يدور جدل في تونس حول طلب الهيئة الوطنية لعمادة الأطباء التونسيين وقف أنشطة منصات الكشف عن بعد التي تديرها شركات متخصصة في مجال الخدمات الصحية، ورفض الحلول والعلاجات التي تقدمها للأمراض، وذلك في انتظار استكمال القوانين التي تنظم هذه النشاطات "من أجل حماية الخدمات من زحف النشاط التجاري".
وطالبت الهيئة في بيان أعضاءها بوقف كل أشكال التعامل مع المنصات والشركات التي تقدم حلولاً صحية عن بعد، واعتبرت أن التعاقد مع الشركات يعرّض الأطباء لمساءلة قانونية في غياب نص يسمح بممارسة هذا النوع من النشاط وينظمه.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت منصات شركات ناشئة للكشف الطبي عن بعد إقبالاً كبيراً تعزز خلال الموجة الأولى من جائحة كورونا في ربيع عام 2020، حين اضطر الأطباء إلى غلق عياداتهم.
وسهّلت هذه المنصات التواصل بين طالبي الخدمات الصحية ومقدميها في شكل عاجل في مقابل أجور مالية، واقترحت حلولاً طبية على مدار الساعة في كل الاختصاصات .
وكانت وزارة الصحة أصدرت عام 2018 نصاً قانونياً لتنظيم الخدمات الطبية عن بعد، إثر إطلاق المستشفيات الحكومية تجربة تطبيق هذه الخدمة. لكن الأرباح التجارية لمنصات هذه الخدمات لم تخضع لأي إشراف.
ويؤكد عضو الهيئة الوطنية لعمادة الأطباء التونسيين نزيه الزغل لـ "العربي الجديد" ضرورة التقيد بالنصوص القانونية في ممارسة مهنة الطب لتجنب انحرافها إلى عملية تجارية بحتة، ويقول: "لا تعارض الهيئة الممارسة الطبية عن بعد، لكنها تعترض على ممارستها خارج الأطر القانونية. وقد طالبت بفسخ الأطباء عقودهم مع شركات الخدمات الطبية عن بعد لحماية المهنة، في حين يجب أن تصدر وزارة الصحة النصوص المناسبة للحدّ من التجاوزات التي قد تعرّض الأطباء لمساءلة قانونية" .
ويشير إلى أن "منصات الخدمات الطبية عن بعد تقدم حلولاً تكنولوجية جيدة، لكن لا بدّ من استكمال إجراءات تشريعها قانونياً في ظل تنامي الانتقادات الواسعة لها. ومن الضروري أيضاً أن يتقيّد الأطباء بأخلاقيات المهنة على صعيد احترام التعرفة التي تحددها الهيئة للكشوف والأعمال الطبية، علماُ أن الكشف الطبي عن بعد يفرض طلب الأطباء المتعاقدين معها تعريفات أقل من تلك القانونية من أجل جلب المرضى" .
ويلفت الزغل إلى أن "كل عمليات التعاقد التي تجري بين الشركات والأطباء غير قانونية، وتعرضهم لمساءلة قانونية وعقوبات". لكنه يستدرك بأن "التحايل في الاعتماد على خدمات أطباء غير مسجلين أمر غير ممكن فالمنصات الإلكترونية تعتمد على قاعدة بيانات هيئة الأطباء التي تصدر جداول رسمية سنوية للمنضمين إليها".
وتعرض المنصات الناشطة في مجال الطبابة عن بعد كل الخدمات الصحية والتشخيصية والاستشارية والعلاجية التي توفرها المستشفيات والعيادات الطبية، وتنفذ وظائف وممارسات طبية عدة، رغم وجود المرضى والأطباء في مناطق مختلفة ومتباعدة جغرافياً.
في المقابل، يشدد المشرفون على منصات الطبابة عن بعد على أن 75 بالمائة من نسبة الزيارات والاستشارات المباشرة التي تحصل عبر زيارة الطبيب يمكن الخضوع لها والإفادة من خدماتها عبر الإنترنت".
ويقول مسؤول في منصة للاستشارات الطبية عن بعد فضل عدم كشف اسمه لـ"العربي الجديد" إن" الحلول التي تقدمها المنصة تزيد حظوظ الأشخاص الذين يعانون صعوبات في التنقل في الحصول على رعاية مناسبة، وتسمح بحصولهم على الخدمات الطبية جيدة".
يضيف: "تخفّض الرعاية الصحية المنزلية الكلفة العامة للصحة، ما يفسّر التطور السريع لخدماتها، خصوصاً بعدما كشفت جائحة كورونا جدوى الحلول العلاجية والاستشارية الجديدة في عالم الطب".
ويعتبر أن "التواصل عن بعد عبر الإنترنت مع أطباء واختصاصيين صحيين هو عامل مساعد ومميز في عالم طب المستقبل، خصوصاً أن كل المعاملات والمحادثات التي تجرى بين الطبيب والمريض تحصل بسرية تامة، حيث تشفّر المنصات المتخصصة كل البيانات قبل تخزينها على برنامج خدماتي آمن ومضمون من أجل تكريس احترام المعلومات الشخصية" .
أما الاتحاد التونسي للمهن الحرة فلا يدافع عن منصات الطبابة عن بعد في غياب النص القانوني التي يشرّع أنشطتها ويحددها. ويرى رئيسه أنيس الوهابي أنه "في غياب قانون يحدد مسؤولية كل طرف يصبح استعمال التكنولوجيا من باب الهواية التي لا تحمي المريض والطبيب وحتى صندوق التأمين على المرض. وفي كل الأحوال، لا يجب أن توظف التكنولوجيا فقط للمسائل الربحية، وتتجاوز الهياكل المهنية".