استمع إلى الملخص
- **اتهامات بالتضليل وسوء الإدارة**: تشير التحقيقات إلى أن بعض الموظفين ضللوا المانحين بشأن دور الجيش السوداني في منع تسليم المساعدات، مع اتهامات لنائب مدير البرنامج ومدير مكتب كوستي بإخفاء معلومات واختفاء كميات من الوقود.
- **تحديات إنسانية وجهود الإغاثة**: يسعى البرنامج لجمع 22.7 مليار دولار لمساعدة 157 مليون شخص، ويواجه تحديات كبيرة في توزيع المساعدات بسبب سرقة الإمدادات، مع تفاقم الوضع في السودان بسبب الجوع والمرض والأمطار الغزيرة.
قال 11 مصدراً مطلعاً إن برنامج الأغذية العالمي يحقق مع اثنين من كبار مسؤوليه في السودان بشأن اتهامات تشمل الاحتيال وإخفاء معلومات عن المانحين حول قدرته على إيصال المساعدات الغذائية للمدنيين وسط أزمة الجوع الشديدة التي تشهدها البلاد.
ويأتي التحقيق الذي يجريه مكتب المفتش العام التابع لبرنامج الأغذية العالمي في الوقت الذي تعمل فيه الوكالة المعنية بالمساعدات الغذائية التابعة للأمم المتحدة جاهدة لتوفير المواد الغذائية لملايين الأشخاص في السودان الذي تمزقه الحرب والذي يعاني في الوقت الراهن من واحدة من أكثر أزمات نقص الغذاء حدة في العالم منذ سنوات.
سوء الإدارة في مكتب برنامج الأغذية في السودان ربما ساهم في الإخفاق حتى الآن في إيصال مساعدات كافية خلال الحرب
وقالت خمسة مصادر لـ"رويترز" إن المحققين يبحثون في إطار التحقيق بشأن ما إذا كان موظفو البرنامج سعوا للتستر على دور مشتبه به للجيش السوداني في عرقلة المساعدات في ظل الحرب العنيفة المستمرة منذ 16 شهراً مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية.
ويقول موظفو الإغاثة إنهم يواجهون صعوبة في إيصال الإمدادات، ويرجع ذلك جزئيا إلى القيود اللوجستية والقتال، لكنهم يشيرون أيضاً إلى أن هناك سلطات مرتبطة بالجيش أعاقت وصول المساعدات عبر حجب التصاريح والموافقات اللازمة للانتقالات، بينما نهبت قوات الدعم السريع إمدادات المساعدات. وينفي الجانبان عرقلة وصول مواد الإغاثة الإنسانية.
موظفون كبار في برنامج الأغذية العالمي ربما "ضللوا" المانحين
وذكرت أربعة مصادر مطلعة أن من النقاط التي يشملها التحقيق أيضاً شكوكاً في أن موظفين كباراً في برنامج الأغذية بالسودان ربما ضللوا الجهات المانحة، بما في ذلك الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من خلال التهوين من شأن ما تردد عن دور للجيش السوداني في منع تسليم المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وذكرت ستة مصادر أن من بين الذين يخضعون للتحقيق نائب مدير البرنامج في السودان خالد عثمان، الذي جرى تكليفه "بمهمة مؤقتة" خارج السودان، وهو ما يُعتبر تعليقاً فعلياً لعمله. وبحسب أربعة مصادر، يجري التحقيق أيضاً مع مسؤول كبير آخر هو محمد علي، مدير مكتب البرنامج في مدينة كوستي السودانية، في ما يتعلق باختفاء أكثر من 200 ألف لتر من وقود المنظمة في المدينة. ولم يتسن لـ"رويترز" التأكد مما إذا كان علي لا يزال في منصبه. وأحجم كل من عثمان وعلي عن التعقيب عندما اتصلت بهما "رويترز" وأحالاها إلى المكتب الإعلامي لبرنامج الأغذية.
وقال مصدران مطلعان على التحقيق إنه في إحدى الحالات في يونيو/ حزيران 2024 أخفى عثمان، نائب مدير البرنامج، عن الجهات المانحة أنّ سلطات متحالفة مع الجيش في بورتسودان رفضت منح تصاريح لخمس عشرة شاحنة كي تنقل مساعدات أساسية إلى نيالا بولاية جنوب دارفور حيث تواجه بعض المناطق خطر المجاعة. وانتظرت الشاحنات سبعة أسابيع قبل أن يتم منحها الإذن أخيراً بالتحرك.
برنامج الأغذية العالمي يسعى إلى جمع 22.7 مليار دولار من التمويل لمساعدة 157 مليون شخص من بينهم نحو 1.3 مليون على شفا المجاعة
وذكرت ثمانية مصادر أن عثمان، الذي تمت ترقيته داخل مكتب برنامج الأغذية بالسودان بسرعة غير عادية، كانت له علاقات على مستويات عالية بالجيش. وتحكم عثمان في حصول زملائه في البرنامج على تأشيرات لدخول السودان، وهو ما سمح له بتقييد وصول الإمدادات والحد من التدقيق في إدارة الجيش للمساعدات، وفقا لثلاثة مصادر مطلعة. ولم تتمكن "رويترز" من التأكد من صحة الاتهامات ضد عثمان بشكل مستقل أو الدافع المحتمل الذي ربما كان لديه لتضليل المانحين.
وأعرب أكثر من ستة أشخاص من العاملين في المجال الإنساني والدبلوماسيين عن قلقهم من أن سوء الإدارة في مكتب برنامج الأغذية العالمي في السودان ربما ساهم في الإخفاق حتى الآن في إيصال مساعدات كافية خلال الحرب. ورداً على "رويترز" حول التحقيق، قال برنامج الأغذية العالمي إن اتهامات لأفراد بسوء السلوك في ما يتصل بمخالفات في العمليات بالسودان تخضع لمراجعة عاجلة من جانب مكتب المفتش العام، ورفض التعليق على طبيعة المخالفات المزعومة أو وضع موظفين بعينهم، مضيفاً أنه اتخذ "إجراءات سريعة" لتعزيز عملياته في السودان بسبب حجم التحديات الإنسانية وبعد تأكيد التصنيف المرحلي المتكامل تفشي المجاعة في دارفور، مؤكداً أنه بدأ "إجراءات توظيف فورية لضمان سلامة واستمرارية عملياتنا المنقذة للأرواح".
وقالت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية والتابعة للحكومة الأميركية، في بيان، إنها تلقت إخطاراً من برنامج الأغذية في 20 أغسطس/ آب بشأن "وقائع تحايل محتملة تؤثر على عمليات برنامج الأغذية العالمي في السودان". وتقول الوكالة إنها أكبر مانح منفرد للبرنامج، إذ تقدم ما يقرب من نصف المساهمات سنوياً. وجاء في بيان الوكالة أن "هذه الاتهامات تثير قلقاً بالغاً ويجب إجراء تحقيق شامل فيها ... أحالت الوكالة الأميركية للتنمية هذه الاتهامات على الفور إلى مكتب المفتش العام للوكالة".
يأتي التحقيق في وقت حرج بالنسبة لبرنامج الأغذية العالمي، الذي يصف نفسه بأنه أكبر منظمة للمساعدات الإنسانية في العالم. وفاز البرنامج بجائزة نوبل للسلام لعام 2020 لدوره في مكافحة الجوع وتعزيز السلام، حيث يكافح البرنامج الجوع الحاد على جبهات متعددة، ويسعى إلى جمع 22.7 مليار دولار من التمويل لمساعدة 157 مليون شخص، من بينهم نحو 1.3 مليون على شفا المجاعة، معظمهم في السودان وقطاع غزة وأيضاً في دول مثل جنوب السودان ومالي.
وإلى جانب توزيع المواد الغذائية، يعمل البرنامج على تنسيق وتقديم الدعم اللوجستي لحالات الطوارئ الكبيرة في أنحاء العالم بالتعاون مع منظمات إنسانية أخرى. وفي السنوات القليلة الماضية، واجهت عمليات البرنامج مشاكل كبيرة بسبب سرقة المساعدات الإنسانية أو استخدامها في أغراض أخرى في بلدان مثل الصومال واليمن. وفي العام الماضي، علّق البرنامج والوكالة الأميركية للتنمية الدولية توزيع الغذاء في إثيوبيا في أعقاب تقارير حول سرقة المساعدات الإنسانية على نطاق واسع هناك.
ويأتي التحقيق بعد أسابيع من تأكيد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مبادرة فنية دولية معنية بقياس مستويات الجوع، أن المجاعة تفشت في موقع واحد على الأقل في منطقة دارفور بالسودان. وصنفت المبادرة 13 منطقة أخرى في أنحاء البلاد على أنها معرضة لخطر المجاعة، وتقول إن أكثر من 25 مليون شخص أو أكثر من نصف سكان السودان يواجهون مستويات حرجة من الجوع أو أسوأ.
وفي إبريل/ نيسان، ذكرت "رويترز" أن الأشخاص في بعض مناطق البلاد اضطروا إلى تناول أوراق الشجر والتراب في مسعى للبقاء على قيد الحياة. وفي يونيو/ حزيران، أظهر تحليل أجرته "رويترز" لصور التقطتها أقمار صناعية أن مساحات المقابر تتسع بسرعة في ظل انتشار الجوع والمرض.
واندلعت الحرب في السودان في إبريل/ نيسان 2023، ودفعت أكثر من عشرة ملايين شخص إلى النزوح من ديارهم، وهو ما تسبب في أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، فضلا عن تفاقم الجوع وارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال وتفشي أمراض مثل الكوليرا.
وخلال الآونة الأخيرة انطلقت دعوات أممية ودولية من أجل تجنيب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت من جرّاء نقص الغذاء بسبب القتال المستمرّ في البلاد. وفي هذا الإطار، أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأنّ الوضع الإنساني في السودان وصل إلى "انهيار كارثي" من جرّاء الحرب، وذلك قبل إعلان تفشّي الكوليرا، وأوضحت أنّ "المجاعة والفيضانات والتحديات تواجه ملايين الأشخاص الذين يكافحون من أجل التكيّف مع أكبر أزمة نزوح في العالم، بعد 16 شهراً من صراع وحشي في السودان".
ويشهد السودان موجة من الأمطار الغزيرة والسيول تسببت، وفقاً لآخر تقرير لغرفة طوارئ الخريف التابعة لوزارة الصحة السودانية، في تأثر عشر ولايات، منها 50 محلية موزعة على 434 منطقة. وأوضح التقرير أن عدد الأسر المتأثرة بلغ 31 ألفاً و666 أسرة، أي ما يعادل 129 ألف شخص و650 فرداً، مشيرا إلى وجود 12 ألفاً و420 منزلاً تعرضت للانهيار الكامل في مقابل 11 ألفاً و472 تعرضت للانهيار الجزئي. وأشار التقرير إلى أن 132 شخصاً لقوا حتفهم بسبب الأمطار والسيول والفيضانات، وأوضح أن الولاية الشمالية وولاية نهر النيل هما أكثر الولايات تضرراً.
(رويترز، العربي الجديد)