بعد توقيع رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو تعديلات قانونية لتوسيع تطبيق عقوبة الإعدام إلى المدانين بتنفيذ أعمال إرهابية، ودخوله حيز التنفيذ في نهاية مايو/ أيار الماضي، يتخوف حقوقيون محليون من زيادة تنفيذ الإعدامات التي انحصرت في السنوات الأخيرة في مرتكبي جرائم قتل بالغة الخطورة.
وتلحظ التعديلات الجديدة على القانون الجنائي البيلاروسي، والتي دخلت قيد التنفيذ اعتباراً من 29 مايو/ أيار الماضي، تطبيق عقوبة الإعدام رمياً بالرصاص كإجراء استثنائي لمعاقبة الجرائم البالغة الخطورة، مثل القتل المتعمد وجرائم الإرهاب الدولي ومحاولاتها، علماً أن بيلاروسيا تبقى البلد الوحيد في أوروبا الذي لا يزال يطبق عقوبة الإعدام، ومنذ أن نالت استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، أصدر قضاؤها أكثر من 300 حكم إعدام، وفق ما يقدره حقوقيون، علماً أن تطبيق عقوبة الإعدام في بيلاروسيا يشمل فقط المدانين الرجال فوق الـ18 عاماً.
واللافت أن توسيع قائمة الجرائم التي تخضع لعقوبات الإعدام إلى المدانين بتنفيذ أعمال إرهابية، جاء في أعقاب ملاحقة عدد من أبرز وجوه المعارضة البيلاروسية، بينهم المرشحة التي خسرت أمام لوكاشينكو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2020 سفيتلانا تيخانوفسكايا التي هربت من البلاد، وذلك بعد توجيه اتهامات إليها بينها التورط بـ"الإرهاب".
من هنا، يتخوف منسّق حملة "الحقوقيّون ضد الإعدام في بيلاروسيا"، أندريه بولودا، من توسع التعديلات القانونية الأخيرة نطاق تطبيق الإعدام في بلاده، من دون أن يستبعد أيضاً احتمال ارتباطها بالحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.
يقول بولودا لـ"العربي الجديد" من العاصمة البيلاروسية مينسك: "لم توسّع التعديلات عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فقط، بل باتت تشمل أيضا التحضير لعمل إرهابي. وهناك مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تطبيق الإعدام على نطاق واسع في ظل تدني الثقة بالمنظومة القضائية. وحتى الآن، اقتصر تطبيق عقوبة الإعدام على جرائم قتل بالغة الخطورة، كما شمل مدانين في تفجير استهدف مترو الأنفاق عام 2011".
وكان القضاء البيلاروسي أصدر حكمين مثيرين للجدل بإعدام شابين في الـ25 من العمر يدعيان ديميتري كونوفالوف وفلاديسلاف كوفاليف لإدانتهما بتخطيط تفجير مترو مينسك في إبريل/ نيسان 2011، من دون أن تكشف المحاكمة دوافعهما، أو تحاول الوصول إلى محرضي التفجير، ما أثار ضجة مجتمعية كبيرة في بيلاروسيا.
ولا يستبعد بولودا ارتباط توسيع تطبيق الإعدام برد فعل بيلاروسيا على الحرب الروسية على أوكرانيا، ويقول: "تناقش أمور كثيرة في بيلاروسيا خلف أبواب مغلقة، ولا نستطيع بالتالي تأكيد إذا كانت التعديلات رد فعل مباشر على الاحتجاجات المناهضة للحرب على أوكرانيا التي ترافقت مع توقيف أكثر من ألف شخص، وشهدت أعمال تخريب استهدفت السكك الحديدية البيلاروسية لمنع نقل معدات عسكرية إلى أراضي أوكرانيا".
وحول موقف الرأي العام البيلاروسي من استمرار البلاد في تطبيق عقوبة الإعدام، يقول بولودا: "مات علم الاجتماع في بيلاروسيا منذ زمن طويل، فمن تستطلع آراؤهم يخشون تقديم إجابات صريحة من أجل تجنب التعرض لقمع. أما استطلاعات الرأي المستقلة التي تجري في الخارج، فتشمل شرائح محدودة".
وعام 1996، صوّت غالبية من البيلاروس في استفتاء شعبي لصالح الإبقاء على عقوبة الإعدام، ثم لم تطرح المسألة على استفتاء جديد منذ ذلك الحين، رغم أن منظمات حقوقية دعت لذلك.
ويأسف بولودا لتطبيق دولة غربية كبيرة مثل الولايات المتحدة عقوبة الإعدام، وتوفيرها بالتالي غطاءً لتبريره لدى دول أخرى، ويقول: "الولايات المتحدة وبيلاروسيا البلدان الوحيدان في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا اللذان يطبقان الإعدام. وقد أعادت الولايات المتحدة عقوبة الإعدام إلى المستوى الفيدرالي، ما يسمح لمناصري الإعدام في دول أخرى بطرح السؤال بصيغة "إذا كانت أميركا مهد الديمقراطية تطبق الإعدام فلماذا لا نطبقه نحن؟". كما أن روسيا التي انسحبت من مجلس أوروبا لم تعد تواجه عقبات قانونية أمام إعادة تفعيل الإعدام. وإذا تحقق ذلك، فسيصعب أن نقدمها مثالاً للمسؤولين البيلاروسيين".
وكان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الرئيس السابق ديميتري مدفيديف، لوّح مع بدء العملية العسكرية لقوات بلاده في أوكرانيا بإمكان إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في روسيا على خلفية تعليق عضوية موسكو في مجلس أوروبا وبرلمانه. واعتبر أن تطبيق العقوبة "فرصة جيدة لاستعادة عدد من المؤسسات قراراتها المهمة التي تهدف إلى منع ارتكاب جرائم بالغة الخطورة في البلاد، وهو ما حققته الولايات المتحدة والصين عبر تطبيق عقوبة الإعدام".