بدأت الأحد الماضي امتحانات شهادة البكالوريا في الجزائر التي يتوقف عليها مصير آلاف من التلاميذ باعتبارها تشكل مفتاحاً لمستقبلهم الدراسي والمهني، ويهتم بها جميع أفراد الأسر التي تتطلع إلى تعزيز فرص نجاح أبنائها تمهيداً لانتقالهم في شكل مثالي إلى مرحلة الدراسة الجامعية التي تشكل المعيار الاكثر أهمية لنجاحهم في ميادين العمل المستقبلية.
حرصت عائلة سوامي التي تسكن في مدينة برج بوعريريج شرق الجزائر، طوال الأشهر الأربعة الأخيرة، على مساعدة ابنتيها التوأم رانيا ومايسة في تحضير الامتحانات عبر توفير متطلبات تحقيق الإفادة القصوى من الدروس الخصوصية (الدعم) التي أعطيت لهما خارج الدوام الدراسي، وشملت بالدرجة الأولى المواد التقنية والعلمية.
تخبر الوالدة حفيظة "العربي الجديد" أن ابنتيها تدرسان في صفي العلوم الطبيعية والرياضيات، وتطمحان في دخول كلية الهندسة والطب، ما جعلهما تحتاجان إلى دروس دعم لمساعِدتهما في تّحضير امتحانات البكالوريا في شكل جيد، ومنحهما استعداداً أفضل لتوفير أكبر عدد من الإجابات صحيحة خلال الاختبارات النهائية". تضيف: "مهما اختلف المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لأفراد العائلة الجزائرية يتأثر جميعهم بهذا الحدث فالحصول على شهادة البكالوريا مكسب كبير ومصدر فخر للعائلة، لذا يساند الجميع الأبناء، ويواكبون استعدادات التلاميذ ويتابعون كل تفاصيل الامتحانات حتى انتهائها".
وتتقاسم العائلات الجزائرية الحالات والأوضاع ذاتها خلال الامتحانات المصيرية. وحتى إذا اختلفت بين بيت وآخر وتفاوتت درجاتها، يسهر الوالدان على راحة الأبناء، ويشارك كل أفراد الأسرة في التخطيط للجدول الزمني لمراجعة ابنائها الامتحانات والتي قد تتأثر أيضاً بالمكانة والظروف الاجتماعية للعائلة على صعيد تحضيريهم نفسياً للامتحانات.
ويؤكد التلميذ وليد بن عبد الرحمان (17 عاماً) أنه تلقّى دعماً كبيراً من والديه أثناء تحضيره الامتحانات المصيرية لشهادة البكالوريا، رغم أن والده موظّف بسيط في مديرية البريد بمنطقة بئر توتة شرق العاصمة الجزائرية، ووالدته تلازم البيت. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن والده خصّص له ميزانية شهرية لتلقّي دروس دعم في مختلف المواد، من أجل تعزيز فرصة نجاحه بمعدل جيد يناسب طموحه في دخول كلية الطب. ويقول: "يريد والداي أن أحصل على مستقبل أفضل وينتظران مني تحقيق حلمهما بأن أصبح طبيباً، وأن أشاركهما هذه الرغبة، إذ يراودني منذ الصغر حلم أن أصبح طبيباً جراحاً".
ويفسر المتخصصون اهتمام الأسر الجزائرية بامتحانات البكالوريا بأنه أحد مظاهر جلب الحظوة والتباهي الاجتماعي في حال نال أحد الأبناء الشهادة عموماً، أو إذا حصل على معدل نجاح مرتفع يجلب مكاسب معنوية واجتماعية.
تمسك بـ"الانتصار"
وتتمسك عائلات متواضعة الإمكانات تحديداً بتحقيق أبنائها النجاح في شهادة البكالوريا لأنّها ترى فيه انتصاراً لجميع أفراد العائلة وليس التلميذ المعني فقط. وتحرم بعض الأسر نفسها من ملذات كثيرة لتهيئة ظروف أفضل لأبنائها التلاميذ وأولئك الذين يجرون امتحانات شهادة البكالوريا، ويدفعون مبالغ باهظة قد تصل إلى 20 ألف دينار جزائري (110 دولارات) شهرياً من أجل أخذ دروس دعم في مادة واحدة، وهو مبلغ لا يمكن أن توفّره أسرة لا يتجاوز دخلها 320 دولاراً.
في السياق، يقول الأستاذ في جامعة قسنطينة شرق الجزائر، محمد غزواني، لـ"العربي الجديد": "شهادة البكالوريا في ذهنية الأسرة الجزائرية رأس مال اجتماعي، لأنها تعني الانتقال من مرحلة إلى أخرى تتخلّلها خطوط فاصلة يعبرها التلميذ، وتتهيأ لها العائلة، وأولها خط للانفصال عن المكانة الاجتماعية السابقة ومرحلة المدرسة الثانوية (السنة النهائية) تمهيداً للانتقال إلى مراحل عليا من التعليم، ثم تستعد الأسر لمرحلة الانضمام إلى المكانة الجديدة التي وفرتها شهادة البكالوريا المهمة، والتي تتمثل في دخول الجامعة التي تترافق مع طقوس اجتماعية جديدة وأوضاع مختلفة في مجالات عدة".