بعد أن بات واضحاً حجم الخسائر التي خلفها الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية في 6 فبراير/ شباط الماضي في الأبنية والبنى التحتية، تتصاعد الأصوات في شمال غربي سورية التي تعيش أصلا في ظل أوضاع متردية نتيجة سنوات من الحرب وتعرضت مناطقها لقصف شبه يومي من جانب قوات النظام السوري، للمطالبة بتوفير دعم دولي شامل على المدى الطويل لترميم وتعزيز البنى التحتية في كل القطاعات، وعدم الاكتفاء بالاستجابة الإنسانية الطارئة.
وأورد بيان نشرته منظمة "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء) في 22 فبراير/ شباط الماضي، أن "الزلزال في مناطق سيطرة المعارضة شرّد أكثر من 40 ألف عائلة سورية باتت في العراء أو في مخيمات إيواء مؤقتة بُنيت على عجل، وتواجه بالتالي تهديدات ضعف البنى التحتية والافتقار إلى وسائل تدفئة وسط الطقس البارد". وأشار التقرير إلى أن "مخيمات الإيواء تعتبر حلولاً إسعافية، ولا تكفي لتلبية احتياجات السكان على المدى الطويل".
وتقدّر منظمات إنسانية عاملة في الشمال السوري عدد المنازل المدمرة بالكامل والمعرضة للانهيار بأكثر من 5000، وتلك غير الصالحة للسكن بـ 23 ألفاً. وتحدد منظمة "منسقو استجابة سورية" عدد المتضررين بأكثر من مليون يسكنون في مناطق تعاني أصلاً من اكتظاظ سكاني كبير بسبب المهجرين الذين انتقلوا إليها للهرب من عمليات قوات النظام السوري. وفعلياً تضم مناطق شمال غربي سورية نحو 4 ملايين شخص نصفهم من المهجرين.
ويقول الباحث في مركز "جسور" للدراسات خالد تركاوي لـ"العربي الجديد" إن "المنظمات والجمعيات العاملة في شمال سورية تلجأ الى الحلول السهلة مثل تأمين خيام وسلل غذائية والنظافة، وهذه أمور مهمة لكنها أعمال إسعافية غير مستدامة، وذات نتائج سلبية على المدى البعيد لأن الخدمات تقدّم بشكل مؤقت في مدارس أو أراضٍ زراعية، ما يعني خسارة الأماكن التي تقام عليها الخيام". ويوضح أن "الحلول الأكثر استدامة تشمل إصلاح المنازل خاصة تلك المتضررة جزئياً، وإعادة بناء الأبنية المهدمة كلياً، وتوفير منازل شبه جاهزة لا تكلّف كثيراً ولا يستغرق تشييدها وقتاَ طويلاً. وإلى إعادة بناء المنازل يجب تأهيل البنى التحتية من مراكز الخدمات الصحية والمياه والأفران".
ويعتبر أن "المجالس المحلية في مناطق الشمال السوري هي الأكثر قدرة على تنظيم وتنسيق الجهود المطلوبة في المرحلة المقبلة، وتحديد الأولويات".
عراقيل افتقاد الحل السياسي الشامل
ويؤكد الصحافي فؤاد عبد العزيز لـ"العربي الجديد" أن "الأولويات المطلوبة تتمثل في تأمين مساكن ومواد إغاثية وخدمات طبية للمتضررين في المناطق التي ضربها الزلزال، وهناك حاجة لبناء نحو 10 آلاف منزل استناداً إلى أسس هندسية صحيحة، وهو ما يحتاج إلى توفير مليارات الدولارات، وهذا أمر مستبعد لأن المنظمات المحلية والدولية تنشغل بالحلول العاجلة مثل تأمين خيام، وربما بيوت جاهزة، بينما يدخل وضع خطط لبناء مدن جديدة أو توسيع تلك القائمة ضمن مشاريع إعادة الإعمار التي ترتبط بحل سياسي شامل".
ويلفت إلى أن "تعدد السلطات الفاعلة في الشمال السوري، ووجود الحكومة السورية المؤقتة شكلياً في بعض المناطق، قد يعيقان عملية إعادة تأهيل المناطق المتضررة، علماً أن النظام يضع أيضاً عراقيل لا تمتنع الأمم المتحدة عن مواكبتها بحجة أنه المؤهل قانونياً لتلقي مساعدات خارجية، وإعادة توزيعها في المناطق، بينها تلك التي لا تخضع لسيطرته، وهذا موضع شك كبير في طبيعة الحال".
وكانت منظمة "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء)، الجهة الأكثر فاعلية في الشمال السوري خلال الزلزال، أعلنت في وقت سابق أنها شكلت بالتعاون مع نقابات المهندسين في ريفي حلب وإدلب لجاناً لتقييم أحوال المنازل المتصدعة، "لكن ذلك يحتاج الى وقت".
من جهته، يشير مدير الاستجابة للحوادث في منظمة الصحة العالمية روبرت هولدن إلى أن "ناجين كثيرين يتواجدون في العراء وسط ظروف متدهورة ومروعة تترافق مع صعوبات كبيرة في الوصول إلى وقود ومياه وكهرباء وإمدادات واتصالات"، محذراً من كارثة أخرى قد تلحق ضرراً بعدد أكبر من الناس من الكارثة الأولى التي نتجت من الحرب في حال استجاب المجتمع الدولي بسرعة وجدية للاحتياجات.
مشاريع التعافي المبكر
وتدور مجمل المطالب حالياً حول ما أشار إليه بيان منظمة "الدفاع المدني السوري" على صعيد ضرورة التركيز على مشاريع التعافي المبكر، وليس فقط الاستجابة الطارئة لاحتياجات المنكوبين.
ووفق التعريف السائد، يطبق التعافي الاقتصادي المبكر نهج معالجة احتياجات المجتمعات بعد الأزمات الإنسانية من أجل ضمان عدم الانهيار الكلي، تمهيداً للانتقال من الإغاثة الإنسانية إلى التنمية بناءً على مجموعة من برامج الدعم، وذلك تمهيداً لمرحلة التنمية طويلة الأجل. لكن في حالة سورية التي تستمر الحرب فيها من دون أن يعرف أحد متى ستنتهي معالجة آثارها التي عمقها الزلزال أيضاً، يجب أن يشرع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية في تنفيذ بعض المشاريع لتلبية الاحتياجات الملحة لمئات الآلاف من الأشخاص حتى قبل التوصل إلى حل نهائي للأزمة.
ويوضح سعيد طالب من المنتدى السوري الذي يضم عدداً من منظمات المجتمع المدني التي تعمل في الشمال السوري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "أنشطة المنتدى تشمل عادة مشاريع تدعم الاستقرار، مثل الإسكان والمواصلات والكهرباء والمياه والصرف الصحي، وحتى تلك التجارية والصناعية، لكنها كانت ضعيفة ودون الحد المأمول قبل الزلزال، أما اليوم فإلى جانب تأمين الاحتياجات الملحة المتعلقة بتأمين المأوى لمئات آلاف الأشخاص بعد الزلزال، يجب أن تركز المشاريع على قطاعات الصناعة والزراعة والتمويل، وتوصيل المياه إلى الناس عبر خطوط نظامية بدلاً عن الصهاريج، وتوفير الكهرباء عبر شبكات بدلاً من مولدات".
ويرى أن "التعافي الاقتصادي المبكر في الشمال السوري يتطلب الاستمرار في خط ثابت ومتنامٍ ضمن خطط محددة، وتجاوز حالة الاستجابة الإنسانية أو الإسعافية".
وكان مصطلح التعافي المبكر ذكر المرة الأولى في حالة سورية في قرار مجلس الأمن رقم 2642 الذي صدر في 9 يوليو/ تموز الماضي لتمديد إيصال المساعدات الإنسانية المنقولة عبر معبر باب الهوى شمالي سورية، بهدف توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى. وحاولت روسيا والنظام السوري إقحام هذا المصطلح ضمن جهودهما للتحايل على العقوبات الدولية المفروضة على النظام من جهة، ومن جهة أخرى لفتح باب مساعدات إعادة الإعمار المغلق بقرار غربي حتى الآن، ربطاً بالحل السياسي.
دور الأمم المتحدة
وكانت منظمة الصحة العالمية ذكرت في تقرير أن 7 مستشفيات ونحو 145 مرفقاً صحياً تضررت جراء الزلزال في شمال غربي سورية. وأعلنت أنها أطلقت نداءً عاجلاً للحصول على 84.5 مليون دولار لدعم جهود الاستجابة الصحية الفورية في سورية وتركيا.
وكان التقرير السنوي الذي أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في 25 ديسمبر/ كانون الثاني الماضي عن أزمة القطاع الصحي في سورية عام 2022، أشار إلى أن نسبة كبيرة من المراكز الصحية خارج الخدمة أو متوقفة جزئياً.
وزار وفد أممي من مختلف الوكالات مرتين مناطق متضررة من الزلزال في محافظة إدلب. وقال نائب المنسق الإنساني الإقليمي للأزمة السورية ديفيد كاردن خلال إحدى زيارتي الوفد: "توجد حاجة كبيرة لتأمين مأوى ومستلزمات للقطاع الصحي ومياه صالحة للشرب ومرافق صحية، إضافة إلى إزالة الركام".
من جهته، أعلن مفوض الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، أن جهود الإنقاذ أوشكت على الانتهاء في تركيا وسورية، وقال: "بعد انتهاء مرحلة الإنقاذ تأتي مرحلة التعافي وبداية الإعمار التي تتطلب التخطيط للبناء"، علماً أن
اتهامات عدة وُجهت إلى الأمم المتحدة بالتأخر في الاستجابة للكارثة بسرعة، بينما لفت ناشطون ومعارضون الى أن تعدد السلطات في الشمال السوري وعدم وجود مرجعية واحدة ونقص الخبرات في إدارة المخاطر والكوارث تركت المسؤولية كلها على عاتق منظمات المجتمع المدني التي تعمل في إطار تخصصات ضيّقة ولا يمكن أن تدير كل الملفات. وحذرت من أن "ما حدث خلال عمليات الإنقاذ جراء الزلزال قد يتكرر خلال مرحلة الاستجابة لمرحلة ما بعد الزلزال، بسبب عدم وجود جهة مركزية تتولى التعامل مع الجهات الدولية لتحديد الأولويات خلال المرحلة المقبلة".