بريطانيا: نحو توازن قوة بين المالكين والمستأجرين عبر حظر الإخلاء

بريطانيا: نحو توازن قوة بين المالكين والمستأجرين عبر حظر الإخلاء

27 فبراير 2024
يحتاج إصلاح الإسكان في بريطانيا إلى قرارات أكثر شمولية (مايك كامب/ Getty)
+ الخط -

يُبدي مستأجرون في بريطانيا ارتياحهم لبدء البرلمان مناقشة اقتراح حظر إخلائهم من دون ارتكاب خطأ، الذي يعتبرون أنه طال انتظاره، رغم أنه خطوة مهمة لضمان حقوقهم، وتجنيبهم مواجهة الخوف من احتمال التعرّض لإخلاء لأسباب تعسفية.

في وقت يُجادل مؤيدون لاقتراح حظر عمليات إخلاء المستأجرين من دون ارتكاب أخطاء في بريطانيا، بأنه ضروري لحماية حقوق المستأجرين وضمان استقرار السكن، يعارض أصحاب مصالح وسياسيون إقراره. ويتحدث النائبان المحافظان، السير إدوارد لي، والسير جيفري كليفتون براون، عن تداعيات محتملة للاقتراح، بينها حصول ركود في سوق الإيجارات، وزيادة الأعباء على أصحاب العقارات، ويزعمان أيضاً أن تطبيق لوائح مماثلة في إيرلندا سابقاً أدى إلى انكماش جذري في قطاع الإيجارات. وما يزيد تعقيدات القضية، التزام وزير الإسكان مايكل جوف، تأمين أموال إضافية للإسكان في الميزانية. 
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدأ النواب في بريطانيا مناقشة مشروع قانون المستأجرين الذي تتضمن بنوده حظر عمليات الإخلاء المطبقة بموجب المادة الـ 21. وعادت القضية إلى الواجهة، بعدما تعهّد جوف في 11 فبراير/ شباط الجاري بحظر عمليات الإخلاء بموجب المادة الـ 21 بحلول الانتخابات العامة المقبلة، رغم أنه كان أبدى تخوفه سابقاً من احتمال أن تتعثر المحاكم في التعامل مع القرار، لذا طالب بتحسين نظامها، وهو ما تدعمه الرابطة الوطنية لأصحاب العقارات السكنية، في وقت يتهم نشطاء يدافعون عن حقوق المستأجرين الحكومة بالرضوخ لـ"المصالح الخاصة".
وليس التزام الحكومة البريطانية بإقرار حظر الإخلاء أمراً حديث العهد، فهو يعود إلى عام 2019 حين وعد حزب المحافظين بإلغاء حق المالك في طرد المستأجر من دون سبب، لكن التشريع لا يزال مؤجلاً حتى اليوم.
وخلال الأسبوع الأول من فبراير، كشفت بيانات زيادة بنسبة 49 في المائة في عدد الأسر التي خضعت للمادة الـ21 من دون أن ترتكب أي خطأ العام الماضي، ما أثار مخاوف كبيرة دفعت نحو 20 جمعية خيرية ومنظمة إلى توقيع عريضة أيدت حقوق المستأجرين، وتوجيه رسالة مفتوحة إلى وزير الإسكان دعت الحكومة إلى تمرير مشروع قانون إصلاح المستأجرين ومعالجة الثغرات. وأوردت الرسالة أن المستأجرين سيظلون عرضة لعمليات الإخلاء غير العادلة، لذا حثت الحكومة على فرض عقوبات أشد على سوء استخدام أسباب الإخلاء الجديدة، ودعت إلى مضاعفة فترات إشعار الإخلاء من شهرين إلى أربعة أشهر.

ويدعم التحالف الوطني للإسكان منخفض الدخل "تطبيق الإخلاء في حال توافر سبب عادل لذلك، من أجل منع أصحاب الأملاك من طرد المستأجرين لأسباب تعسفية، أو كأحد أشكال الانتقام أو التمييز"، ويعتبر أن "هناك حاجة إلى حماية الإخلاء لسبب وجيه، لأن أصحاب العقارات في مجتمعات عدة يستطيعون طرد المستأجرين لأي سبب أو حتى من دون سبب على الإطلاق". 
وتشكل الحماية من الإخلاء خطوة مهمة نحو إيجاد توازن قوة ديناميكي بين أصحاب العقارات والمستأجرين الذين يواجهون مخاطر تتجاوز الإخلاء نفسه إلى التهجير وحتى التشرّد في أسوأ الحالات. وتقول جين بتلر، نائبة رئيس الشؤون الخارجية في التحالف الوطني للإسكان منخفض الدخل لـ"العربي الجديد": "أصحاب الأملاك الذين يلتزمون معاملة مستأجريهم في شكل عادل لا يملكون أي سبب لمعارضة الحماية من الإخلاء. وعموماً، سيبقى أصحاب الأملاك قادرين على إخلاء المستأجرين بموجب القانون، لكنهم سيحتاجون فقط إلى سبب شرعي لفعل ذلك". تضيف: "تهدف وسائل الحماية إلى منع السلوك المجحف، علماً أنّ عمليات الإخلاء تدفع الأسر إلى مزيد من الفقر، وتزيد التكاليف الباهظة على الأفراد والمجتمعات، لذا من مصلحة الجميع منع عمليات الإخلاء غير العادلة، وضمان أكبر قدر من الاستقرار السكني".

تدفع عمليات الإخلاء الأسر إلى مزيد من الفقر في بريطانيا (مايك كامب/ Getty)
تدفع عمليات الإخلاء الأسر إلى مزيد من الفقر في بريطانيا (مايك كامب/ Getty)

وتقول ليانا ديمبسي، التي تقيم في سكن بالإيجار في ضواحي لندن لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن فرض حظر على عمليات الإخلاء من دون ارتكاب خطأ يريح المستأجرين نفسياً في شأن القدرة على الاستقرار، ويوفر نوعاً من الأمان الذي يحتاجونه على غرار أطفالهم للبقاء سنوات عدة في مدرسة واحدة وإنشاء صداقات بدلاً من الانتقال من مسكن إلى آخر وفق مزاج مالكي العقارات". 
إلى ذلك، يرى مستأجرون أنّ الحظر المقترح قد يُصلح جزءاً من متاعب المستأجرين، باعتباره يستهدف جانباً مهماً في علاقاتهم مع المالكين، لكن إصلاح الإسكان عموماً يحتاج إلى تدابير أكثر شمولية، مثل مراقبة الإيجارات والمبادرات لزيادة توافر السكن بأسعار معقولة.
وقال جوف في لقاء تلفزيوني: "سنحظر الإخلاء، ونوجه أموالاً إلى القضاء لتعزيز تنفيذ القانون"، وتعهّد لنحو 11 مليون مستأجر بأن يسبق قرار الحظر الانتخابات، وأن يكون مشروع قانون إصلاح الإيجار المقبل وسيلة لتأكيد وفاء الحكومة بالتزاماتها.
وكان الحظر قد تأجل العام الماضي حتى إصلاح المحكمة، ما أثار انتقادات حادّة من معارضين سياسيين اتهموا الحكومة بالتراجع عن وعود قطعتها للناخبين.

وفي تحوّل لمسار الأحداث، أكد جوف التزامه الثابت بإقناع وزير الخزانة جيريمي هانت بتخصيص أموال إضافية للإسكان في ميزانية الربيع المقبلة. واعتبر أن الفشل السياسي في معالجة أزمة الإسكان لا يهدد أسس الديمقراطية فحسب، بل يلقي بظلاله على آفاق حزبه في الانتخابات العامة الوشيكة.
وواجه تشريع جوف معارضة كبيرة من داخل حزب المحافظين الذي ينتمي إليه، علماً أن نحو نائب واحد من كل خمسة نواب محافظين هم من أصحاب العقارات، في حين تضم أحزاب أخرى عدداً كبير من مالكي العقارات، أحدها حزب العمل.
وردت نائبة زعيم حزب العمال أنجيلا راينر، وهي وزيرة الإسكان في حكومة الظل، على تصريحات جوف، بالقول إنها "كلمات مراوغة بعد تاريخ من الوعود الكاذبة". وهي اتهمت المحافظين بـ "تفكيك النظام القضائي، واستخدام تكتيك مخادع لتأخير الوفاء بالالتزامات تجاه المستأجرين إلى أجل غير مسمى".

المساهمون