تأهيل منظومة النيل

29 سبتمبر 2020
ارتفع النيل إلى مستويات غير مسبوقة (عباس م. إدريس/ الأناضول)
+ الخط -

هو ذا النيل يصعد هذه المرة إلى أماكن لم يصلها من قبل، لا في فيضان 1988 الشهير، ولا في الفيضان الأشهر منه عام 1946، بينما ظلّت بعض الأماكن التي غشيها في السابق بعيدة عن متناوله.
"يأكل من هنا، ويردم هناك" أعادتني مقولة ذلك الكهل، والتي تعني أنّ النهر في جريانه، ووفق ظروف محددة، يأخذ من هذه الضفة، ويبني بما يحمل من طمي على الضفة الأخرى جروفاً، وربما جزراً.. أعادتني إلى مفهوم الجزر المعزولة عن بعضها، فهذه المؤسسات ذات الصلة بالقضية تتخبّط بياناتها، وتتضارب المعلومات الصادرة عنها بما يشي بعدم التنسيق، الأمر الذي يغبّش رؤى الناس، أكثر مما يوضح من الحقائق. ففيما يؤكد مسؤولو الري أنّ فيضان هذا العام يفوق ما عداه، يقول أهل الأرصاد إنّ ما استقبلته الأعالي من معدلات الهطول يعدّ طبيعياً، إن لم يكن أقل من المعدلات المسببة للفيضانات المدمرة. وباتت الدراسات ونتائج الرصد من الأمور المشكوك فيها، إما بسبب أنّ القائمين على الأمر ليسوا على قدر تلك المهام، أو أنّهم غير قادرين على الوصول إلى المواطن الحائر في هذا الدمار المفاجئ، ولكأنّه يجيء لأول مرة، وفي غير زمانه... فماذا هناك؟
لم يكن في مقدور القرى التي غرقت، ومن فقدوا الأرواح والممتلكات سوى انحسار المياه ليعودوا إلى المزارع الغارقة ليصلحوا من شأنها، وإلى المساكن المهدمة، فيعيدوا بناءها من دون التفاتة في الغالب الأعم لما يدور في كواليس الإغاثة، التي قد لا يصلهم منها إلا النزر اليسير.
عدت إلى ذلك الكهل لأسأله كيف كانوا يجابهون الكارثة، فأشار إلى قنوات كانوا يحفرونها في موازاة مجرى النهر تعطي النهر مياه الأمطار، وتتناول ما يفيض عن مجراه، لتذهب به بعيداً عن المزارع والمساكن، بيد أنّ هذه القنوات دفنت تحت ركام الجهل والتجاهل والإهمال. والآن، يحدثك الخبراء عن إمكانية إعادة تأهيل هذه القنوات، ووصلها بالأودية المدفونة، لأنّ المياه كفيلة بإزاحة الرمال، وبعث الحياة في شجر تلك الأودية، الأمر الذي يساهم في معالجة آثار التغيرات المناخية، واستعادة النظم البيئية المتدهورة. وأشار بعضهم إلى وادي المقدم ووادي الملك، وخور أبو حبل، وقد كانت حتى آنٍ قريب ضمن المنظومة النيلية، وهناك إمكانية لوصلها مجدداً بالنيل من أجل إعادة الحياة إلى آلاف الهكتارات الصالحة للزراعة، إلى جانب استعادة الغابات التي دُمّرت، والمساهمة في عودة المواطنين الذين هجّرهم القحط بدلاً من البقاء حول المدن في سياجات الفقر.

موقف
التحديثات الحية

لا يكفي أن تجعل للكارثة أصابع للاتهام لمختلف الجهات هنا وهناك، فيما المواطن يغرق في معاناته حتى تزول الكارثة، أو تتقلص آثارها، بل لا بدّ من فعل موجب واستراتيجي.
*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون