، أما باقي الأسئلة فستركز على الصحة والتعليم والمهنة والحالة الخدماتية والوضع الخاص بامتلاك منازل".
وأشار إلى أن "الهدف هو الحصول على إحصاءات حول العمالة والبطالة والمعوقين أو المصابين بأمراض مزمنة. وستتوفر للسلطات بيانات عن نسبة المواطنين العاملين والعاطلين عن العمل تمهّد لإطلاق خطط تنموية ودعم كل الشرائح، لا سيما تلك المتضررة والفئات السكانية الهشة".
تعداد سكان العراق 2023 مجرد تخمينات
وفي يوليو/ تموز الماضي، حددت وزارة التخطيط تعداد سكان العراق بـ 43 مليوناً و324 ألفاً، بمعدل نمو سنوي 2.5 في المائة. وأوضحت أن نسبة الذكور 50.5 في المائة مقابل 49.5 في المائة للإناث، ونسبة السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً 75 في المائة، وأن نحو 50 في المائة منهم يقطنون في بغداد ونينوى والبصرة وذي قار، ويوجد 70 في المائة منهم في المدن مقابل 30 في المائة في الأرياف.
لكن مراقبين اعتبروا أن الأرقام الحكومية "مجرد تخمينات قد تقترب أو تبتعد عن النسب الحقيقية لعدد سكان العراق"، ويشيرون إلى أن "بعض الدوائر الرسمية تعتمد على أرقام تصدرها الأمم المتحدة ومنظمات دولية، في وقت تتعمد حكومات محلية زيادة عدد سكانها على الورق لمطالبة الحكومة الاتحادية في بغداد برفع مخصصاتها المالية السنوية".
ورجحت مصادر مطلعة أن ترصد حكومة محمد شياع السوداني مبلغ 80 مليون دولار في ميزانية عام 2024 لإجراء تعداد سكان العراق وقالت لـ"العربي الجديد": "تعوّل الحكومة على إنجاح التعداد السكاني كي يحتسب إنجازاً لها بعد فشل الحكومات السابقة في إجرائه. ويتوقع أن يتجاوز عدد سكان العراق 44 مليوناً وصولاً إلى 50 مليوناً عام 2030، في وقت تزداد المخاوف من استمرار سوء توزيع الثروات الذي يزيد عدد الفقراء".
وفي وقت سابق، قال الوزير السابق حسن الجنابي لـ"العربي الجديد": "يمكن أن يصل عدد سكان العراق إلى 70 مليوناً مع الاستمرار في الحفاظ على رفاهية جيدة شرط إدارة الثروات الطبيعية في شكل جيد، وتوزيعها بعدل وتحقيق تنمية شاملة، ووضع آلية لتغيير جذري في حوكمة المياه والثروات الأخرى، كما يجب أن ينظم المجتمع نفسه كي يصبح قوياً، ولا يعتمد على المخصصات الحكومية فقط".
من جهته، رأى الباحث السياسي عبدالله الركابي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومات العراقية لا تملك منذ عام 2003 أرقاماً وبيانات واضحة عن عدد السكان والمساكن ونسب الفقر والبطالة والكثافة السكانية، علماً أن العوامل المناخية واستخدام الأراضي الزراعية لأغراض سكنية غيّرت معالم الريف والمدينة، لذا يعتبر إجراء تعداد سكاني أمراً مهماً حالياً، لكن لا يستبعد أن منعه لأسباب سياسية فبعض الأحزاب خصوصاً تلك التي تسيطر على محافظات معينة قد لا تقبل بإجرائه لمنع تحديد ميزانية مالية سنوية محددة لها، ما يعرقل إمكانية التصرف بالأموال، ويقلل مساحات الفساد".