بلجيكيون يعيشون على المعونات الغذائية

14 يوليو 2021
مساعدات تُوضَّب في أحد بنوك الطعام البلجيكية (أريس أويكونومو/ أ ف ب)
+ الخط -

 

تدعو منظمات ناشطة في بلجيكا إلى زيادة الأجور الأدنى مباشرة، إذ لا يجب أن تحجب حالة الطوارئ الصحية الحالية القضية الأساسية التي ترتبط بها المعونات الغذائية، وهي الخروج من الفقر.

في بلجيكا، يعيش نحو نصف مليون شخص على المساعدات الغذائية، وقد جعلت أزمة كورونا الراهنة الأمر ضرورياً أكثر من أيّ وقت مضى. لكنّ ذلك لا يمنع التساؤل حول السبب الرئيسي الذي يفرض هذا الأمر وهو الفقر، وحول الجهود التي تبذلها سلطات البلاد للمعالجة. يُذكر أنّه لم يُسجَّل توجّه أيّ مواطن أو منظمة تعمل في مجال دعم المحتاجين إلى مقاضاة الدولة لعدم تزويد سكانها جميعاً بما يكفي من طعام.

بخلاف دول أخرى كثيرة، لم تكرّس بلجيكا الحق في الغذاء في دستورها. لكن المادة 23 من النص التأسيسي الذي عُدّل في عام 1994، تشير إلى الحق في حياة كريمة. إضافة إلى ذلك، ينصّ ميثاق مجلس أوروبا، الذي وقعت عليه بلجيكا، على الحق في عدم العيش في فقر وفي الحدّ الأدنى من الدخل والحق في الحماية الصحية. هي ضمانات نجدها كذلك في المعاهدات الدولية الأخرى التي انضمت إليها بلجيكا. لكنّه من الصعب تصديق ذلك من قبل مواطنين يقفون في طوابير منذ بداية العام للحصول على حزمة مساعدة غذائية. ويقول هنا أستاذ القانون في جامعة لييج البلجيكية جاك فيرينز: "بالتأكيد، إذا رُفعت دعوى على الدولة أمام المحكمة وطُلب منها إصدار تشريعات لدعم هذا الحق الذي يندرج في إطار الكرامة الإنسانية، فإنّها سوف تجيب بأنّها تفعل ما في وسعها وفي حدود إمكانياتها".

بالنسبة إلى الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية فرانكلين روزفلت، فإنّ "الحق الأول من حقوق الإنسان هو أن يكون قادراً على تناول ما يشبعه"، بحسب ما صرّح في عام 1930. وبعد ما يقارب القرن، يتردد في بلجيكا نحو نصف مليون شخص على مباني جمعيات دعم المحتاجين ومكاتب الصليب الأحمر لسدّ جوعهم. وعلى مدى عشر سنوات، صار الحرمان من الطعام يلقى اهتماماً كبيراً في الإحصاءات المحلية، بحسب ما يشير تقرير لاتحاد الخدمات الاجتماعية في البلاد. فالأمر كان يطاول ستّة في المائة من البلجيكيين في الأساس، قبل أن ترتفع النسبة إلى ما بين 15 و20 في المائة منذ بداية أزمة كورونا.

كوفيد-19
التحديثات الحية

وفي العاصمة الأوروبية بروكسل، يتصل شخص واحد من بين كل خمسة أشخاص برقم الطوارئ الاجتماعية المجاني للحصول على المساعدة الغذائية. وفي هذا الإطار، تقول الأمينة العامة لشبكة مكافحة الفقر كريستين ماهي، لـ"العربي الجديد": "لقد اعتدنا على حقيقة أنّ المعونة الغذائية أمر طبيعي. فالدولة ترسّخ في أذهاننا عادة فقدان الحقوق"، مضيفة أنّه "يتوجّب على الدولة تولّي القضاء على الفقر. فمنح الناس مساعدة غذائية لا يساعدهم على الإفلات من الفقر. الآن نحن كمنظمات نؤدّي دور المهدئين أكثر من اللازم. لكن ماذا لو أضربنا عن العمل؟ طالما أنّ الناس يأكلون، لن يقوم أيّ تمرّد. لذلك لا يمكن الحديث عن المعونة الغذائية من دون ذكر مشكلة الفقر".

تتّفق جهات عدّة فاعلة في مجال دعم المحتاجين على أنّ السلطات لا تعالج بشكل كاف هذا الملف الذي يُعَدّ أساسياً، على الرغم من الوعود التي تطلقها. وتؤكد ماهي أنّ "الجميع أدرك منذ سنوات أنّ الدخل الاجتماعي المخصص للمحتاجين منخفض جداً. ولم يقتصر الأمر على عدم قيام الحكومة بالزيادة المطلوبة لتلبية هذا الحق حتى الآن، إنّما هي تعتمد إجراءات لتقويضه".

الصورة
مساعدات غذائية في بلجيكا (نيكولاس ماترلينك/ فرانس برس)
(نيكولاس ماترلينك/ فرانس برس)

ويشدّد عاملون في اتحاد بنوك توزيع الطعام على أنّ توزيع الوجبات ليس حلاً للفقر، بل للجوع فقط. ويقول مدير الاتحاد جوزيف موتار، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لو قمنا بمواءمة الدخل الاجتماعي قياساً بالفقر على المستوى الأوروبي، فسوف نقضي بالفعل على مجموعة كبيرة من المستفيدين. لكنّ هذا ليس عملنا نحن. الأمر هو في يد السلطات العامة، وعليها هي الإمساك بزمام المبادرة". ويشير إلى أنّ "المعونة الغذائية تؤدّي دوراً مهماً بالنسبة إلى المحتاجين كما الدولة، لكنّها لا تحلّ شيئاً إنّما تدفع الناس فقط إلى إدمان كارثي طويل الأمد من شأنه أن يؤدّي إلى تزايد عدد المحتاجين. وبدلاً من دمجهم في الحياة، نعمل فقط على زيادة دعم المعونة الغذائية". ويشدد موتار على أنه "لم نعد في العصور الوسطى، بالتالي منح طرود مساعدات للفقراء هو من زمن ولّى".

وفي سياق متصل، يرى فيرينز أنّ "المستفيدين يشعرون بالخزي في أغلب الأحيان. فهذه العملية (تقديم المعونات الغذائية) قد تؤذي كرامتهم واحترامهم لذاتهم. بالإضافة إلى ذلك، لا يُدرَّب المتطوعون والعاملون الذين يتلقون هذه الطلبات دائماً على تقديم استجابة مناسبة، ويُنظر أحياناً إلى المساعدة المقدّمة على أنها سخيفة. لذلك من المهم إعادة النظر بشكل جذري في سير هذه العملية ككل".

قضايا وناس
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى تأثير إيجابي لأزمة كورونا، إذ سلّطت الضوء على ملف المساعدات الغذائية وجعلته مثل قضية مكافحة الفقر في قلب النقاش العام. فمنذ ظهور الوباء، خُصّصت مساعدات غذائية لطالبيها من دون شروط. كذلك ظهرت مقترحات أخرى، من قبيل الأمن الغذائي الاجتماعي في متناول الجميع أو المقاصف المجانية التي تقدّم وجبات ساخنة للأطفال في المدارس. ومن المفترض أن تزيد مخصصات المحتاجين بنسبة 23 في المائة تقريباً بحلول عام 2024. وتؤكد كاترين روسو، من اتحاد الخدمات الاجتماعية في بلجيكا، لـ"العربي الجديد"، أنّه "نشعر بأنّ الأمور تتحرك في الاتجاه الإيجابي. علينا أن نستجيب لحالات الطوارئ، لكنّ علينا كذلك اتخاذ إجراءات لتقليل الحاجة إلى المساعدات الغذائية على المدى الطويل".

المساهمون