يرى الأستاذ في جامعة ابن خلدون بمدينة إسطنبول التركية وهبي بايصان أن بلاده "تسير بخطى سريعة جداً نحو التحوّل إلى دولة عجوز في حال لم تتغير القناعات الأسرية بالإنجاب والسياسات الحكومية الخاصة بتحسين الدخل"، ويقول لـ"العربي الجديد": "تطور الصحة، وما شهدته تركيا من رخاء خلال العقد الماضي زاد نسبة كبار السن، ثم أثر تراجع المستوى المعيشي خلال الأعوام الأخيرة على نسبة الزواج والإنجاب، فالأسرة تكتفي بولد واحد اليوم، ما يؤثر على نسبة النمو السكاني، ويجعل تركيا تقع بين فكي التحوّل إلى دولة عجوز، مطرقتها تراجع نسبة الولادات وسندانها تزايد أعمار السكان".
يضيف: "يبدو أن سياسات الدولة لم تكن نافعة، وتشجيع الرئيس رجب طيب أردوغان تحديداً على الإنجاب عبر منح المواليد هدايا ذهبية وذويهم مساعدات مالية مباشرة، لأن تبعات الحياة المعيشية وانتشار المساكنة أو عدم الزواج اجتمعا لمواجهة خطة الحكومة، ويبدو أنهما انتصرا بدليل المعدل الحالي لعدد السكان المتقدمين في السن".
ومطلع العام الجاري وصل عدد المسنين في تركيا إلى 8.2 ملايين شخص من أصل إجمالي عدد السكان البالغ 84.6 مليوناً، في حين لم يزد عدد المسنين عام 2017 عن 6.8 ملايين مقارنة بـ80.8 مليون مواطن حينها، بحسب ما كشفت بيانات أصدرها معهد الإحصاء التركي أخيراً.
وضمن ما وصفه المعهد المتخصص في إصدار البيانات والنسب الدورية بأنه "زيادة مستمرة"، بلغ معدل السكان المسنين 8.5 في المائة من إجمالي عدد السكان عام 2017، و8.8 في المائة عام 2018، و9.1 في المائة عام 2019، و9.5 في المائة عام 2020، و9.7 في المائة عام 2021.
وحددت البيانات عدد المسنين بـ6.8 ملايين عام 2017، و7.1 ملايين عام 2018، و7.5 ملايين عام 2019، و7.9 ملايين عام 2020، و8.2 ملايين عام 2021، وأشارت إلى أن نسبة ارتفاع عدد السكان المذكورين أعلاه بلغت 19.57 في المائة خلال الفترة بين عامي 2017 و2021.
وفي شأن كبار السن من الجنسين، أعلن معهد الإحصاء التركي أن عدد كبار السن الذكور بلغ 3.3 ملايين عام 2017، و3.1 ملايين عام 2018، و3.3 ملايين عام 2019، و3.5 ملايين عام 2020، و3.6 ملايين عام 2021.
أما عدد المسنات فبلغ 3.8 ملايين عام 2017، و4.1 ملايين عام 2018، و4.2 ملايين عام 2019، و4.4 ملايين عام 2020، و4.5 ملايين عام 2021.
ولفت المعهد الحكومي إلى أن نسبة إعالة المسنين تستمر في التزايد منذ 5 سنوات، وسجلت 12.6 في المائة عام 2017 و12.9 في المائة عام 2018، و13.4 في المائة عام 2019، و14.1 في المائة عام 2020 و14.3 في المائة عام 2021.
لكن اللافت أن هذه الأرقام لا تمنع مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول محمد كامل ديميريل من رفض مقولة إن تركيا دخلت أو ستدخل ضمن الدول العجوز. ويعلق في حديثه لـ"العربي الجديد": "لا تزال تركيا شابة وتحتل المرتبة 65 عالمياً بحسب نسبة مواطنيها المسنين، رغم الرفاه والرعاية الصحية ومنح المسنين مخصصات شهرية، وهي عوامل تزيد من معدل الأعمار، وتؤخر سن الوفاة".
يضيف: "نسبة كبار السن الذين يتجاوزون سن الـ65 لم تصل إلى 10 في المائة في تركيا حتى اليوم، وتظهر التوقعات المبنية على الواقع والإحصاءات أنهم سيبلغون نسبة 10.1 في المائة العام المقبل، و12.9 في المائة عام 2030، و25.6 في المائة عام 2080 حين سيمكن وصف تركيا بأنها دولة عجوز بعد تجاوزهم ربع عدد السكان".
وما زالت تركيا، بحسب ديميريل، تتصدر بلدان الاتحاد الأوروبي في عدد السكان الشباب بوجود أكثر من 13 مليوناً تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً من أصل 84.5 مليون نسمة، وتبلغ نسبتهم نحو 16 في المائة من أصل عدد السكان، في حين لا تتجاوز نسبة الشباب في دول الاتحاد الأوروبي 10.6 في المائة، وتضم بلغاريا أدنى نسبة من الفئة العمرية الشبابية بنحو 8.9 في المائة من عدد السكان.
ويقول: "في كل الأحوال من المهم التزام رعاية كبار السن في تركيا من خلال توفير 426 داراً لرعايتهم في كل الولايات، وأيضاً تأمين دخل لأولئك الذين لا يعملون أو لا يتقاضون راتباً تقاعدياً، فتركيا تطبق قانوناً يخصص راتباً شهرياً لمن لا يملك أي ضمان اجتماعي يشمل نحو 900 ألف منهم. وربما الأهم تأمين تركيا أعمالاً تناسب أعمار وقدرات المسنين، ما يشعرهم بحضورهم الفاعل في المجتمع، ويبعدهم عن الوحدة والأمراض، ولو حصل ذلك من خلال تنفيذ أعمال رمزية تحقق وجود المسنين، ولا تشعرهم بأنهم عالة على أحد".
ويختم ديميريل بالقول إن "زيادة عدد المواليد لا تزال إيجابية رغم ما يقال عن تأخر الزواج أو العزوف عنه وتحديد النسل، فالمعدل هو 15.3 مولوداً لكل 1000 شخص، ويتوقع أن يتجاوز عدد المواليد عدد الوفيات في نهاية العام الحالي، وأن يصل عدد سكان تركيا في مطلع 2023 إلى نحو 85.7 مليون نسمة، بزيادة نحو 1.2 مليون عن العام الحالي".
يذكر أن حكومة العدالة والتنمية تشجع على الإنجاب، وتزيد الدعم المالي والرعاية الاجتماعية لزيادة الإنجاب، عبر منح مساعدات مالية مباشرة للمواليد الجدد، وقطعة ذهبية للمولود الأول تزيد قيمتها للمولود الثاني وتتضاعف للمولود الثالث، وهي تقدم أيضاً رعاية صحية وضمانات متزايدة وقروضاً مصرفية ميّسرة تصب جميعها في خانة تشجيع الزواج والإنجاب. وقد بدأ هذا النهج عام 2015، ودفعت الحكومة منذ ذلك الحين أكثر من 2.4 مليار ليرة (220 مليون دولار) حتى العام الماضي.