تتارستان تحيي ذكرى التصدي لموسكو

10 يونيو 2021
بدأت الأمزجة المعادية لروسيا تفقد شعبيتها في تتارستان (ييغور عالييف/ Getty)
+ الخط -

رسمياً، بدأت جمهورية تتارستان، ذات الغالبية المسلمة، والواقعة على بعد نحو 700 كيلومتر، شرق موسكو، إحياء ذكرى القتلى الذين سقطوا في التصدي لقوات قيصر عموم روسيا الأول، إيفان الرابع، والملقب بـ "الرهيب"، إذ شهدت سنوات حكمه في القرن الـ 16 الميلادي توسعاً روسياً كبيراً.  
وفي وقت تصادف فيه يوم "ذكرى شهداء قازان" الثالث عشر من شوال بالتقويم الهجري، احتفلت الإدارة الدينية لجمهورية تتارستان بالذكرى هذا العام في 25 مايو/ أيار الماضي، معلنة أنّ هذه الفعالية ستصبح من الآن فصاعداً سنوية. وأقيمت الفعاليات الرسمية لإحياء "ذكرى الشهداء" بجوار ضريح خانات قازان في الكرملين المحلي، وشمل برنامج إحياء ذكرى الشهداء تلاوة القرآن الكريم والدعاء لأرواح القتلى.
ومن اللافت أنّ إضفاء الصفة الرسمية على ذكرى من سقطوا في الدفاع عن قازان، يتزامن مع حملة تضييق الخناق على "المركز الاجتماعي لعموم التتار" الذي ظلّ ينظم الفعالية منذ عام 1989، وعرف في ما بعد بتبنيه مواقف معادية لروسيا، الأمر الذي زاد من الترجيحات بأنّ الخطوة تهدف إلى وضع حدّ لأيّ نزعة قومية متشددة محتملة في تتارستان. 
في هذا الإطار، يتوقع الباحث في الشؤون الإسلامية، ورئيس تحرير مجلة "العالم الإسلامي"، رئيس سليمانوف، أن ينزع إضفاء الصفة الرسمية على إحياء "ذكرى شهداء قازان" التوجه المعادي لروسيا عن هذه المناسبة الذي ازداد منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014، علماً أن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في تلك السنة تشمل عدداً من التتار المحليين الذين تم ترحيلهم من قبل السوفييت بتهمة التعاون مع الاحتلال الألماني النازي عام 1944. ويقول سليمانوف لـ "العربي الجديد": "بدأ المثقفون التتار العلمانيون إحياء ذكرى شهداء التصدي لإيفان الرهيب منذ عام 1989، وشملت فعالياتهم مسيرة ثم وقفة في كرملين قازان بجوار "برج سيويومبيكا". وسيويومبيكا خانم بنت يوسف بك، هي أميرة خانية قازان الأخيرة التي تصدت للرهيب، قبل سقوط الخانية في يد موسكو. لكن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، توجه عدد من الأقاليم الروسية لإعلان سيادته، الأمر الذي أدى إلى تحول إحياء ذكرى الشهداء تدريجياً إلى فعالية سياسية معارضة مناهضة لروسيا". 
ويشار إلى أنّ خانية قازان (1438 - 1552) شملت أراضي الجمهوريات الروسية المعاصرة وهي تتارستان، وماري إل، وتشوفاشيا، وموردوفيا، وأجزاء من أودمورتيا وباشكورستان، وعاصمتها كانت مدينة قازان.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي ما يتعلق بالتحولات في أمزجة التتار حيال روسيا مع بداية القرن الجديد، يقول: "في العقد الأول من القرن الـ 21، بدأت الأمزجة المعادية لروسيا تفقد شعبيتها في تتارستان، وتراجع عدد المشاركين في فعاليات إحياء ذكرى الشهداء من بضعة آلاف إلى ما بين 150 إلى 200 مشارك فقط. إلاّ أنّ توجهها السياسي عاد من جديد مع اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014 وانحياز العديد من التتار علناً لأوكرانيا، الأمر الذي لم يعجب السلطات المحلية والفدرالية، فتوجهت نحو وضع آلية لتنظيم فعالية إحياء ذكرى بحتة بلا مسيرات مناهضة لروسيا. كما أنّ هناك تحركات لإدراج المركز الاجتماعي لعموم التتار على قائمة المنظمات المتطرفة بحلول الخريف المقبل حتى لا ينظم فعاليته في أكتوبر/ تشرين الأول الذي تحل فيه ذكرى غزو قازان بالتقويم الميلادي، بل سيتغير تاريخها من عام إلى آخر، وفق التقويم الهجري". ويلفت سليمانوف إلى أنّ هناك مسلمين تتاراً كانوا موجودين كذلك ضمن جيش إيفان الرهيب، وليس بين المدافعين فقط الذين ضمت صفوفهم مسيحيين أرثوذكساً أيضاً، مما دفع بالكنيسة الأرثوذكسية في قازان لإقامة قداسات لإحياء ذكراهم بلا أبعاد سياسية منذ عام 2002. 
وكان مفتي تتارستان كامل سميع الله، قد ترأس في 25 مايو/ أيار الماضي، مراسم إحياء ذكرى شهداء الدفاع عن قازان، موضحاً ما يجري بالقول: "كلّ شعب له شهداؤه، والتتار هم بالدرجة الأولى من سقطوا عند غزو قازان، خصوصاً أنّ أحداث عام 1552 جرت خلال شهر رمضان. واجبنا أن نتذكرهم وندرس تاريخنا ونزرع الحبّ له لدى الجيل الناشئ". ولإبعاد شبهة معاداة روسيا عن يوم الذكرى الجديد، يلفت سميع الله إلى أنه "كان هناك العديد من الشهداء للشعب التتاري بعد عام 1552، وقد ضحى هؤلاء بأرواحهم في سبيل الدين والوطن والأمة، ولذلك يجب تذكرهم أيضاً" داعياً إلى تخصيص يوم ذكرى شهداء قازان لإحياء ذكرى جميع شهداء الأمة التتارية. 

وسيطرت قوات إيفان الرهيب على قازان في أكتوبر/ تشرين الأول 1552، مقتحمة المدينة بعد حصار دام 41 يوماً، مما وضع نهاية لتاريخ خانية قازان.  
ويعد أمير موسكو وأول قيصر روسي، إيفان الرابع (1530 - 1584)، من الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ روسيا، إذ شهدت سنوات حكمه توسعاً روسياً كبيراً بسيطرته على قازان والتوغل في آسيا وغرب سيبيريا. إلاّ أنّه لقب بـ"الرهيب" نظراً لأنّه عرف أيضاً بتسلط وقسوة غير مسبوقين وصلا إلى حدّ القمع وتنفيذ إعدامات جماعية بأبشع الأساليب، بل إلى حد ضربه أحد أبنائه حتى الموت.

المساهمون