يُعَدّ تشابه الأسماء في سورية أمراً مخيفاً، إذ يتكرّر الأمر كثيراً وقد ينتهي بأشخاص لا ذنب لهم في السجون أو الأفرع الأمنية أو يقعون ضحية ابتزار، في حين لا يُعمَل بالقرارات ذات الصلة
بعد تعرّضه للضرب والتنكيل على يد عناصر الاستخبارات السورية وكذلك السجن، استدعي زكي فلفلة للتحقيق معه. وبعد منعه من الحديث إلا بإذن، وبعد طلب هويته الشخصية وسؤاله عن بلدته، يكتشف ضابط الفرع "999" أنّ فلفلة ليس الشخص المطلوب والقضية عبارة عن تشابه أسماء لا أكثر. فيوصيه بعدم الحديث مطلقاً عمّا تعرض إليه في خلال توقيفه، مشيراً إلى أنّ الضرب والإهانات اللذَين تعرّض لهما من أجل مصلحة الوطن لا أكثر. وهذا ليس مشهداً كوميدياً فحسب من المسلسل السوري "مرايا" للفنان ياسر العظمة، تحت عنوان "تشويه سمعة"، إنّما هو واقع سوريين في ظل حكم نظام الأسد وقد ذاقوا الويلات بسببه.
فواز الطالب، شاب ثلاثيني من مدينة تدمر وسط سورية لكنّه يقيم حالياً في تركيا. يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ اسمه كان سبباً في وقوع أحد أصدقائه ضحية للضرب والإهانة من قبل قوات النظام. فهما الاثنان يتشابهان بالاسم واللقب واسم الأب، مع اختلاف اسم الأم والسنّ. ويخبر الطالب أنّه "عند مرور صديقي على الحواجز بعد عام 2011، كان يُقتاد على الفور للتحقيق ويُضرب ويُهان. لكن بعد التدقيق في هويته ومقارنتها بهويتي كوني مطلوبا للنظام، يفرجون عنه. وهو اعتقل مرّات عدّة وذاق الويل بسبب التعذيب، في كل مرة كان يضطر إلى المرور على حاجز لقوات النظام في مدينة تدمر أو في طريقه إلى مدينة حمص. وقد بقي الأمر على هذه الحال حتى غادرنا المدينة".
ويتحدث الطالب كذلك عن صديق له يُدعى محمد الصالح يقيم اليوم في الأردن، بعدما غادر مدينة تدمر على أثر هجوم تنظيم داعش الأوّل. ويوضح أنّه "كان يعيش كابوساً بسبب تشابه الأسماء إذ اعتقل مرّات عدّة قبل الثورة السورية. وفي مرّة استُدعي من قبل فرع الاستخبارات في محافظة الحسكة (شمال شرق)، ليكتشف الضابط المسؤول عن التحقيق معه أنّ الشخص المطلوب معتقل منذ ثمانية أعوام في سجون النظام، وأنّ ثمّة تشابه أسماء لا أكثر. وقد تعرّض في مرّة أخرى إلى الاعتقال من قبل الشرطة العسكرية التي كانت تحمل مذكرة اعتقال في حق شخص يحمل الاسم ذاته فارّ من الخدمة العسكرية. وبعد كل المصاعب التي واجهها، تدخّل قريب له وهو ضابط، فاستخرج له مستنداً يبرزه عند مراجعة الدوائر الحكومية وغيرها للتحقّق من هويته قبل اعتقاله".
تعميم جديد
وكانت وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري قد أصدرت في عام 2017 تعميماً حظرت بموجبه تعميم الاسم الثنائي، منعاً لتشابه الأسماء، لكنّ القرار بقي حبراً على ورق. فعناصر الأمن والقوات العسكرية المنتشرة على الحواجز تتصرّف كعصابات من دون الالتزام بالقوانين والقرارات التي يصدرها النظام نفسه. وهو ما يؤدي إلى تكرار المشكلة ذاتها، أي الاعتقال بسبب تشابه الأسماء. يُذكر أنّه في 15 فبراير/ شباط الماضي أصدر وزير العدل التابع لحكومة النظام، أحمد السيد، تعميماً جديداً أكد فيه على عدم جواز مذكرات الإحضار أو القبض أو النشرات الشرطية استناداً إلى الاسم الثنائي، باستثناء حالات محددة ذُكرت في التعميم. وفي تعليق على التعميم الأخير، يقول مدير منظمة "مدنيون للعدالة والسلام" فراس مصري لـ"العربي الجديد" إنّه "غير واضح ولا يحمل خلاصة"، مشيراً إلى أنّ "الاعتقال بسبب تشابه الأسماء مشكلة قديمة جداً في سورية. وقرارات كهذه هي مجرّد تصدير إعلامي فقط وحقن مهدئة للمواطنين في مناطق سيطرة النظام". ويسرد مصري تفاصيل حادثة تعرّض لها في عام 2011 بسبب تشابه الأسماء، "قبل أن أنجو بأعجوبة من الاعتقال. ففي نهاية عام 2011 تمّ توقيفي في مطار حلب (شمال) عند عودتي من العاصمة دمشق، بذريعة أنّني مطلوب للنظام، علماً أنّ المطلوب حينها هو فراس مصري ابن أحمد من دون الإشارة إلى اسم الأم، وهو من بلدة حمورية في ريف دمشق أمّا أنا فمن أعزاز. وأصرّ عنصر الأمن في دائرة الهجرة والجوازات حينها على تسليمي إلى الأمن السياسي بعد توقيفي، لكن بعد أخذ ورد تجاوب مسؤول الهجرة والجوازات معي وتحقق من هويتي بحكم أنّني عضو في مجلس مدينة، الأمر الذي حال دون اعتقالي. لو لم تجرِ الأمور هكذا لكنت حتى اليوم في المعتقل".
ابتزاز وهجرة
تعمل حواجز قوات النظام وفق منظومة ابتزاز بالدرجة الأولى، وهذه المنظومة تتيح لها استغلال أيّ ظرف أو أيّ مشكلة لدى المواطن، منها تشابه الأسماء، لسلب المال أو توجيه الإهانة. وقد ساهم ذلك في إجبار كثيرين على مغادرة سورية، مع غياب تام للسلطة الناظمة والضابطة لهذه القوات المنتشرة على الحواجز، خصوصاً في ظلّ حواجز تضمّ عناصر من مليشيات أجنبية غير ملتزمة أساساً بأيّ تعليمات أو قوانين صادرة عن حكومة النظام.
قبل نحو أسبوعين، وصل الشاب محمد أحمد إلى تركيا بعد معاناة طويلة عاشها في ريف دمشق مع حواجز النظام على الرغم من أنّه غير مطلوب لها، أمّا السبب فهو نفسه "تشابه أسماء" كما يبلّغ في كل مرة عند توقيفه على أيّ حاجز. يقول لـ"العربي الجديد": "غادرت مخيم اليرموك قبل سنوات لأعيش في إحدى بلدات ريف دمشق، حيث بدأت معاناتي. ففي كل مرّة كنت أجبر على دفع مبلغ من المال عند توقيفي على أحد الحواجز، و تمارس عليّ ضغوط كبيرة وابتزاز من قبل عناصر الحاجز. لذا صرت أخشى التنقل من مكان إلى آخر، كوني سأتعرّض إلى الاعتقال على الفور. وهذه المشكلة هي التي أدّت إلى مغادرتي سورية".
أمّا عامر الذي تحفّظ عن ذكر هويته كاملة، وهو شاب من أبناء مدينة تلدو في ريف حمص الشمالي، فيخبر "العربي الجديد" عن "توقيفي من قبل قوات النظام على حاجز ديك الجنّ في أواخر عام 2011 في مدينة حمص. حينها كنت متوجّهاً إلى الجامعة وقد غادرت المنزل عند الساعة السابعة صباحاً. كنّا في حاجة إلى نحو 40 دقيقة للوصول إلى جامعة البعث". يضيف عامر: "في البداية، تم التحقق من هويتي عند حاجز المفرزة في مدينة تلدو، ثمّ عند حاجز بلدة القبوط. وعند الوصول إلى حاجز ديك الجن في مدينة حمص، طلب مني العنصر النزول من الميكروباص، وتسليم أغراضي لمن يرافقني. فأيقنت أنّني سأعتقل. أمرني عنصر الأمن بالتقدّم نحوه وخاطب الضابط بأنّني بين يديه. لحسن حظي أنّ الضابط الموجود على الحاجز حينها طلب البطاقة الجامعية كإثبات هوية، فأعطيته إياها. حينها طلب من الميكروباص الانتظار، وطلب عبر جهاز اللاسلكي من حاجز التحويلة التواصل مع حاجزَي المفرزة والقبو للتحقق من هويتي". ويتابع عامر: "شعرت بالخوف من أن يتمّ اعتقالي في حال تشابه أسماء. لكنّ الضابط وبعد تأكده من أنّني اجتزت الحاجزين السابقين، قال لي: لا تكررها مرة ثانية وتمرّ على الحاجز لأنّك ستتعرض للاعتقال على الفور. وهكذا وجدت نفسي مجبراً على عدم الذهاب إلى الجامعة والبقاء في المنزل، إلى حين تركت ريف حمص الشمالي وتوجّهت إلى تركيا".
في السياق نفسه، عانى مجدي وهو شاب تحفّظ عن ذكر هويته كاملة، كثيراً قبل أن يضطر إلى مغادرة بلدته في ريف محافظة القنيطرة في الجنوب السوري ويتّجه إلى لبنان قبل أن ينتقل إلى تركيا. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "اسم عائلتي كان متكرراً بكثرة على الحواجز بالإضافة إلى اسمي الثلاثي. على مستوى بلدتي فقط، كنا ثلاثة نتشابه في الاسم الثنائي، وهذا ما جعلني أعاني كوني مضطراً إلى الذهاب إلى العمل يومياً فأتعرّض بالتالي إلى التوقيف على الحواجز، أحياناً لمدّة ربع ساعة وأحياناً لساعتَين أو نصف يوم، حتى يتأكدوا من أفرع الأمن إذا كنت مطلوباً أم لا". يضيف مجدي أنّه "في كل مرّة، كنت أضطر إلى المرور على حاجز جديد أو في حال تغيير عناصر الحاجز، كان الوضع يسوء. ثمّ غادرت البلدة مع أهلي نازحاً إلى دمشق حيث لم يُسمح لي بالسكن بسبب اسمي حتى مراجعة فرع الاستخبارات. وعدت أعاني من المشكلة ذاتها عند الحواجز". ويتابع مجدي أنّ "الأسوأ حصل حين اعتقلت في دمشق من قبل أربعة أفرع أمنية. وقد خرجت من الفرع الأخير وأنا أكاد لا أسمع بأذني اليسرى. ما زالت الحال كذلك حتى اليوم. كذلك رفضوا تزويدي بأيّ مستند يحميني من الاعتقال على الحواجز، فلم يعد أمامي إلا التوجّه إلى لبنان مع زوجتي وطفلتي. ومع سوء الأحوال في لبنان، اضطررت إلى إعادة زوجتي الحامل إلى سورية قبل أن أقرّر المغادرة إلى تركيا عبر التهريب". ويشرح: "وصلت إلى حلب حيث احتُجزت لمدّة زمنية حتى دفعت مبلغ 1500 دولار أميركي. وعند الإفراج عني توجّهت إلى إدلب ثمّ عبرت إلى تركيا حيث أقيم منذ أشهر عدّة".