حققت المراكز الصحية الخاصة بالسوريين في تركيا نجاحات بلغت حدّ استقطاب اهتمام مهاجرين من جنسيات مختلفة. العلاجات مجانية برعاية برنامج منح للاتحاد الأوروبي، والأهم أن المعاملة تحظى بتقدير.
"لم أرتح لعلاجي طوال عامين في مستشفيات تركية، حيث لم أتماثل للشفاء فيها، ما زاد قناعتي بأن طبيعة التعامل معي وعدم وصف علاج ناجع منعاً ذلك، وأتيت الآن إلى المركز الصحي في حيّ اسينيورت بمدينة إسطنبول، لأن لا وجود لحاجز اللغة، ولأنني اعتقد بأن الأطباء السوريين أكثر قدرة على معالجة أوجاعنا وأكثر تفهماً لها". هذا ما قالته السورية منال دعبول (38 عاماً) التي تعاني من مشكلة قصور في عمل الغدة الدرقية، ما زاد وزنها وأصابها بحال شحوب وعصبية وعرضها لنزيف. تضيف دعبول في حديثها لـ"العربي الجديد": "عاينني طبيب الغدد السوري المتخصص بسام جاوييش في المركز الصحي بمنطقة اسينيورت في إسطنبول، وتحسنت حالتي الصحية منذ زيارتي الأولى ربما لأنني أشعر براحة نفسية أكبر في التعامل مع طبيب سوري، والتي لم ألمسها لدى الأطباء الأتراك، أو ربما بسبب نوع العلاج الجديد الموصوف بعد إجراء تحاليل وفحص دقيق".
وحول الفارق بين المستشفيات الحكومية في البلاد والمراكز الصحية، تشير دعبول إلى أن كلاهما يقدمان خدمات طبية مجانية، لكن التعامل يختلف في المراكز الصحية التي توفر كل ما يحتاجه المريض من أجهزة تصوير ومختبرات تحليل، وحتى وصف دواء وتقديمه مجاناً. كما يأتي المرضى إلى المراكز الصحية من دون مواعيد مسبقة، ويحصل الحجز في اليوم ذاته قبل انتظار الاستدعاء للدخول الذي يحصل للجميع. أما في المستشفيات التركية فآلية حجز موعد قد تطول بحسب حالة المريض ونوع إصابته، وربما استغرق ذلك شهراً.
ينتشر في تركيا 178 مركزاً صحياً للمهاجرين، بعدما خصص الاتحاد الأوروبي 3 مليارات يورو (3.54 مليار دولار) لمجموعة واسعة من المبادرات تركز على اللاجئين في تركيا، علماً أن أنقرة تقول إنها أنفقت 25 مليار دولار على النازحين السوريين حتى الآن. وبين مبادرات برنامج الاتحاد الأوروبي توفير فرص تعليم وتنفيذ برامج للخدمات الاجتماعية، مع تخصيص 300 مليون يورو (354 مليون دولار) سنوياً للخدمات الصحية، علماً أن هذه المنح لن توفر، بحسب الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، رعاية صحية أولية فقط، بل ستقدم أيضاً خدمات التطعيم من فيروس كورونا، ومشورة في مجال تنظيم الأسر وخدمات للصحة النفسية ولإعادة التأهيل البدني، وتغطي احتياجات 26 وحدة صحية متنقلة تستهدف الوصول إلى سوريين يعيشون خارج المدن. وتشغّل المراكز الصحية التي تهدف إلى تحسين حياة 3.6 ملايين سوري في تركيا، 1500 من المتخصصين السوريين في مجالات الطب والتمريض والخدمات الصحية. لكن مصادر في أحد هذه المراكز تؤكد لـ"العربي الجديد" أن "التوظيف طاول أخيراً أتراكاً يشغلون مناصب إدارية، ومهاجرين من دول أخرى مثل عراقيين ومصريين وصوماليين يعملون ضمن كوادر طبية، ما أضاع فرصاً على السوريين الذين استهدفتهم المنحة الأوروبية في الأصل، وأنشئت المراكز الصحية لمعالجتهم تحديداً".
تقول مسؤولة اللقاح في مركز "نولو الثاني" الصحي بحي الفاتح في إسطنبول، أمل الأحمد لـ"العربي الجديد" إن "عشرات المراكز الصحية للسوريين تتواجد في الشطرين الآسيوي والأوروبي لإسطنبول، وبينها في مناطق غازي عثمان باشا واسينيورت وإسنلر وباغجلر وسلطان بيلي والفاتح، استناداً إلى الكثافة السكانية للسوريين. لكنها تعالج اليوم كل جنسيات المهاجرين في تركيا، وأيضاً أولاد سياح باعتبارها ترفع شعار ممنوع عدم استقبال أطفال".
وحول التكاليف المالية والاختصاصات الطبية المتوافرة في المراكز، تؤكد الأحمد أن "المريض لا يدفع أي تكاليف مالية لإجراء فحص وتحليل وصور، وحتى لتلقي علاج. ونحن نمنح المريض وصفة يصرفها مجاناً من صيدليات تركية متعاقدة مع المشروع".
وتعالج المراكز الأمراض الداخلية والنسائية وتلك الخاصة بالأطفال وطب العائلة، وتوفر لقاحات، كما افتتحت أخيراً عيادات لطب الأسنان والعلاج الفيزيائي لتعزيز قدرتها على معالجة غالبية الحالات.
وتلفت الأحمد إلى أن "المراكز تقدم خدمات للأطفال منذ خروجهم من المستشفيات، وتشمل إجراء تحاليل للمولودين حديثاً وتلقيحهم، ومتابعة حالات الأمهات ومنحهن أدوية الحديد والفيتامينات اللازمة. ونعالج الأطفال وفق أية وثيقة، ونكتفي بشهادة الأبوين في حال عدم وجودها. كما نعالج البالغين الذين يحملون بطاقة حماية مؤقتة أو إقامة طلابية أو سياحية، لكننا لا نعالج من يحمل جواز سفر فقط، سواء أكان سورياً أو مهاجراً أو لاجئاً من جنسيات أخرى. ونوفر خدمات حتى خارج المراكز، وتشمل حالات صحية حرجة أو مهمات لتوزيع لقاحات، علماً أننا ننشر مراكز في الشوارع والأسواق لخدمة المارة، وتقديم لقاح كورونا".
وتشهد المراكز الصحية ازدحاماً شديداً زاده أخيراً السماح بمعالجة جميع المهاجرين وليس السوريين فقط، علماً أن تركيا تستقبل منذ عام 2011 حوالى 4 ملايين لاجئ وطالب لجوء، بينهم 3.6 ملايين سوري، و170 ألف أفغاني، و142 ألف عراقي، و39 ألف إيراني، و5700 صومالي و11,700 آخرين من دول أخرى.
وتكشف بيانات أصدرتها "الرابطة الدولية لحقوق اللاجئين" هذا العام أن 1.7 مليون من أصل 3.6 ملايين سوري مسجلين تحت الحماية المؤقتة في تركيا تقل أعمارهم عن 18عاماً، وأن عدد النساء ومن هم دون 18 عاماً يبلغ 2.6 مليون. وتحتل تركيا، وفق بيانات الأمم المتحدة للاجئين، المرتبة الأولى على صعيد استضافة أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وتليها باكستان بـ 1.4 مليون مهاجر، وأوغندا بـ 1.3 مليون.
من جهته، يقول مدير المركز الصحي للمهاجرين بحي اسينيورت الدكتور عبد الله الخيمي لـ"العربي الجديد" إن "الإقبال على المراكز يزيد بحسب عدد المهاجرين في تركيا، وخلال موسم الشتاء. وكلها ممولة من الاتحاد الأوروبي مالياً ووزارة الصحة التركية إدارياً، وتعالج جميع المهاجرين مجاناً، وتضم اختصاصات عدة وكوادر تجيد لغات معظم اللاجئين". وحول شغل الأتراك مناصب إدارية رغم أن المنحة والاتفاق ينصان على تولي السوريين هذه المراكز، يوضح الخيمي أن "هذا الأمر يختلف بحسب موقع المركز، فكل مديرية صحة تعتمد نظاماً داخلياً وقانونياً خاصاً، وبعضها تعيّن أتراكاً وأخرى سوريين، لكن لا ميزات مالية لمدير سوري، فأنا مثلاً لا أتقاضى أي أجر مقابل إدارتي مركزا يضم 25 عاملاً بين طبيب وممرض وإداري، لكنني أعمل كطبيب فيه".
ويشير الخيمي إلى أن "وزارة الصحة التركية أكدت شهادات الأطباء السوريين العاملين في المراكز الصحية، وأخضعتهم لاختبارات قبل تعيينهم، ومركز اسينيورت يقدم عبر أطبائه الثمانية معظم الخدمات. وفي حال قدوم حالة لا يتوافر متخصصون لمعالجتها، نقدم استشارة ونهتم بتحويلها إلى مستشفيات تركية". وحول إمكان إغلاق المراكز الصحية، وهو مصير عرفته مدارس سورية في تركيا، يؤكد الخيمي أن "الأمر يختلف، فالمراكز ممولة من الاتحاد الأوروبي ومرتبطة بوجود اللاجئين، لكن يجب في كل الأحوال أن تستمر المنحة الأوروبية التي تشكل لنا قلقاً ومخاوف لدى تجديد العقد السنوي". وسأل: "لماذا لا تجمع المراكز بمستشفى في كل ولاية كي تؤمن كل الاختصاصات، وتخفف العبء عن المستشفيات التركية؟".