تضامناً مع غزة... تأجيل وإلغاء أفراح واحتفالات في مصر

22 ديسمبر 2023
المصريون والفلسطينيون إخوان في الأفراح والأحزان (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

في زاوية صغيرة ومظلمة من منزلها المتواضع جلست الأم رشا محمد البالغة 45 عاماً على كرسي خشبي مهترئ تتأمل صورة ابنها محمد في يوم مولده الذي تحتفل به الأسرة كل عام، ولمعت وتلألأت الدموع في عينيها الباهتتين. تغلب مشاعر الحنين والألم لما يحدث في غزة على الأم رغم أن قلبها يتلهف لرؤية سعادة ابنها الوحيد في الاحتفال العائلي الاعتيادي الذي يحرص على حضوره أقارب وأصدقاء منذ أكثر من 17 عاماً. في هذه اللحظة الحزينة دخل الزوج بخطوات ثقيلة إلى الغرفة، والتفت إلى وجه زوجته وتوقف للحظة قبل أن يقترب منها ويقول بصوت هامس ومليء بالمشاعر: "أعلم أن قرار الغاء الاحتفال يؤلمك، وهذه حالي أيضاً لكنني أدرك أن هناك أشقاء يعانون في غزة، فلا يمكن أن نحتفل ونفرح في وقت يموت الأبرياء وتنهار منازلهم".
يقترب الابن محمد، الطالب في المرحلة الثانوية ويجلس بجوار أمه، ويضع يده الدافئة على كفها الباردة في إحدى ليالي شهر ديسمبر/ كانون الأول، ويقول: "أعدك أننا سنحتفل لكن بعد الاطمئنان على المسلمين الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية في غزة على أيدي الاحتلال الإسرائيلي الغاشم". تنهمر الدموع بقوة من عيني الأم، لكنها دموع الفرح والاعتزاز هذه المرة، وتنظر إلى ابنها بعينين ممتلئتين بالفخر، وتقول بصوت متوهج: "أنا فخورة جداً بك وبروحك النبيلة. سيكون قلبي معك في كل خطوة تخطوها".
ليس ذلك مشهداً تمثيلياً في حلقة مسلسل درامي أو جزءاً من رواية أدبية حزينة، بل حال كثير من المصريين الذين قرروا إلغاء كل مظاهر الفرح والحفلات والحجوزات التي كانوا حددوا مسبقاً مواعيد تنظيمها في الفترة الحالية، وآخرين قرروا رفض تلبية أية دعوات لحضور مناسبات، علماً أن عدداً من المشاهير وجهات حكومية أجلوا فعّاليات ومناسبات كأحد أشكال التعبير عن التأثر والتضامن مع ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة.
ورغم عدم إصدار الجهات المختصة إحصاءات رسمية حول عدد حجوزات قاعات الأفراح الملغاة في مصر، رصدت "العربي الجديد" مظاهر التعاطف مع غزة التي اتخذت أشكالاً مختلفة، ما دفع إدارات هذه القاعات إلى تقديم خصومات وعروض مغرية خلال نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول الجاري بعدما تراجع الطلب على حجوزات الاحتفالات أو التجمعات بعد اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي.

وتقول بسنت عبد السميع (29 عاماً)، الحاصلة على ليسانس في الآداب لـ"العربي الجديد": "يعيش المصريون حالة من الحزن والألم لما يشهده الشعب الفلسطيني في غزة من عدوان مستمر وقصف مروع، ويشعرون بالأسى للمشاهد الصادمة ومعاناة الأطفال والنساء وكبار السن من فقدان أحبائهم، وهو ما تسبب أيضاً في انعكاسات نفسية واجتماعية أوجدت الحزن في غالبية البيوت والشوارع والأماكن العامة في مصر".
وتتحدث بسنت التي اقترب موعد زفافها نهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، في حديثها لـ"العربي الجديد"، عن خلاف نشب بينها وبين إدارة قاعة أفراح على شاطئ الإسكندرية شمالي مصر رغم أنها لم تطلب سحب المبلغ الذي دفعته للقاعة، بل أرادت تأجيل الحجز، وهو ما رفضته الإدارة بشدة.
وتابعت: "لم يكن قرار تأجيل حفل الزفاف سهلاً لأسباب كثيرة، وسنكتفي بأن تكون المراسم بدون مظاهر احتفالية أو تشغيل أغانٍ وموسيقى فالجميع يشعر بالألم والحزن لما يحدث في غزة".
ويتفق معها قريبها سعيد عادل الذي يقول لـ"العربي الجديد": "نتضامن مع الأرواح البريئة التي سقطت، والألم الذي يعانيه أشقاؤنا وإخواتنا في غزة. ولا يمكن أن نستمتع بلحظات السعادة، ونعلم أن أشخاصاً فقدوا أحباءهم ومنازلهم بسبب العنف والدمار، وهو ما يتفهمه الجميع". يضيف: "قد تكون تضحياتنا بتأجيل حفلات زفاف وأخرى مختلفة صغيرة بالنسبة إلى البعض، ونحن نعلم أنها لن تحل المشكلة لكنها تعبّر عن احترامنا وتضامننا العميق مع الأشخاص الذين يعانون في غزة، كما أنها دعوة للجميع للوقوف معاً ودعم الشعب الفلسطيني في غزة كل بقدر ما يستطيع وما يملك من مواقف وأدوار".

شاحنة مساعدات مصرية لغزة (علي مصطفى/ Getty)
شاحنة مساعدات مصرية لغزة (علي مصطفى/ Getty)

من جهته يتحدث محمد السيد، مدير إحدى قاعات الأفراح على كورنيش الإسكندرية شمالي مصر، لـ"العربي الجديد" عن أن "قرارات تأجيل وإلغاء حفلات الزفاف حصلت من دون توضيح السبب أكان الحزن على غزة أم غير ذلك، خاصة أنها قرارات خاصة بأصحاب المناسبات". ويؤكد أن غالبية الأفراح التي تقام منذ بداية الحرب تأثرت بما يشهده قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان وحشي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتغيب عنها الاحتفالات الصاخبة، كما يحرص البعض على الاستعانة بالأغاني الفلسطينية التي تدعم المقاومة. يتابع: "نقدّر هذه القرارات النبيلة، ونؤمن بأنها تنبع من الرغبة في التضامن والتعاطف مع الأشقاء والأخوات في فلسطين، لكن لا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن هذه القرارات تؤثر في شكل كبير على أعمالنا وإيراداتنا".
وشارك بعض المشاهير في التضامن مع فلسطين عبر إلغاء احتفالات، وامتد ذلك إلى الجهات الرسمية والحكومية حيث أعلنت الفنانة شريهان رفضها الاحتفال بعيد ميلادها الذي يصادف في 6 ديسمبر/ كانون الأول بسبب أحداث غزة. وكتبت على منصة "إكس": "سامحوني، أخجل من أي أنواع من الاحتفال حالياً حتى لو لمجرد ساعات محدودة فهذا الوضع صعب جداً على نفسي". تابعت: "لا يستوعب قلبي وعقلي ما يحدث في العالم، وأرفض إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره القسري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية الشاملة، واغتصاب حقوق هذا الشعب الأسطوري الذي كان عظيماً وسيبقى إلى الأبد".
ولم تكن شريهان الفنانة الأولى التي رفضت الاحتفال بعيد ميلادها، إذ حذا نجوم كثيرون حذوها، أبرزهم حميد الشاعري الذي رفض الاحتفال بعيد ميلاده في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تضامناً مع القضية الفلسطينية. وقال في بيان: "أرفض الاحتفال بعيد ميلادي هذا العام تضامناً مع القضية الفلسطينية، وتعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، ودعماً لحقوق أهالي قطاع غزة، ورفضاً لمجازر جيش الاحتلال في حق مدنيي القطاع".
ويصرّ الفنان تامر حسني على عدم العودة إلى العمل بعد إلغاء كل حفلاته او الظهور في أي مناسبة فنية تعاطفاً مع القضية ومشاهد قتل وقصف المدنيين والأطفال الأبرياء. كما انضمت الفنانة لبلبة إلى قائمة المشاهير الذين أعلنوا تضامنهم مع الشعب الفلسطيني عبر رفض الاحتفال بأعياد ميلادهم قائلة في تصريحات صحافية لها: "كيف أحتفل بعيد ميلادي والأهالي في غزة يعانون من المجازر الوحشية".

ورفض الدكتور مجدى يعقوب بأسوان الاحتفال بعيد ميلاده الـ88، كما ألغت محافظات الأقصر ومطروح وكفر الشيخ مظاهر الاحتفال بالعيد القومي في كل محافظة تضامناً مع أحداث غزة والاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
ويرى الشيخ محمود السعدني، الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف، أن انخراط المصريين في جهود التضامن الإنساني والإغاثي مع الأشقاء في غزة والشعب الفلسطيني الذي يواجه عدواناً متصاعداً، أمر طبيعي يعكس أخلاق المصريين وتعاطفهم ومشاركتهم جيرانهم وإخوانهم في الأفراح والأحزان. ويشير إلى أن "فلسطين لها منزلة وقدسية خاصة بالنسبة إلى المصريين بسبب ما تضم من مقدسات تحتم التعاطف الدائم معها، ويجعل القضية الفلسطينية حاضرة بقوة دائماً على كل المستويات السياسية والشعبية". ويؤكد أنه منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب على غزة، وظهور الأوضاع المأساوية التي أثارت مشاعر الشعب المصري، سارع الجميع كل في مكانه إلى مواكبة كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني والأشقاء في غزة مع الحرص على التضامن بمظاهر ملموسة مع ما يحدث في القطاع سواء عبر التبرع بأموال لدعم المساعدات الإنسانية، والتظاهر في الشارع والمشاركة في المواساة والحزن".

المساهمون