تشهد العاصمة الصينية بكين منذ أسابيع إغلاقات جزئية لـ 12 منطقة على الأقل مع وقف كل وسائل المواصلات، وإخضاع السكان البالغ عددهم 22 مليون نسمة لفحوص حمض نووي يومية. وسبق أن أعلنت شركة النقل العام في العاصمة أن ركاب الحافلات يجب أن يظهروا تطبيق الهاتف الخليوي الخاص بحالتهم الصحية على بعض الطرق اعتباراً من منتصف مايو/ أيار الجاري. وأوضحت أنّ مستوى خطر كوفيد المرتبط بأي شخص تحدده نتائج الفحوص، وإذا كان ذهب إلى منطقة تتضمن حالات إيجابية.
إلى ذلك، نقل أكثر من 650 طالباً من جامعة فانغشان في ضواحي بكين إلى منشأة عزل بعد ظهور إصابات داخل حرم الجامعة، ما أثار تذمر الطلاب.
وتسعى بكين جاهدة إلى احتواء الوباء. وأبلغت سلطاتها عن أكثر من 1200 إصابة في أحدث انتشار للفيروس بالمدينة والذي بدأ في أواخر إبريل/ نيسان الماضي، معظمها في منطقتي تشاويانغ وفانغشان. ومنذ ذلك الحين تظهر نحو 50 إصابة يومياً. وانتهت أخيراً ثلاثة أيام من الفحوص في أنحاء المدينة، لكن السلطات تخطط لثلاث جولات أخرى في أربع مناطق رئيسية خلال الفترة المقبلة، علماً أن السكان يجب أن يظهروا فحصاً سلبياً أجري قبل 48 ساعة لدخول أماكن عامة بينها متاجر.
وعزا مراقبون التشدد إلى أسباب عدة، منها أن بكين تضم القيادة المركزية ومؤسسات الدولة الحيوية، ما يزيد المخاوف من احتمال خروج الوضع الوبائي عن السيطرة، ويؤثر على صورة الدولة واستراتيجيتها في مكافحة الوباء التي تعرف باسم "صفر كوفيد".
ويؤكد خبراء أنّ "سلطات بكين تعاملت في شكل جيد مع الوباء الذي ينتشر بسرعة، لذا لا ينبغي أن يشعر الناس بقلق خصوصاً أنّ إدارة مكافحة الأوبئة اكتسبت خبرة غنية من تجربتي مدينتي شنغهاي وشينزن".
انزعاج وملل
يقول ليو ون جيانغ، الموظف في القطاع الخاص بالعاصمة بكين، لـ"العربي الجديد": "منذ مطلع مايو/ أيار الجاري، طُلب منا العمل من المنزل، رغم أن طبيعة عملنا تحتم عليها التواجد في الشركة. مرّ أكثر من أسبوعين على هذه الحال، ولا ندري إلى متى ستستمر التدابير، علماً أننا سئمنا من الإغلاقات المتكررة والإجراءات المشددة، وهناك تساؤلات كثيرة حول نجاح استراتيجية صفر كوفيد. وقد انتشرت على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي تعليقات سلبية ومقارنات مع الغرب الذي تعايش مع الفيروس وعادت الحياة إلى حالتها الطبيعية في دوله، بينما لا نزال نحن بعد أكثر من عامين نعاني من الحجر الصحي القسري والفحوص اليومية بصورة مزعجة ومملة".
من جهتها، تقول شياو دانغ، وهي طالبة في جامعة الشعب لـ"العربي الجديد": "ندور في حلقة مفرغة. في مطلع عام 2020 عانت الصين وحدها من الجائحة، ثم انتشر الوباء في دول العالم، أما اليوم فيبدو أن العالم تعافى أو تعايش مع الفيروس، بينما تظهر بؤر جديدة للوباء في مناطق صينية متفرقة. ومن المؤسف أن تتحدث وسائل الإعلام المحلية عن إنجازات التصدي للفيروس والانتصار عليه بفضل استراتيجية صفر كوفيد، فيما نعيش يومياً مع مزيد من التشدد والارتفاع في عدد الإصابات في شكل يدفعنا إلى إعادة النظر بالطريقة التي اتبعناها خلال العامين الماضيين".
البحث عن مخرج
ويعلّق الطبيب الصيني لو تشانغ، وهو عضو سابق في منظمة "أطباء بلاد حدود"، على التطورات الأخيرة، بالقول لـ"العربي الجديد": "لا شك في أن السلطات في موقف لا تحسد عليه، فهي تجهد لتجنب مصير مدينة شنغهاي التي تعتبر أحد أهم المراكز الصناعية والمالية في الصين، وتسببت ستة أسابيع من الإغلاق في غضب وقلق واسع في شأن التكاليف الاقتصادية والتجارية المدمرة نتيجة تطبيق استراتيجية صفر كوفيد. كما أنها لا تزال تبحث عن مخرج من الأزمة في حال قررت التراجع عن هذه الاستراتيجية، خصوصاً أن البلاد لم تصل بعد إلى مناعة القطيع، ولا يزال عدد كبير من المسنين عرضة للإصابة بالفيروس".
يضيف: "لا نعرف حتى الآن مستوى الحماية الذي توفره اللقاحات الصينية ضد متحوّري دلتا وأوميكرون، ولا نعرف مدى فعالية عزل الصين للسكان المعرضين لخطر، في احتواء انتشار الوباء، مع ظهور بؤرة جديدة في مدن رئيسية مثل شنغهاي وشينزن وبكين".
وحول السيناريوهات المتوقعة، يتوقع لو أن تشهد البلاد موجات جديدة خلال فترة الصيف، وتحديداً في المناطق الريفية ذات البنية التحتية الصحية الضعيفة نسبياً، و"قد تؤدي الرحلات الداخلية إلى تسلل الفيروس إلى المدن والمراكز الحضرية، علماً أن الصين تفتقر حالياً إلى اللقاحات الكافية والأدوية المضادة للفيروسات، وتمنع استخدام لقاحات أجنبية".