تحتاج مدارس كثيرة في أرياف تونس إلى الصيانة والترميم، وتعاني نقصاً في المعدات الرئيسية، ما دفع شباباً متطوعين إلى جمع تبرعات لترميمها.
أعلنت البطلة العالمية في كرة المضرب أُنس جابر أنّها ستتبرّع بمبلغ 40 ألف دولار لترميم مدرسة في جهة برقو في محافظة سليانة، وهي منطقة ريفية بشمال غرب تونس، إذ تعاني غالبية مدارسها من سوء البنى التحتية ونقص التجهيزات، بل إنّ بعضها مهدد بالانهيار.
ولقيت مبادرتها استحسان العديد من التونسيين، وحفزت عشرات الشباب على إطلاق حملة تبرعات لترميم المدارس التي تواجه مشاكل كثيرة، وقد شهدت السنوات الأخيرة أحداثاً مأساوية إثر انهيار أسقف بعض الأقسام في المدارس والمعاهد، والتي خلّفت إصابات بين التلاميذ وتسببت بتعطيل الدروس أكثر من مرّة.
ولجأ هؤلاء إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بمبادرتهم وجمع التبرعات سواء كانت مادية أو مواد بناء أو تجهيزات أو أدوات مدرسية قد توزع على بعض التلاميذ المحتاجين. ويقول أحد المتطوعين عبد الرحمن كريم لـ "العربي الجديد": "فكر الشباب في تنظيم هذه المبادرة باكراً وقبل العودة إلى المدارس بشهرين، للتمكن من جمع ما قد يكفي لتجهيز بعض المدارس والمعاهد، وحتى يتسنى لهم القيام بأشغال الترميم قبل بدء العام الدراسي. وبدأ العمل من خلال تحديد قائمة بأكثر المدارس والمعاهد التي تحتاج إلى الترميم وخصوصاً في الجهات الداخلية".
ويشير عبد الرحمن إلى أنّ "العديد من المعاهد والمدارس في مختلف الجهات والمدن والمحافظات تحتاج أيضاً إلى الترميم، وليس فقط المدارس في القرى والأرياف، في ظل عدم وجود ميزانية مخصّصة للقيام بالصيانة والترميم بشكل سنوي".
وتعد الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ من بين أكثر الجمعيات التي تحدّثت عن تدهور البنى التحتية للمدارس والمعاهد وضعف الميزانية المخصصة للترميم والصيانة. وأكدت أنّ أكثر من 90 في المائة من موازنة وزارة التربية مخصصة للأجور، ما أدّى إلى تدهور البنى التحتية للمعاهد والمدارس بسبب عدم الصيانة المستمرة، وافتقارها إلى العديد من التجهيزات.
من جهته، يشير الناشط ياسين بن موسى إلى أنّ "الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس أثرت على جميع القطاعات بما في ذلك قطاع التعليم، وباتت الميزانيات توجه في مجملها لدعم الأجور، مع غياب الميزانيات المخصصة للترميم أو الصيانة سواء كانت مستشفيات أو مؤسسات حكومية أو مدارس ومعاهد. وخلال السنوات الثلاث الماضية، يطلق العديد من المتبرعين حملات عدة خلال فترة العطلة الصيفية لجمع تبرعات وترميم ما يمكن ترميمه خلال فصل الصيف، إذ يصعب القيام بأشغال الصيانة والبناء خلال إعطاء الدروس. ووجد الشباب دعماً كبيراً من قبل أولياء التلاميذ ممن يرغبون في تعليم أبنائهم في ظروف جيّدة". ويلفت إلى أن العديد من المواطنين "ساهموا في التبرع لترميم مدارس درسوا فيها سابقاً".
ويعمل المتطوعون على توثيق كل ما يجمعونه أو ما يقومون به من أعمال صيانة، ونشر صور المدارس أو بعض الفصول قبل الترميم وبعده، لتشجيع المتطوعين على المساهمة في هذه المبادرات، وتأكيد مصداقية ما يقومون به من أجل المدارس. في هذا الإطار، تقول هدى (32 عاماً)، وهي إحدى المتطوعات، إنها تعمل منذ ثلاث سنوات مع فريق مكون من أربعة أشخاص على جمع ما يمكن من التبرعات سواء مبالغ مالية أو تجهيزات أو أدوات مكتبية وتوزيعها على أكثر المدارس والمعاهد التي تحتاج إلى صيانة عاجلة، بالتنسيق مع مديري تلك المؤسسات التعليمية ممن يزودونهم بقوائم بكلّ ما تحتاجه المؤسسات. ويشارك بعض الحرفيين في تلك الأعمال التطوعية، من بينهم حدادون أو نجارون، لصيانة مقاعد وكراسي التلاميذ، فيما يتولى آخرون صيانة وطلاء جدران وأسقف الصفوف خلال الصيف". تضيف أنّ المتطوعين "ينشرون صوراً لكل ما يقومون به على مواقع التواصل الاجتماعي، لتحفيز الناس على المشاركة في مثل هذه المبادرات التي من شأنها أن تغيّر أوضاع المدارس والمعاهد إلى الأفضل".
ويحتاج العديد من المدارس إلى تدخل عاجل للقيام بالإصلاحات اللازمة. وأكدت وزارة التربية أنّه توجد أكثر من 450 مؤسسة تربوية تعاني من إشكاليات كبيرة، وخصوصاً لناحية تأمين المياه الصالحة للشرب. ويقول ناشطون وجمعيات تعنى بالتعليم إن عدد المؤسسات التعليمية التي تحتاج إلى ترميم وإصلاحات أكبر بكثير مما هو معلن عنه.
وكانت وزارة التربية قد أعلنت سابقاً أنها خصصت اعتمادات مالية بقيمة 30 مليون دولار منذ عام 2015 لصيانة 634 مدرسة ابتدائية ذات أولوية في إطار برنامجها الاستعجالي لتهيئة وتعهد وصيانة المؤسسات التربوية، خصوصاً المدارس الابتدائية في المناطق الريفية والقرى. كما أشارت إلى أنّها تعمل على تعبئة المزيد من الموارد المالية الضرورية وإبرام اتفاقية مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وبعض الجمعيات للقيام بهذه الأشغال، وصيانة أكبر عدد ممكن من المؤسسات التربوية والانطلاق بأكثرها حاجة للتدخل، خصوصاً أنّ العشر سنوات المقبلة تتطلب إنشاء حوالي 300 مدرسة و3500 قاعة تدريس جديدة بسبب تزايد عدد التلاميذ بنحو 50 ألفاً سنوياً، ما يعني ضرورة توفير اعتمادات مالية كبيرة للصيانة وبناء مدارس ابتدائية ومعاهد ثانوية.