تحذير أممي من ذوبان قياسي للأنهر الجليدية

21 ابريل 2023
اختفاء الأنهر الجليدية سوف يحدّ من إمدادات المياه العذبة (ميغيل ميدينا/فرانس برس)
+ الخط -

حذّرت الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، من الذوبان السريع للأنهر الجليدية في العالم عام 2022 الماضي، من دون القدرة على لجم الوضع في ظلّ بلوغ مؤشرات تغيّر المناخ مجدداً مستويات قياسية.

وبيّنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أنّ الأعوام الثمانية الماضية كانت الأكثر دفئاً على الإطلاق، فيما بلغت تركيزات غازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون، ذروتها. وأوضحت المنظمة في تقريرها المناخي السنوي أنّ "الجليد البحري في أنتاركتيكا انخفض إلى أدنى مستوى له على الإطلاق". كذلك سجّلت مستويات سطح البحر ارتفاعاً قياسياً، إذ ارتفعت بمعدّل 4.62 مليمترات سنوياً بين عامَي 2013 و2022، أي ضعف المعدّل الذي كانت عليه بين عامَي 1993 و2002. وسُجّلت درجات حرارة قياسية في المحيطات حيث تنتهي نحو 90 في المائة من الحرارة المحتبسة على الأرض بسبب غازات الدفيئة.

وتنصّ اتفاقية باريس بشأن المناخ الصادرة في عام 2015 على عمل البلدان الموقّعة على حصر الاحترار المناخي بدرجتَين مئويتَين مقارنة بمعدّلات ما قبل الثورة الصناعية في منتصف القرن التاسع عشر، وبـ1.5 درجة مئوية إذا أمكن.

وأفاد تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بأنّ متوسط درجة الحرارة العالمية في عام 2022 كان أعلى بـ1.15 درجة مئوية فوق المعدّل للأعوام ما بين 1850 و1900. وسُجّلت معدّلات درجات الحرارة العالمية القياسية في الأعوام الثمانية الماضية، على الرغم من تأثير التبريد الناجم عن ظاهرة "لا نينيا" المناخية التي امتدّت على نحو نصف تلك الفترة.

وأوضح التقرير أنّ تركيزات غازات الدفيئة وصلت إلى مستويات قصوى جديدة في عام 2021. فبلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون 415.7 جزءاً في المليون عالمياً، أي 149 في المائة من مستوى ما قبل الثورة الصناعية (عام 1750)، فيما وصل تركيز الميثان إلى 262 في المائة وأكسيد النيتروز إلى 124 في المائة. وتشير البيانات إلى أنّ مستويات التركيز هذه استمرّت في الزيادة في عام 2022.

خطر مستمر

وقد شهدت الأنهر الجليدية المرجعية في العالم، أي تلك التي تملك بيانات على المدى الطويل، خسارة في السماكة بمتوسط يزيد عن 1.3 متر ما بين أكتوبر/ تشرين الأول 2021 والشهر نفسه من عام 2022، وهي خسارة أكبر بكثير من المتوسط على مدى العقد الماضي. وبلغت الخسائر التراكمية لسماكة الجليد منذ عام 1970 نحو 30 متراً.

في أوروبا، حطّمت جبال الألب الأرقام القياسية لذوبان الأنهر الجليدية بسبب تضافر عوامل عدّة، من بينها النقص في تساقط الثلوج في خلال الشتاء وموجة الغبار الصحراوي في مارس/ آذار 2022 وموجات الحرّ ما بين مايو/ أيار وأوائل سبتمبر/ أيلول من العام نفسه.

وقال رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بيتيري تالاس لوكالة فرانس برس: "لقد خسرنا بالفعل اللعبة على صعيد ذوبان الأنهر الجليدية، لأنّ لدينا مثل هذا التركيز العالي لثاني أكسيد الكربون". وفي جبال الألب السويسرية، "فقدنا في الصيف الماضي 6.2 في المائة من كتلة الأنهر الجليدية، وهي أعلى نسبة منذ بدء التسجيلات". وشدّد تالاس على أنّ "هذا أمر خطر"، إذ إنّ اختفاء الأنهر الجليدية سوف يحدّ من إمدادات المياه العذبة للبشر والمزروعات، كذلك فإنّه سوف يضرّ بمسارات النقل إذا صارت الأنهر أقلّ قابلية للملاحة. وأوضح تالاس أنّ "هذا النوع من الأمور سوف يتسبب في مخاطر كبيرة مستقبلاً"، مضيفاً أنّ "أنهراً جليدية جبلية كثيرة سوف تختفي، وسوف يستمرّ تقلّص الأنهر الجليدية في القطب الجنوبي وغرينلاند على المدى الطويل، ما لم نستحدث وسيلة لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي".

بصيص أمل

على الرغم من النقاط السيّئة التي وردت في التقرير، أشار تالاس إلى أنّ ثمّة ما يدعو إلى بعض التفاؤل. وقال إنّ وسائل مكافحة تغيّر المناخ صارت ميسورة التكلفة، إذ أصبحت مصادر الطاقة الخضراء أرخص ثمناً من الوقود الأحفوري، في حين يطوّر العالم أساليب لتحسين الكفاءة المناخية.

وشرح تالاس أنّ الكوكب لم يعد يتّجه نحو احترار بثلاث إلى خمس درجات مئوية، بحسب ما كان متوقعاً في عام 2014، لكنّه الآن في طريقه إلى احترار يتراوح ما بين 2.5 و3 درجات مئوية. وتابع أنّه "في أفضل الأحوال، سوف نظلّ قادرين على بلوغ عتبة احترار عند 1.5 درجة مئوية، وهو ما سوف يكون أفضل لرفاهية البشرية والمحيط الحيوي والاقتصاد العالمي".

وبيّن تالاس أنّ 32 دولة خفّضت انبعاثاتها وما زالت اقتصاداتها تنمو، موضحاً أنّه "لم يعد ثمّة رابط تلقائي ما بين النمو الاقتصادي وازدياد الانبعاثات". وأكمل تالاس أنّ زعماء العالم صاروا "يتحدّثون جميعاً عن تغيّر المناخ بوصفه مشكلة خطرة، وبدأت الدول في التصرّف"، خلافاً لما كان الوضع عليه قبل عقد من الزمن.

(فرانس برس)

المساهمون