تشهد غالبية المدن التونسية وضعاً بيئياً صعباً يجبر مواطنيها على التعايش مع النفايات التي تتناثر حولهم. ويحذر خبراء من تداعيات هذا التدهور البيئي على صحة المواطنين، ونوعية عيشهم داخل مدن تحوّل بعضها إلى ما يشبه "حاويات كبيرة" .
واللافت أن تونس تطبّق منذ عام 2018 قانوناً جديداً يؤسس لتوسيع دور البلديات في تقديم الخدمات للمواطنين وتحسين نوعية عيشهم، لكن هذه التجربة الناشئة لم تحقق الأهداف المرسومة حتى الآن، مع تصاعد أزمة المكبات، ونقص التمويل المخصص للعناية بالبيئة، وتحسين نوعية عيش المواطنين، علماً أن الوقائع الميدانية تؤكد أن المشهد قد يتغيّر بسرعة خلال المناسبات الكبرى التي تشهد إظهار البلديات قدرة فائقة على التدخل لتحسين الوضع البيئي ورفع النفايات. وهذا ما فعلته بلدية تونس العاصمة أخيراً عبر تنفيذها أعمال تنظيف وصيانة واسعة على هامش استضافة مؤتمر الاستثمار الياباني "تيكاد 8".
وأعقب ذلك توجيه انتقادات كبيرة لـ "التدخلات الظرفية" للبلديات في مناسبات استضافة المؤتمرات الدولية، باعتبارها "تقلل من قيمة المواطنين المحليين الذين يُتركون في مواجهة النفايات على مدار السنة".
ويقول الناشط في المجتمع المدني بمحافظة باجة (شمال غرب) حاتم القلعي لـ"العربي الجديد": "أصبح الوضع البيئي في باجة لا يحتمل، بسبب انتشار المكبات العشوائية لنفايات المنازل ومخلفات البناء".
ويصف هذا الواقع بأنه "تدهور صادم بعدما أتلفت غالبية المساحات الخضراء في باجة، وجرى تحويلها إلى مراتع للمنحرفين، بينما أصبحت أكوام النفايات المتناثرة خبزاً يومياً للمواطنين الذين اعتادوا على واقعهم الجديد".
يضيف: "تكتفي البلدية بالحد الأدنى من خدمات رفع النفايات، وتتجاهل كل المشاريع التي تساهم في تحسين نوعية عيش المواطنين".
ويطالب القلعي بالتالي بإحالة جزء من مهمات البلديات إلى شركات خاصة لضمان تحقيق نجاح أكبر في التدخل، وإنجاز المهمات التي تحسّن الوضع البيئي.
إلى ذلك، يورد التقرير السنوي لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الوضع البيئي الصادر في يوليو/ تموز الماضي أن "الوضع البيئي في تونس تدهور بشكل خطر، وبات هاجساً يومياً، ودافعاً للنضال ضد كل الانتهاكات المرتكبة".
ويذكر أن "حجم التوتر من الأذى الناجم عن كل أشكال الانتهاكات البيئية يجعل النضال قدراً محتماً للأفراد والجماعات".
ويرى المنتدى أن "تزايد بؤر التلوّث الذي قاد إلى الاحتقان الاجتماعي والتوتر، عمّق معاناة الناس، وكشف عجز السياسات البالية للدولة عن مجاراة الواقع، وإيجاد حلول جذرية للأزمة".
ومنذ نحو سنة تعيش محافظة صفاقس، ثاني أكبر المدن التونسية، أزمة نفايات خانقة حوّلتها إلى مكبّ واسع، في غياب حلول جذرية لمشاكل البيئة التي جعلت حياة المواطنين جحيماً.
ويعزو رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية، عدنان بو عصيدة، "تراجع دور البلديات في تحسين الوضع البيئي إلى نقص الإمكانات المالية والبشرية، وعدم مواكبتها مشاريع التوسيع التي شهدتها البلديات، بموجب قانون الجماعات المحلية الذي بدأ تنفيذه عام 2018".
ويقول لـ"العربي الجديد": "كان يفترض أن يطوّر العمل البلدي، ويساعد في تحسين نوعية الحياة والبيئة، غير أن فشل الحكم المحلي تسبب في أزمات بيئية في بلدات عدة باتت تعاني من تكديس النفايات".
ويضيف: "توسيع البلديات القديمة، واستحداث أخرى جديدة لم يواكبه التطوير المطلوب في الموارد المالية التي تسمح بتحسين أدائها، علماً أن هذه البلديات تعاني حالياً من نقص في عناصرها البشرية يقدر بنحو 12 ألف عامل".
ويعلّق بو عصيدة بأن "الدولة التي أسست للحكم المحلي أدارت ظهرها للتجربة الناشئة بعدما قلصت الاعتمادات المخصصة للبلديات في الموازنة العامة من 4 إلى 2.75 في المائة، ما انعكس سلباً على قدرة المجالس البلدية التي لا تملك موارد ذاتية، على تحسين الوضع البيئي، وحماية المواطنين من تداعيات التلوّث".
وخلال السنوات الأخيرة، عاشت مدن تونسية عدة، على غرار جربة وصفاقس، تحت وطأة أزمات نفايات تتفاقم يومياً. كما ترزح محافظات تونسية كاملة وتجمّعات سكانية كبيرة في محيط العاصمة تونس تحت أزمة النفايات التي تغرق الشوارع، بسبب غلق مكبات انتهت مدة صلاحيتها، وعجزت الحكومة عن توفير بدائل لها، بينما يزيد ارتفاع درجات الحرارة مخاطر الانبعاثات الغازية من أكوام المزابل.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت منظمات مدنية تونسية، في مناسبة اليوم العالمي للبيئة، مجموعة أنشاطة خاصة بالوضع البيئي في تونس. واعتبرت أن "تراكم المشاكل البيئية أصبح خطراً حقيقياً على حياة المواطنين وصحتهم في غياب أي سياسات بيئية".
وتنتج تونس سنوياً نحو 2,5 مليون طن من النفايات المنزلية، تحتوي على نسبة مهمة من المواد العضوية، ونسبة 11 في المائة من البلاستيك، و10 في المائة من الورق.
ويكشف ائتلاف منظمة "إرثنا"، المعنية بالحقوق البيئية والتنموية في تونس، أن البلاد تحتل المرتبة الثالثة إفريقياً والـ 96 عالمياً على صعيد التلوّث البيئي، وفق مؤشر الأداء البيئي الذي تضمّنه تقرير أرسل إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.
ويعني ذلك تراجع تونس 25 مرتبة في مؤشر الأداء البيئي، مقارنة بعام 2020، حيث كانت تحتل المرتبة 71 بين 180 دولة يشملها التصنيف، علماً بأنها تحتل المركز الخامس بين الدول العربية.