تحوّلت سورية خلال سنوات الحرب الأهلية إلى دولة تغرق بأنواع مختلفة من المخدرات الخطرة، بينها حبوب الـ"كبتاغون". ويشمل هذا الواقع كلّ مناطقها من جنوبها إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها. وتخطت المخدرات خطوط التماس بين القوى المسيطرة، وأصبحت معضلة حقيقية ينعكس أثرها السلبي الأكبر على السكان، سواء في مناطق سيطرة النظام السوري، أو "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أو مناطق سيطرة الجيش الوطني، ومناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
ورغم الجهود الحالية المبذولة، تحديداً في شمال سورية الذي يخضع لسيطرة الجيش الوطني، من أجل الحد من انتشار المخدرات، فإن المشكلة لا تزال قائمة، والعقبات أمام إنهائها كثيرة.
ويكشف مصدر في الشرطة العسكرية بمنطقة عفرين في ريف حلب الشمالي لـ"العربي الجديد" أنّ الشرطة ألقت القبض في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، على مدمن أقدم تحت تأثير المخدرات على اغتصاب ابنته القاصر في مدينة عفرين، وذلك بعدما قدمت الأم شكوى ضده".
ويقول المصدر إنّ "الحملة التي تهدف إلى الحد من تجارة المخدرات في المنطقة، وهي لا تزال مستمرة استناداً إلى بنك أهداف محدد لتجار ومروجي مخدرات. وتتابع كل القوى الأمنية في منطقة غصن الزيتون هذه الأهداف، وتتأهب للتعامل معها بكل وسائل الردع المتوفرة. وقد أنهينا 80 في المائة من مشكلة انتشار المخدرات في المنطقة، ونستمر في ملاحقة التجار والمروّجين لوضعهم داخل السجون، وتطبيق القانون الخاص بفرض عقوبات قاسية عليهم".
يضيف: "لا نتوانى كشرطة عسكرية عن تطبيق القانون، علماً أننا نتلقى معلومات عن ترويج شخص مخدرات أو اتجاره بها، لكن حين نفتش الموقع الذي يوجد فيه شخص لا نعثر غالباً على مواد مخدرة. وهكذا لا يمكن أن نوقف الشخص المستهدف حتى إذا كانت المعلومات صحيحة". ويقول إنّ "المصدر الأساس لجميع أنواع المخدرات هو النظام السوري. ومن أخطر الأنواع المنتشرة الشبو المعروف محلياً باسم أتش بوز، وهو مزيج يجمع الميثامفيتامين مع نوع من أنواع الأسمدة الكيميائية، وينتج مادة كريستالية مخدرة خطيرة للغاية تستنشق بواسطة أداة زجاجية".
ولا تقتصر المخدرات على فئات معينة أو طبقات مجتمعية محددة، بل تهدد الجميع بمن فيهم النازحون في مخيمات الشمال السوري. ويخبر عمر أبو أحمد الذي يقيم في مخيم دير حسان بريف إدلب الشمالي "العربي الجديد" أن "بين حالات تعاطي المخدرات، شاب شعرت والدته، وهي أرملة لديها ستة أبناء، بخطر ابنها على العائلة، فأبلغت أخواله بحالته، وأجبرت على طرده خارج العائلة، وزوجّت شقيقته الكبرى البالغة 15 عاماً خوفاً منه".
ويروي مصطفى (36 عاماً) الذي يقيم في ريف إدلب، وكان وقع في فخ مخدر "أتش بوز" ونقل قبل عام إلى تركيا، حيث خضع لعلاج من إصابته بانهيار عصبي جراء تعاطي المخدرات، لـ"العربي الجديد" أن حياته انهارت بالكامل. ويقول: "بعد حوالي عام من العلاج ما زال الألم يخيفني. أكون بكامل قواي، ثم أشعر فجأة بأن تياراً كهربائياً يمر في يدي فأبكي من شدة الألم. وأخبرني الأطباء أن الجهاز العصبي يحتاج إلى فترة للتعافي، لا سيما أن لدي التهابات كثيرة نتيجة تعاطي المخدرات".
ولا يستطيع مصطفى أن يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي حالياً، إذ يجب أن يبقى أحد أفراد عائلته إلى جانبه دائماً فهو قد ينهار في أي لحظة ويقع أرضاً، أو يغيب عن الوعي أو ينام فجأة. ونصحه الأطباء بأن يمارس الرياضة يومياً، وهو ما يحاول فعله مع التقيد بمواعيد تناول الأدوية وكمياتها المحددة. وأظن أنني نجوت من موت محقق".
ويتحدث مؤسس المركز السوري لمكافحة المخدرات، حسن جنيد لـ"العربي الجديد" عن تنفيذ دراسات وإحصاءات عدة عن الظاهرة. ويشير إلى أن 49 في المائة من السكان يرون أن المواد المخدرة تنتشر بكميات كبيرة في مناطقهم، في حين يعتبر 26 في المائة من الذين استُطلعت آراؤهم أن انتشار المخدرات أصبح ظاهرة خطيرة جداً تستدعي تضافر جهود كل أفراد المجتمع".
ويشدد جنيد على أنّ "الفئة الأكثر تأثراً بالظاهرة هي الشباب الذين يواجهون مخاطر استغلال طاقتهم وحماستهم ومرحلة بناء أنفسهم، وتتسبب في انحرافهم إلى طرق وسبل مدمرة، وتلحق بهم أضراراً صحية ونفسية ومادية قد لا يمكن معالجتها وانتزاع تأثيراتها السلبية الكبيرة". ويوضح أن "انتشار ظاهرة المخدرات في شكل كبير بالمجتمع السوري، ووصول البلاد إلى مستوى الدول المنتجة بين أبرز أسباب تأسيس المركز الذي يعمل في إطار تطوعي، ويركز على محاربة ظاهرة المخدرات على مستويات الأفراد والعائلة من خلال وسائل تساهم في تحصين وحماية المجتمع، وتبدأ بالتوعية والإرشاد. كما يعمل المركز على مساعدة المدمنين وعائلاتهم، وينشر دراسات تفصيلية ودورية عن ظاهرة المخدرات في سورية".