بعض من رعب رحلة فلسطينيي الداخل من غزة إلى إسرائيل

02 فبراير 2024
بعض من آثار العدوان الإسرائيلي على غزة (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -

بمركبة مستأجرة شُغّلت بواسطة أنبوب غاز للطهي، هربت فاطمة، وهي من فلسطينيي الداخل، من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة نحو إسرائيل، حالها حال العشرات من حملة الوثائق الإسرائيلية. تصف الرحلة بأنها "أصعب رحلة عذاب ومخاطرة"، خاضتها مع طفليها (4 سنوات وسنة وسبعة أشهر) وسط أجواء ماطرة. وتقول: "خفنا ألا يكفي أنبوب الغاز. كانت الطريق فارغة. على طول الطريق، رأينا بيوتاً مقصوفة ومدمّرة".

كان ذلك في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عندما توجهت فاطمة، وهو اسم مستعار اختارته لنفسها، مع طفليها من القرارة في جنوب قطاع غزة نحو معبر رفح الحدودي مع مصر. مكثوا هناك لساعات قبل أن تقلّهم حافلة عبر صحراء سيناء وصولاً إلى مدينة طابا المصرية ثم إلى مدينة إيلات في جنوب إسرائيل. استغرقت الرحلة 48 ساعة.

نظّم الرحلة مركز الدفاع عن حرية الحركة "جيشا" (مسلك) ومركز الدفاع عن الفرد "هموكيد" الإسرائيليان اللذان تمكنّا من إجلاء 71 شخصاً يحملون وثائق تخوّلهم الإقامة في إسرائيل من قطاع غزة، على دفعتين، في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول.

وتسعى المنظمتان إلى إخراج دفعة جديدة مؤلفة من 41 شخصاً. تردّدت فاطمة (30 عاماً)، وهي من فلسطينيي الداخل، وقد ولدت في إسرائيل، في الخروج من قطاع غزة وترك زوجها، لكن هذا الأخير حثّها على القيام بذلك حماية لطفليها. تتحدّث عن رحلة طويلة اتسمت بالقلق والخوف وتعقيدات لوجستية وتحقيق وسط برد قارس. وتقول: "كانت الأجواء ماطرة، وكنا خائفين جداً من القصف الذي كنا نسمعه بوضوح"، مضيفة: "كانت ابنتي خائفة وتسأل: هل هذا صاروخ؟ هناك رجل ميت (على الطريق). هل سنرى أطفالاً عليهم دماء؟".

أكثر من نصف وقت الرحلة قضته فاطمة وغيرها من المغادرين لدى الجانب الإسرائيلي في إيلات، إذ خضع جميع من هم فوق 16 عاماً للتحقيق والتفتيش الإلكتروني واليدوي الذي طاول حتى "الملابس الداخلية"، تقول. وتشير الى أن المحقّق سألها عن منزلها، أقاربها، الأوضاع في قطاع غزة، وإن كانت ترى أنفاقاً أو مقارّ لحركة حماس. وتضيف "بدأ ابني بالصراخ، فأكملت التحقيق وهو في حضني. سألوني عن موقفي من السابع من أكتوبر، عن زوجي وعمله، وطلبوا أن أفتح هاتفي واطلعوا على الصور وسجلّ المكالمات وقرأوا الرسائل".

من جهتها، قامت حنان (37 عاماً) بالرحلة نفسها مع والدتها. وكلاهما من فلسطينيي الداخل. وصلتا إلى معبر رفح قادمتين من مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة. وتقول حنان، وهو اسم مستعار أيضاً: "كانت الرحلة رعباً. لم نتخيّل أن نصل، انتابني شعور بأن الحرب أفضل"، مشيرة إلى أن القصف كان متواصلاً من حولهما. تضيف: "كانت أول مرة أخرج فيها من بيتي منذ بداية الحرب. دمار غير طبيعي، الدنيا كلها مدمرة والشوارع فارغة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

في إيلات، أخذ الإسرائيليون "الشبان للتفتيش مرة واثنتين وثلاثاً. بعدها بدأوا يحققون معنا واحداً تلو الآخر. كان هناك ضغط نفسي لكنني في الوقت ذاته كنت مطمئنة، لأن لا علاقة لي بأي شيء" حصل في غزة.

إلى ذلك، تتحدّث فاطمة عن الوضع في قطاع غزة قبل مغادرته، قائلة إن "مقومات الحياة كلها غير موجودة. في البداية، قطعت الكهرباء ومن ثم الماء، المحال التجارية خاوية". تضيف: "عشنا 36 يوماً على المعلبات. اضطررنا إلى شرب الماء المالح، وألواح الطاقة الشمسية كانت بالكاد تكفي لشحن الهواتف". فيما تقول حنان: "كنا نحصل على الأكل بصعوبة وبمخاطرة. وإن وجد، فالأسعار مضاعفة". تضيف فاطمة التي تعيش اليوم مع شقيقها وعائلته في منزله في بلدة عربية داخل إسرائيل: "صعب أن يبدأ الشخص حياة جديدة، لكنني مضطرة أن أحاول التأقلم". أما طفلاها، فيعيشان في هاجس القصف. وتقول: "يخافان كلما سمعا أزيز طائرة محلّقة أو صوت رعد"، مضيفة أن ابنتها زينة "بدأت تصرخ عندما سمعت صوت طائرة وركضت تبحث عني. مرة ثانية، اختبأت تحت الغطاء، وأغلقت أذنيها عندما سمعت صوت الرعد".

وتقول المتحدثة باسم "مسلك" شاي غرنبرغ إن "مئات من فلسطينيي الداخل غير قادرين على المغادرة، إما خوفاً من خوض الرحلة أو رفضاً لترك أزواجهم وأطفالهم خلفهم". وينخرط "هموكيد" و"جيشا" في عملية تنسيق معقدة مع الأشخاص المؤهلين للخروج من قطاع غزة نحو إسرائيل، وبعضها يحتاج إلى معارك قانونية. 

المساهمون