أظهرت بيانات رسمية وإحصاءات حديثة لمؤسسات خيرية بريطانية تزايد أعداد الأشخاص الذين تحولوا إلى مشردين خلال العامين الأخيرين، وربط كثيرون ذلك بالتضخم القائم وزيادة كلفة الإيجارات التي تدفع بالمزيد من الأشخاص إلى الشوارع.
ويخشى كثير من البريطانيين من تداعيات أزمة تشرد تلوح في الأفق بسبب ارتفاع أسعار إيجارات المساكن، وزيادة تكلفة فواتير الطاقة، إذ يواجه المستأجرون الجدد في العاصمة لندن، كلفة إيجارات أعلى بنسبة 16 في المائة مقارنة بأرقام العام الماضي، وفق موقع "رايت موف" للعقارات، كما زاد عدد عمليات إخلاء العقارات في لندن بأكثر من أربعة أضعاف، مقارنة بالربع الثاني من عام 2021، حين فُرض حظر على الإخلاء بسبب جائحة كورونا، حسب الأرقام الرسمية.
ترتبط أسباب زيادة التشرّد في العادة بفقدان الوظائف، أو انهيار العلاقات الزوجية أو العاطفية، إضافة إلى مشاكل صحية أو عقلية، حسب خيرية "Crisis" للمشرّدين، لكن بات السبب الأكثر شيوعاً في الوقت الحالي هو عدم القدرة على تحمل تكاليف السكن، فإلى جانب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ارتفعت كلفة الإيجارات خلال العام الماضي، ما سيؤثر بشكل كبير على الأشخاص ذوي الدخل المنخفض أو غير المستقر، أو أولئك الذين يعتمدون على المساعدات الحكومية.
يقول الرئيس التنفيذي لخيرية "هومليس لينك" التي تمثل منظمات التشرد في جميع أنحاء إنكلترا، ريك هندرسون، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أزمة تكلفة المعيشة تدفع الناس إلى حافة الانهيار المادي، بالإضافة إلى تداعيات ارتفاع قيمة الإيجارات والتضخم. هذه الأمور تزيد الضغط على خدمات المشردين التي تكافح من أجل تقديم الدعم لهذه الفئة"، ويلفت إلى أنّ "اتخاذ الحكومة إجراءات بشأن فواتير الطاقة أمر جيد، بيد أنّها تحتاج إلى بذل المزيد، بما في ذلك زيادة بدل السكن المحلي بحيث يغطي ثلث الإيجارات، وهذا الإجراء مكن آلاف الأشخاص خلال الوباء من دفع إيجاراتهم، وبالتالي البقاء في منازلهم، لكننا حالياً نتجه نحو حالة طوارئ جديدة على صعيد التشرد".
بدورها، توضح لويز ويفر، من مكتب إعلام المؤسسة الخيرية، أنّهم وجّهوا رسالة إلى وزير الخزانة، جيريمي هانت، عبّروا فيها عن قلقهم البالغ بشأن تأثير ارتفاع تكلفة المعيشة على المشردين، وعلى الخدمات المقدمة لهم، وطلبوا منه زيادة التمويل بما يتماشى مع التضخم القائم ليتمكنوا من مواصلة دعم المشرّدين بشكل فعال.
واستطلعت المؤسسة الخيرية رأي أعضائها بهذا الشأن، وتلقت 77 رداً من منظمات التشرد في جميع أنحاء إنكلترا، وقال 86 في المائة منهم إنهم يلاحظون زيادة عدد الأشخاص المعرضين للتشرد بسبب تصاعد تكلفة المعيشة، بينما قال 92 في المائة إنهم قلقون من تأثير ارتفاع تكلفة المعيشة على قدرتهم على الحفاظ على معايير الخدمة والدعم الحالية. لكن الأكثر إثارة للقلق كانت موافقة واحدة من كل أربع مؤسسات لدعم المتشردين على إغلاق خدمة "مخاطر أزمة تكلفة المعيشة".
وأكدت مسؤولة في مكتب إعلام خيرية "سانت مانغو" لدعم المشردين ومنع الضعفاء من التشرّد، لـ"العربي الجديد"، أنّهم شاركوا في التوقيع على الرسالة المفتوحة المشتركة التي وقعتها 32 جمعية للمشردين، والتي تحث على زيادة تمويل هذه الجمعيات، مشيرة إلى أنّ "الجمعية رحّبت بالاستراتيجية الجديدة للحكومة، التي نُشرت في 3 سبتمبر/أيلول الماضي، والتي تلتزم فيها بملياري جنيه إسترليني على مدى السنوات الثلاث المقبلة لتكثيف الجهود لمعالجة التشرد".
في السياق، قال عمدة لندن، صادق خان، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إنه "من دون تدخل الحكومة، سيتم عكس التقدم الذي أحرزناه في إيواء المشردين منذ جائحة كوفيد-19".
وأظهر أحدث إحصاء سنوي لشبكة التشرد والمعلومات المشتركة، أن 8239 شخصاً كانوا ينامون في ظروف قاسية في شوارع لندن بين أبريل/نيسان 2021 ومارس/آذار 2022، بزيادة 21 في المائة عن العام الماضي، ويأتي هذا الارتفاع على الرغم من إيواء عدد قياسي من المشردين خلال تلك الفترة.
ووفق بيانات مكتب الإحصاء الوطني، فإنّ عدد الرجال الذين يعيشون في الشوارع يفوق عدد النساء بنسبة ستة إلى واحد، وغالبية الأشخاص الذين ينامون في العراء في إنكلترا هم مواطنون ذكور تزيد أعمارهم عن 26 سنة.
ويعاني معظم المشرّدين في البلاد من أمراض نفسية، أو من إدمان المخدرات، وأفاد مسح لخيرية "هومليس لينك"، في عام 2014، بأنّ 80 في المائة من المستجيبين أبلغوا عن شكل من أشكال اعتلال الصحة العقلية، في حين تم تشخيص 45 في المائة رسمياً بعلّة صحية، وقال 39 في المائة منهم إنهم يتعاطون المخدرات، أو يتعافون من إدمانها، بينما يعاني 27 في المائة من تعاطي الكحول، أو يتعافون منه.
وكشف استطلاع رأي نشرته شركة "إبسوس موري" المتخصصة في أبحاث السوق بالتعاون مع مركز تأثير التشرد، في أبريل 2021، أن تسعة من كل عشرة أشخاص اتفقوا على أن التشرد مشكلة خطيرة في المملكة المتحدة، بينما قال ثلاثة أرباعهم تقريباً إنهم يعتقدون أن الملف لا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه، ويعتقد آخرون أن التشرد نتيجة لقضايا مجتمعية خارجة عن سيطرة الشخص، وليس بسبب خياراته السيئة، في حين يرى 56 في المائة أن التشرد يؤثر على المجتمع بأسره، مقارنة بنحو 20 في المائة يرجحون أنه يؤثر فقط على الشخص الذي يعاني منه.
إلى ذلك، يموت واحد من كل ثلاثة مشردين سنوياً بسبب أمراض يمكن علاجها، وفقًا لدراسة أجرتها كلية لندن الجامعية في عام 2019، وبدأ إحصاء وفيات المشردين خلال السنوات الأخيرة فقط. إذ أحصى مشروع "بلا مأوى" التابع لمكتب الصحافة الاستقصائية في 2019، مقتل 796 شخصاً مشرداً خلال 18 شهراً، وارتفع عدد الوفيات بين الأشخاص الذين يعانون من التشرد بأكثر من الثلث خلال عام 2021، وأكثر من 90 في المائة من الوفيات حدثت لأشخاص يقيمون في أماكن غير آمنة، وإجمالاً، كانت أكثر من 40 في المائة من الوفيات مرتبطة بتعاطي الكحول، و12 في المائة منها بسبب الانتحار.