يبدأ حوالى 70 من تلاميذ المرحلة الابتدائية في منطقة تجمع الجوايا، شرق مدينة يطا، جنوب الخليل، في الضفة الغربية، يومهم الدراسي بالانتقال من منازلهم المهددة بالانهيار والتعرض للأمطار الكثيفة وأحوال الطقس السيئة في الشتاء، إلى غرف صفوف عبارة عن بيوت متنقلة (كرفانات) تتسرب مياه الأمطار إليها، ولا تختلف حالها عن حال منازلهم التي تتوزع بين الخيم والكهوف وغرف الطوب المسقوفة بصفيح.
يقول حسين الشواهين، لـ"العربي الجديد": "حال الطلاب مزرية للغاية. من سوء حظهم أنه بعد انتظار طويل لم توفر المدرسة التي استحدثت لهم في التجمع متطلبات تسهيل عملية تعليمهم، رغم أنها عالجت مشكلة اضطرارهم إلى قطع كيلومترات مشياً على الأقدام لقصد مدارس مجاورة في منطقتي مسافر يطا وأم لصفا بتجمع خلة المي القريب أيضاً".
يضيف: "بدلاً من أن تبدأ المعلمات الحصص بشرح الدروس يشرعن في التخلص من المياه داخل الكرفانات المهددة أسقفها بالسقوط على رؤوس الطلاب في أي وقت، خصوصاً مع بدء فصل الشتاء وهطول الأمطار".
ويعتبر الشتاء الحالي الأول لطلاب تجمع الجوايا في مدرستهم التي خذلتهم صفوفها الغارقة بمياه الأمطار. ويوضح الشواهين أن الأهالي أبلغوا مسؤولي مديرية التربية والتعليم بأن الكرفانات قد تنهار مع أول سقوط للثلج على رؤوس التلاميذ.
يضم "تجمع الجوايا" حوالي مائة بيت، تشمل منازل مبنية من طوب ومسقوفة بالصفيح وخيماً وكهوفاً، إضافة إلى بعض المباني المشيّدة من الحجر، وهناك غرف زراعية أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مالكي 40 منها بأنها ستهدم، وتقع غالبيتها في المنطقة المصنفة "ج" التي تمنع تقسيمات اتفاق أوسلو أصحابها من البناء والعيش عليها، بينما تشكل الأراضي المصنفة "ب" نسبة 50 في المائة الباقية من مساحة تجمع الجوايا التي تبلغ حوالي 6000 دونم.
ويشير الشواهين إلى أن المنازل الضعيفة البنية التي قد يبنيها الأهالي الذين يتجاوز عددهم 500 رغم تهديدات مواجهة الهدم، تتعرض لاحتمال تسرب الأمطار إليها، وهو ما يحاول السكان معالجته بالأغطية البلاستيكية والشوادر.
نساء "مهمّشات"
وفيما لا يحل الشتاء وحده ثقيلاً على أهالي تجمع الجوايا بتأثير التضييق الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي على عمليات البناء وإنشاء البنى التحتية، تواجه النساء مشكلة الشعور بأنهن لا يفعلن شيئاً في الحياة غير الجلوس في المنازل والمشاركة في موسم الزراعة. وتقول الشابة سعاد النواجعة (32 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "قصدت نساء في التجمع مؤسسات نسوية كثيرة وأخرى تعنى بشؤون المشاريع الإنتاجية للنساء في المناطق المهمّشة والمهددة للمطالبة بإنشاء مشروع للنساء في التجمع، لكن أي جهة لم تستجب لطلبهن. وشخصياً، أنهيت قبل 15 عاماً دراسة تخصص الخدمة الاجتماعية في الجامعة، وما زلت أنتظر فرصة عمل لم تتوفر لي حتى عندما أنشئت مدرسة في التجمع، إذ جلبت وزارة التربية والتعليم معلمات من خارجه. وقد احتججت مع متخرجات أخريات على ذلك، لكن مسؤولي الوزارة قالوا لنا إن (كل شيء بالدور)".
وتوضح سعاد أنها تستطيع أن تعمل مرشدة اجتماعية ونفسية في المدرسة، لكنها تستغرب أن لا تتوفر فرص لها أو للنساء المتعلمات من سكان تجمع الجوايا، وتعتبر أن هذا الأمر "يضاعف الضغوط التي يخلقها الاحتلال على أبناء التجمع، وتلك التي يمارسها المستوطنون عليهم، وتشعر النساء خصوصاً بأن أوضاعهن أكثر إيلاماً".
وتعلّق: "الأجواء السائدة تخنقني، فأنا ما زلت أعيش هول مشهد هدم منزل أخي العريس إسماعيل، وأشعر بأنني سأسقط أرضاً ويغمى علي. أعاننا الله على ما نعيشه، فنحن نمكث في خيمة حالياً، علماً أننا كنا قد غادرنا أيضاً منزلنا السابق، وهو عبارة عن خيمة وغرفة من الطوب مسقوفة بصفيح، وقصدنا منزل أخي الذي لم يتزوج بعد".
لا لليأس
من جهتها، تقول عدن النواجعة (23 عاماً)، التي رفضت الجلوس مكتوفة الأيدي في تجمع الجوايا، وحاولت كما سعاد، بلا جدوى، طرق الأبواب بحثاً عن نجدة نسوية لنساء التجمع، لـ"العربي الجديد": "أكمل دراسة شهادة الماجستير في اختصاص الترجمة واللغويات التطبيقية في جامعة النجاح بمدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، لكنني أشعر بأن نساء تجمع الجوايا مهمّشات بسبب حال التجمع. حاولنا جلب مشاريع لتعزيز القدرات الشخصية والاقتصادية لنساء التجمع اللواتي يناهز عددهن المائة، كي يخرجن من بيوتهن على الأقل ويعشن في أجواء مختلفة، خصوصاً أنه يصعب على النساء عبور كيلومترات مشياً على الطرق الترابية الوعرة للتوجه إلى بلدة الكرمل".
وفي ظل يأس عدن من اتخاذ المؤسسات الرسمية أو الخاصة خطوات عملية لتغيير الحال السائدة في تجمع الجوايا، ارتأت أن تطور نفسها وتواصل تعليمها، وتوسع دائرة علاقاتها المهنية كونها تعمل في مجال تعزيز قدرات المرأة في المناطق المهمّشة، وتقول: "لم أعارض المشي لمسافة طويلة للالتحاق بالدورات والندوات خارج التجمع، رغم أنني أتعرض لخطر الكلاب الضالة والمستوطنين، كما أشارك في ندوات عبر تطبيق زووم، وأصرّ على أنني لن أيأس ولن أبقى في مكاني، فمن حق أهالي تجمع الجوايا أن يحصلوا على خدمات ودعم، لذا قررت مع نساء أخريات بعد سنوات من المعاناة أن ندعم أنفسنا بأنفسنا، وأنشأنا مدرسة بتبرع وجهد محلي كي نوفر على الطلاب، خصوصاً صغار السن، المشي لمسافات طويلة، لأن الأمر يعتبر جريمة في حقهم، وجمعنا المال من الأهالي لبناء عيادة سنفتتحها قريباً".
تضييقات المستوطنين
فعلياً لا تزال عائلات النواجعة والشواهين ودعاجنة ومخامرة تقطن في تجمع الجوايا، وتملك ثروة حيوانية تشكل وسيلة عمل لأبنائها الذين يمارس بعضهم أيضاً مهناً في الداخل الفلسطيني المحتل، مثل التدريس في يطا ومسافر يطا والكرمل، وتربية الأغنام. لكن سكان المستوطنات المحيطة المقامة على أراضي الفلسطينيين لا يتركون المزارعين وشأنهم.
يقول خليل النواجعة، الذي يعمل مدرساً ويملك قطيع أغنام، لـ"العربي الجديد": "تشمل الزراعة في تجمع الجوايا القمح والشعير وبعض البقوليات التي تتناسب مع الطبيعة الجغرافية الجبلية والصحراوية لمنطقتنا، واعتمادنا على الآبار لجمع المياه واستخدامها أو شراء الصهاريج. والحقيقة أن انقطاع المياه لا يساعدنا في الانتقال إلى زراعات أُخرى، ومن تتوفر لديه أحياناً القدرة على تأمين مياه أو شرائها يزرع اللفت".
يضيف بحسرة: "كان الله في عون الرعاة وأصحاب الثروة الحيوانية في تجمع الجوايا. ففي حال اقتربوا من المستوطنات المحيطة، يتعرضون لضرب مبرح واعتداءات شديدة على يد المستوطنين. وأحياناً تعتقل شرطة وجيش الاحتلال بعضهم وتوقفهم في مراكز احتجاز بمستوطنة كريات أربع المشيّدة على أراضي الخليل، ويشترطون دفع غرامات مالية كبيرة للإفراج عنهم".
ويصف النواجعة أوضاع أهالي تجمع الجوايا بأنه "مأساوي"، ويشير إلى أن الرعاة والمزارعين "يخاطرون بأرواحهم كي يوفروا المأكل لأغنامهم في مناطق مناسبة توجد معظمها قرب المستوطنات، أو يختارون مناطق أخرى لا تنفع للرعي، فينتهي يومهم كأنهم لم يفعلوا شيئاً"، وهكذا يضطرون في النهاية إلى بيع جزء من أغنامهم لجلب أعلاف لباقي القطيع، فيما لا تقدم أي جهات رسمية فلسطينية حتى الأعلاف للمزارعين من أجل تخفيف عبء ما يقاسونه بسبب تضييق الاحتلال ومستوطنيه عليهم.
ويقع تجمع الجوايا شرق بلدة يطا، ولا يتبع لأي تجمع آخر، وبينها مسافر يطا، الذي يحيط به من الشرق والجنوب، أو تجمع خلة المي الذي يحيط به من الشمال، أو بلدة الكرمل التي تحيط به من الغرب.
تبلغ مساحة تجمع الجوايا نحو 6 آلاف دونم، وتقام على أراضيه ثلاث مستوطنات، هي: ماعون، وكرمئيل، وعين بضة الجديدة، إضافة إلى شارع 60 الاستيطاني.
أما أراضي التجمع، فتنقسم إلى منطقة "أ" التي تقع تحت مسؤولية وزارة الحكم المحلي، و"ب" التابعة لبلدية الكرمل المجاورة، و"ج" التي تضم خيماً وغرفاً زراعية مسقوفة بصفيح بعضها مهدد بالهدم، ولا يسمح الاحتلال لأهاليها بالبناء أو بتعبيد طرقها.