تاريخ وجغرافيا... مصريون يرفضون إهمال كليات الآداب

14 مارس 2022
نسب البطالة مرتفعة بين خرّيجي كليات الآداب في مصر (محمد حسام/ الأناضول)
+ الخط -

 

كان لتصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأثير سلبي على طلاب وخريجي كليات الآداب في مصر، وهي واحدة من أعرق الكليات في البلاد، وإن كانت نسبة البطالة بين خريجيها مرتفعة بحسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء. مؤخراً، أعرب السيسي عن استغرابه إقدام البعض على الالتحاق بأقسام في كليات لا يحتاجها سوق العمل، ضارباً المثل في ذلك بقسمي التاريخ والجغرافيا.

ولا يعد خريجو هذه الأقسام استثناء في مصر، إذ يتشارك البطالة معهم خريجو كليات الحقوق والتجارة والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام والعلوم، الأمر الذي أثار دهشة مراقبين من إشارة السيسي لهذه الأقسام تحديداً بالنقد. وتصل أعداد خريجي كليات الحقوق والتجارة والآداب، وهي من أكثر الكليات التي تخرج طلاباً من دون أي آفاق للعمل، إلى مائتي ألف خريج، بحسب تقديرات رسمية لجهاز الإحصاء المركزي عن عام 2016. 

ويقول مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية ممدوح المنير إن كلام السيسي وسؤاله عن جدوى تعليم التاريخ والجغرافيا لفائدة سوق العمل، يعد مغلوطاً ويكشف عن حجم الخلل الفكري الذي تعاني منه السلطة في مصر. يضيف لـ "العربي الجديد" أن "التاريخ هو ذاكرة الشعوب ومدرستها الأولى في صناعة الحضارات وانهيارها، والجغرافيا هي التي تصنع التاريخ ذاته"، لافتاً إلى أن الحرب الدائرة حالياً بين روسيا وأوكرانيا والتي قد تغير مصير العالم كله تقودها الجغرافيا ويحركها التاريخ.

لكن هذه الدعوة من رأس السلطة في مصر تكشف نظرة الدولة العسكرية للمواطنين؛ فهم بالنسبة لها عمال وموظفون لا أكثر، على حد قول المنير. فالعلوم الإنسانية فضلاً عن أهميتها لسوق العمل إلا أنها تصنع الفكر وتشكل الثقافة بالدرجة نفسها التي تبني القيم والحضارة، لكن هذه الأبعاد جميعها تغيب عن العقلية الحاكمة. ويشير إلى أن هذه الدعوة لوقف دراسة التاريخ والجغرافيا لن تؤثر إيجاباً بتقليل نسبة البطالة في سوق العمل، وخصوصاً أن مصر تعد من أعلى دول المنطقة لناحية البطالة، كما أن النشاط الاقتصادي تسيطر عليه مؤسسات أمنية، بالإضافة إلى عشرات القوانين المعيقة لأي نشاط اقتصادي حقيقي. يتابع: "من يتنازل عن جزء من الوطن لا بد أن يكره الجغرافيا، ومن يطبع مع الاحتلال الإسرائيلي أكثر مما يطبع مع شعبه لا بد من أن يكره التاريخ".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ضرورة مواكبة العالم

من جهته، يقول الصحافي ومحرر قسم الثقافة السابق في جريدة "الأهرام" كارم يحيى إن "الحديث عن انعدام أهمية قسمي التاريخ والجغرافيا كلام غير علمي ولا يستند إلى منطق. لا أعلم بوجود جامعة في العالم ألغت التدريس بقسمي الجغرافيا والتاريخ فيها، بل إن ما أعرفه هو أن كل جامعات العالم لا تخلو مدرجاتها من دارسي التاريخ والجغرافيا".

يضيف يحيى: "جاء انتقاد الدراسة بهذين القسمين في سياق الكلام عن البطالة. لكن من المعلوم أن البطالة تشمل كل الكليات. وإذا كان سوق العمل لا يستوعب خريجيها ضمن آخرين، فالأولى تطوير الدراسة بكلية الآداب وتطعيمها بمواد أخرى لكي يتسلح الطلاب بما يساعدهم على العمل في مجالات مطلوبة، كالإرشاد السياحي مثلاً لو أضيفت دراسات للغات أجنبية لقسم التاريخ".

ويؤكد يحيى أن الجغرافيا والتاريخ يظلان من العلوم الأساسية المطلوبة، لا في كليات الآداب وحدها ولكن أيضاً في كليات أخرى ومنها الكليات العسكرية، مطالباً بضرورة مواكبة العالم في تطوير التدريس بالجامعات عبر إحداث تزاوج بين مختلف العلوم، وهو دور يجب أن يتحدث فيه ويضطلع به العلماء والمثقفون وليس السياسيين.

وتتحدث نادين، وهي خريجة كلية الحقوق في جامعة حلوان جنوب القاهرة، عن الألم من قيام أكبر مسؤول في الدولة بالإشارة إلى حقيقة موجعة، من دون أن يقدم حلاً لها. وتسأل: "ما المطلوب من الطلاب والخريجين إذاً؟ الاكتفاء بشهادة الثانوية العامة، ومن ثم احتراف إحدى الحرف التي تحتاجها المصانع؟".

الصورة
كلية الآداب في جامعة القاهرة (العربي الجديد)
أمام كلية الآداب في جامعة القاهرة (العربي الجديد)

هل الإلغاء وارد؟

لم يفصح السيسي عن جديد برأي مراقبين، وأقر بما هو معروف سلفاً وواقعياً، من دون أن يكشف عن نواياه تجاه هذه الأقسام بتلك الكليات. فهل سيلغي أقسام التاريخ والجغرافيا بها؟ وما البديل؟

درست وتخرجت من كلية الآداب أسماء لامعة في الأدب في مصر، على رأسهم عميد الأدب العربي طه حسين، والروائي العالمي الحائز جائزة نوبل في الآداب نجيب محفوظ. أما في قسم الجغرافيا الذي أشار إليه السيسي، فقد تخرج منه ودرس فيه أستاذ الجغرافيا الأشهر جمال حمدان، صاحب موسوعة شخصية مصر التي قال السيسي إنه قرأها وتأثر بها. وكان وفد التفاوض المصري في قضية التحكيم الخاصة باستعادة طابا من احتلال إسرائيل يضم جغرافيين ومؤرخين، ومنهم الدكتور يونان لبيب رزق.

وأعطى مغردون مثلاً عن الدبلوماسي الأميركي وليام بيرنز، وهو مهندس الاتفاق النووي الإيراني ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه)، والذي اختاره لهذا المنصب الرئيس الأميركي جو بايدن العام الماضي، علماً أنه من خريجي كلية الآداب في جامعة "لا سال" في ولاية بنسلفانيا الأميركية، ولم ينخرط أبداً في السلك العسكري.

وعدّ مغردون نظرة السيسي لتعليم التاريخ والجغرافيا قاصرة، لأنه ألغى التعليم بوصفه رسالة بل عده مجرد مورد للمال. ولفتوا إلى أن مادتي التاريخ والجغرافيا يجب أن تكونا جزءاً من المقررات الدراسية لجميع المواد وفي مختلف الكليات بما في ذلك تلك العسكرية.

في المقابل، يقول مؤيدون للسيسي إنه وضع يده على جرح نازف للأسر، وخصوصاً أنه توجه إلى الأهل الذين يلحقون أولادهم بهذه التخصصات لمجرد حصولهم على شهادات جامعية لا تسمن ولا تغني من جوع. وأشار بعض الناشطين على "تويتر" إلى ضرورة ترشيد الدراسة حول التخصصات التي يحتاجها سوق العمل.

تجدر الإشارة إلى أنّ معدل البطالة في مصر ارتفع بنسبة 0.2 في المائة إلى 7.5 خلال الربع الثالث من 2021 مقارنة بـ7.3 في المائة في الفترة نفسها من العام الذي سبق. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: "سجل تقدير حجم قوة العمل في البلاد 29.380 مليون فرد في مقابل 29.115 مليون فرد خلال الربع السابق بنسبة ارتفاع مقدارها 0.9 في المائة". وأعيد سبب الارتفاع إلى تدفق الخريجين الجدد خلال شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول.

المساهمون