تراجع التمويل الدولي يفاقم أزمات فقراء غزة

01 اغسطس 2023
61.6 في المائة من سكان قطاع غزة يعيشون حالة فقر (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

 

تعيش الفئات الفقيرة والمهمّشة في قطاع غزة، المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، واقعاً معيشياً واقتصادياً هو الأصعب من جرّاء تفاقم الأزمات وانخفاض حجم التمويل المخصّص للخدمات الإغاثية والمالية، في ظلّ ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة.

وفي العامَين الماضيَين، لم ينتظم صرف مخصّصات الأسر الفقيرة التي تصرفها وزارة التنمية الاجتماعية التابعة للسلطة الفلسطينية، وقد أعادت الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد اشتية أسباب ذلك إلى تراجع التمويل الدولي إلى جانب تراجع الإيرادات المالية الخاصة بالحكومة.

ويستفيد من برنامج المخصّصات المالية التي تشرف عليها الحكومة الفلسطينية نحو 116 ألف أسرة، من بينها نحو 80 ألفاً من قطاع غزة المحاصر، وتُصرَف على شكل مبالغ تختلف باختلاف المحدّدات المعلنة، فتتراوح ما بين 750 شيقلاً و1800 شيقل، وتأتي في أربع دفعات في العام. لكنّ الفترة الأخيرة شهدت عدم انتظام في فترات الصرف. (الدولار الأميركي يساوي 3.66 شيقلات إسرائيلية)

إلى جانب ذلك، أوقف برنامج الأغذية العالمي خدماته المقدّمة للأسر الفقيرة في يونيو/ حزيران الماضي، في حين أنّه سوف يعلّقها بشكل كلي في خلال أغسطس/ آب الجاري، لأسباب متعلقة بنقص التمويل وغياب الدول المانحة للبرنامج.

الصورة
مساعدات في غزة 2 (عبد الحكيم أبو رياش)
أكثر فأكثر تتراجع المساعدات التي يستفيد منها سكان قطاع غزة المحاصر (عبد الحكيم أبو رياش)

وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإنّ 61.6 في المائة من سكان غزة، البالغ عددهم مليونَين و300 ألف نسمة، يعيشون حالة فقر، بسبب الحصار الإسرائيلي المشدّد المفروض على القطاع منذ منتصف عام 2007، في حين بلغت نسبة البطالة مع نهاية عام 2022 نحو 47 في المائة.

من جهتها، لا تخفي وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إمكانية توقّفها عن توفير المساعدات الغذائية التي تقدّمها في القطاع لأكثر من 1.2 مليون نسمة، وذلك من جرّاء العجز المالي الكبير في الموازنة وعدم توفّر أموال تكفي لشراء مواد المساعدات.

وفي هذا الإطار، يقول المستشار الإعلامي لوكالة أونروا في غزة عدنان أبو حسنة لـ"العربي الجديد" إنّ "التمويل المتوفّر حالياً يكفي فقط حتى نهاية شهر أغسطس الجاري، وبعد ذلك سوف تكون أزمة حقيقية، نظراً إلى حاجة أونروا العاجلة إلى 100 مليون دولار، من بينها 70 مليوناً لشراء مواد غذائية يستفيد منها 1.2 مليون لاجئ في غزة". أمّا المبلغ المتبقي، 30 مليون دولار، "فالوكالة في حاجة إليه لدفع مساعدات نقدية للأسر الفلسطينية في لبنان وسورية، الأمر الذي يعكس حجم الأزمة التي قد تنعكس سلباً على اللاجئين الفلسطينيين".

ويرى أبو حسنة أنّ "الفئات الأكثر هشاشة في القطاع سوف تكون عرضة للضرّر من جرّاء أيّ توقف لخدمات أونروا، بسبب العجز في التمويل الواقع حالياً في موازنة وكالة أونروا، لا سيّما الفئات الأكثر فقرًا التي تتلقى المساعدات الغذائية الأساسية التي تُقدَّم لهم".

ويوضح أبو حسنة أنّ "إجمالي العجز المالي الخاص بالمؤسسة يبلغ 200 مليون دولار في البرامج المنتظمة ونحو 100 مليون دولار على صعيد برنامج المساعدات الغذائية والمساعدات النقدية"، مبيّناً أنّ "موازنة أونروا لعام 2023 تبلغ 847 مليون دولار، لم يتوفّر منها حتى الآن إلا 500 مليون".

إذاً تعيش أسر فقيرة كثيرة أوضاعاً قاسية جداً، في ضوء تراجع الاهتمام الخارجي بالقطاع وازدياد معدّلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي، علماً أنّ ثمّة منحة قطرية ما زالت تُصرَف شهرياً بواقع 100 دولار أميركي لنحو 100 ألف مستفيد.

ووفقاً لإحصاءات اتحاد نقابات عمّال فلسطين، فإنّ أعداد العاطلين من العمل بلغت نحو ربع مليون عامل، إذ تأثّرت كلّ القطاعات الزراعية والصناعية والإنشاءات من هذا الحصار الذي لم يوفّر أحداً، الأمر الذي يساهم في تفاقم انعدام الأمن الغذائي.

الصورة
مساعدات في غزة 3 (عبد الحكيم أبو رياش)
الفئات الأكثر هشاشة في غزة تواجه خطورة بالغة في الفترة الأخيرة (عبد الحكيم أبو رياش)

وفي سياق متصل، يؤكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا لـ"العربي الجديد" أنّ "الفئات الأكثر هشاشة تواجه خطورة بالغة في الفترة الأخيرة، في ظلّ توقّف خدمات برنامج الأغذية العالمي الذي يشمل 200 ألف شخص من بين الفئات الأكثر فقراً، إلى جانب أزمات أونروا المالية الحالية، وعدم انتظام صرف مخصّصات الشؤون الاجتماعية".

ويشرح الشوا أنّ "التراجع الحاصل في إطار مساعدات كثيرة وفي التمويل والبرامج الدولية في القطاع يمسّ الفئات الهشّة، من أمثال كبار السنّ والأطفال والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة غير القادرين على توفير تمويل أو مصادر دخل ثابتة لهم".

ويتحدّث الشوا عن "منحنى تنازلي في معدّل الدعم المالي المقدّم للمشاريع التي تخدم الأسر الفقيرة منذ ثلاث سنوات، وذلك بعد أزمة كورونا الوبائية التي عصفت بالعالم منذ نهاية عام 2019، إلى جانب تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية في خلال العام الأخير والتبعات المترتبة عليها".

ويقدّر الشوا "نسبة التراجع في التمويل الدولي المقدّم للقطاع والمشاريع التي تخدم البرامج التي تستهدف الأسر الفقيرة والمحتاجة بنحو 45 في المائة، في السنوات الخمس الأخيرة، فيما من المتوقّع أن ترتفع نسبة هذا التراجع في التمويل إلى معدّلات أكثر بحلول العام المقبل".

المساهمون