استمع إلى الملخص
- **تدخلات المجتمع المدني لدعم التعليم**: في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، تتدخل منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية لدعم الطلاب وأسرهم. في محافظة السويداء، تجاوزت التبرعات مليار ليرة سورية لدعم التعليم من خلال دورات تقوية وتوزيع القرطاسية وشراء الكتب. وفي محافظة درعا، يتكفل المجتمع المحلي بدعم شريحة واسعة من الأهالي والطلاب لمواكبة العملية التعليمية، مما يساعد في تقليل نسبة التسرب من المدارس.
- **ارتفاع تكاليف المستلزمات الدراسية وتأثيرها على التعليم**: تتراوح تكلفة تأمين المستلزمات الدراسية بين 500 ألف ليرة لتلاميذ التعليم الأساسي و700 ألف ليرة لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية. هذا الارتفاع في التكاليف يدفع العديد من الأسر إلى تسريب أطفالها من المدارس لتعلم مهنة تضمن لهم دخلاً سريعاً. ومع توجه الحكومة نحو خصخصة التعليم، يزداد التسرّب من المدارس، مما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع ويثير تساؤلات حول مستقبل التعليم في ظل الضغط الاقتصادي.
حدّدت وزارة التربية والتعليم في سورية اليوم الأحد 8 سبتمبر/ أيلول موعداً لبدء العام الدراسي 2024 - 2025 في جميع المدارس العامة والخاصة بكل أنواعها ومستوياتها. ومع بداية الدراسة تزداد الضغوط على العائلات التي تُحاول التكيّف مع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. وتظهر معاناة العديد منها في تأمين احتياجات أبنائها من كتب وقرطاسية تشكّل حملاً جديداً من الأحمال الثقيلة التي تُنهك كاهلها.
يقف أحمد بريدي (13 سنة) أمام مكتبة في أحد شوارع مدينة جرمانا بريف دمشق. تتجوّل عيناه بين الحقائب المدرسية، رغم أنه يعلم أن والدته غير قادرة على شراء حقيبة جديدة له، فالأولويات الآن، بحسب ما تقول الوالدة أم ياسر، هي لتوفير بعض الدفاتر والأقلام.
تقول أم ياسر، وهي من محافظة طرطوس وتُعيل ثلاثة أطفال، لـ"العربي الجديد": "كنت أتمنّى أن أشتري كل ما يحتاجه أولادي، لكن الأسعار زادت بنسبة 100% مقارنة بالعام الماضي، ما يجعل موقفي صعباً. علمت أن أسعار الكتب الجديدة تضاعفت أيضاً، لذا أبحث بين معارفي عن نسخ لكتب مستعملة كي أشتريها بنصف قيمتها. أخبرتني جارتي التي تعمل أمينة مكتبة في مدرسة بأن سعر نسخة الصف الحادي عشر أدبي ستناهز 200 ألف ليرة (13.5 دولاراً)، والبكالوريا العلمي 175 ألفاً (12 دولاراً) والعاشر مثله، ولا قدرة لي على دفع 600 ألف ليرة (40.7 دولاراً) ثمناً لنسخ كتب جديدة، إذ يجب أن أُخصص مبلغاً إضافياً لجلب القرطاسية".
وتضيف: "ابني الأكبر ياسر في صف البكالوريا العلمي، ويشعر بإحباط لأنه يريد أن يكون مثل أصدقائه على صعيد حيازة المستلزمات التعليمية المناسبة التي تتوافق مع منهجه الدراسي، لكننا لا نستطيع شراء مستلزمات جديدة، وأقول له ولأشقائه أحياناً إنني سأشتري ما يحتاجونه قريباً، رغم أنني أعلم أن هذا غير ممكن".
تضاعفت أسعار المستلزمات المدرسية مقارنة بالعام الماضي
ويقول مهند حمدان، وهو طالب في الثاني ثانوي علمي ويعيش في حي شعبي بالعاصمة دمشق لـ"العربي الجديد": "أحتاج إلى كتب جديدة، لكنني سأضطر لشراء القديمة حتى لو كانت متهالكة، فوضع أسرتي لا يسمح بدفع كثير من المال. أبي موظف يكفي راتبه الشهر بالكاد، وأشعر بأنني سأتسبب في حرمان أهلي من الخبز، وكل ما أفكر به هو ثمن الاحتياجات الدراسية".
ويقول محمد رمان، وهو أب لثلاثة أطفال يعيش في دمشق ويعمل سائق تاكسي: "أعمل ساعات طويلة يومياً من أجل تأمين لقمة العيش لأسرتي، لكن ذلك لا يكفي لتغطية كل المصاريف، وعندما يحين وقت شراء المستلزمات الدراسية، أشعر بضيق شديد، وأضطر إلى اقتراض المال من أقارب وأصدقاء، وأحياناً أبيع بعض أغراضي الشخصية".
وتتعدد الحكايات والأمثلة التي تشير إلى المشكلة نفسها على صعيد غلاء الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية، وأوجد ذلك تدخلات من المجتمع المدني لدعم الطلاب وأسرهم.
ويخبر الناشط الإعلامي حمزة المعروفي "العربي الجديد" أن منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية والمجتمع المحلي والمغتربين من أبناء محافظة السويداء لم يتوقفوا منذ نهاية العام الدراسي الماضي عن تقديم تبرعات للتعليم في المحافظة، وأن قيمتها تجاوزت مليار ليرة سورية (68 ألف دولار) رُصدت لدعم التعليم سواء الصيفي مثل دورات تقوية، أو الموسمي لتوزيع القرطاسية وشراء الكتب والمستلزمات، بحسب الأولوية المرتبطة بأوضاع الأسر، والتكفل بمصاريف بعض الطلاب الجامعيين.
ويعلّق: "لولا هذه المبادرات الخيرية والتكاتف المجتمعي لكانت السويداء الفقيرة بمواردها الاقتصادية احتلت المرتبة الأولى في قائمة التسرّب من الدراسة. وهذه الوقفة الجماعية لدعم التعليم حصلت رغم أنها تشكل حملاً كبيراً على المتبرعين في ظل ظرف اقتصادي متردٍ يشمل غالبية أبناء المحافظة".
يضطر كثير من السوريين إلى شراء الكتب القديمة كونهم لا يملكون المال
ويتحدث الناشط المدني في درعا، محمد الحريري، لـ"العربي الجديد"، عن أن المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني في محافظة درعا تتكفل، مثل محافظة السويداء، بدعم شريحة واسعة من الأهالي والطلاب لمواكبة العملية التعليمية والتحضيرات للعام الدراسي الجديد. ويقول: "فعلياً يستطيع عدد قليل من الأهالي شراء قرطاسية كاملة لأبنائهم، والوضع مزرٍ جداً، والتعاضد المجتمعي خير وسيلة للإبقاء على أكبر نسبة من الأطفال واليافعين ضمن أجواء الدراسة، وهذه مسؤولية مجتمعية كبيرة جداً".
ويقول معن م. الذي يملك مكتبات في محافظة اللاذقية لـ"العربي الجديد": "يحتاج التلميذ في مرحلة التعليم الأساسي الأولى إلى 500 ألف ليرة (33 دولاراً) في المتوسط لتأمين المستلزمات الدراسية له، في حين يتعدى تأمين المستلزمات الدراسية لطالب في المرحلتين الاعدادية والثانوية مبلغ 700 ألف ليرة (48 دولاراً) على الأقل بين كتب وقرطاسية ومستلزمات أخرى".
ويشير إلى أن السعر الوسطي للدفتر الواحد لطلاب المرحلتين الاعدادية والثانوية يبدأ بخمسة آلاف ليرة (33 سنتاً)، ويصل إلى 15 ألف ليرة (نحو دولار)، أما الأقلام فتبدأ من 1500 ليرة (10 سنتات) وصولاً إلى خمسة آلاف للأنواع المتوسطة الجودة، وثمّة مستلزمات أخرى مثل معدات مادة الهندسة وغيرها الضرورية.
وبالنسبة إلى العديد من الأسر تقود هذه التحديات للخوف على مستقبل التعليم في البلاد الذي بات باعتقادها من الأمور الكمالية في ظل معاناتها من العوز والفقر، ما يدفعها إلى تسريب أطفالها من المدارس من أجل تعلّم مهنة ترى هذه الأسر أن تسرّع مستقبل جني المال والبقاء على قيد الحياة.
ويشير سامي ج.، مدير مدرسة إعدادية في ريف دمشق، إلى أن التسرّب من المدارس أصبح أمراً تحبذه أسر فقيرة كثيرة تشكل تكاليف الدراسة عبئاً عليها، إلى جانب انتظار النتائج المادية للتحصيل العلمي عبر الحصول على وظيفة يتوقعون ألا يغني راتبها أو يسمن من جوع. ويتحدث لـ"العربي الجديد" عن أن "لا إحصاءات رسمية دقيقة لأعداد المتسرّبين من المدارس في سورية. وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم العام الماضي أن نسبة المتسرّبين بلغت 2.5 في المائة، لكن هذه النسبة اعتباطية فالأكيد أنها أكثر من ذلك وتزداد في شكل دائم".
ومن خلال متابعة واقع المدارس، يتضح تعمّد إهمال تلك الحكومية المجانية، في حين بات واضحاً توجه الحكومة إلى خصخصة التعليم أو جزء منه، كما يجرى في باقي الوزارات مثل النقل والصحة والاتصالات، ما يمهد لفقدان الشريحة الكبرى من المجتمع السوري حقها في الحصول على تعليم سليم، خصوصاً أن أجور المدارس الخاصة مرتفعة جداً، ما لا يسمح باستقطاب شريحة محددة من التلاميذ. وفيما باتت المدارس الخاصة أو مراكز المتابعة تملأ المدن السورية، يزداد التسرّب من المدارس الذي يشكل خطراً كبيراً على المجتمع.
وفيما يبقى التعليم هو الأمل الوحيد لمستقبل أفضل يُطرح السؤال كيف يمكن أن يحقق طلاب أحلامهم في ظل الضغط الاقتصادي؟ السؤال معلقّ في الهواء في وقت يستمر الصراع اليومي لتأمين أبسط احتياجات الحياة.