تقدم عضو اللجنة التشريعية في مجلس الشيوخ المصري محمد طه عليوه، الثلاثاء، بـ"اقتراح" إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير العدل عمر مروان، بشأن تعديل قواعد ومواد الحبس الاحتياطي على ضوء "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، التي أطلقتها مصر في 11 سبتمبر/أيلول 2021.
وقال عليوه، في المذكرة الإيضاحية للاقتراح، إن الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي يخالف قرينة البراءة المنصوص عليها في الدستور المصري، والتي قضت بأن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له ضمانات الدفاع عن نفسه"، وأن الدستور وضع الإطار العام لهذه القرينة، بالنص على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس؛ وفي ما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق".
وتابع أن القانون نظم أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر فيها حكم بات بإلغائها، مستطرداً أن تفصيل تلك الإجراءات ورد بوضوح في قانون الإجراءات الجنائية.
وتابع: "إذا كان المشرع لظروف قدرها في عام 2006، قد رأى إطالة مدد الحبس الاحتياطي، وما صاحب الظروف التي شهدتها مصر في عامي 2013 و2014 من إصدار القانون رقم 83 لسنة 2013، معدلاً بعض أحكام الحبس الاحتياطي، فإن استقرار الأوضاع في الدولة يستلزم وضع إطار لضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي، وتضمين قانون الإجراءات الجنائية بدائل متطورة له".
ودعا عليوه إلى استطلاع رأي الحكومة فى إدخال تعديلات على بعض المواد المنظمة للحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية، بحيث لا يتجاوز في مرحلة التحقيق الابتدائي، وسائر مراحل الدعوى الجنائية، ثلاثة أشهر في الجنح، وستة أشهر في الجنايات، وسنة إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام، فضلا عن عدم جواز حبس المتهم احتياطياً في قضية أخرى بني الاتهام فيها على الوقائع والأدلة ذاتها المقدمة في القضية التي استنفدت مدد الحبس الاحتياطي المقررة.
تستخدم السلطات المصرية الحبس الاحتياطي كعقوبة
كما اقترح تعديلا ينص على أنه يجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطي أن تصدر أمراً بإخضاع المتهم للرقابة الإلكترونية بدلا من حبسه، وأن تلتزم الدولة بأن تصرف للمتضرر تعويضاً مادياً عن الحبس الاحتياطي، بما يعادل الحد الأدنى للأجور المعمول به في الدولة، من دون الإخلال بحقه في التعويض الأدبي.
وفي وقت سابق، أكدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" في تقرير، أن النيابة العامة في مصر، وباﻷخص نيابة أمن الدولة، تستخدم الحبس الاحتياطي كعقوبة "انتصاراً منها لرغبة اﻷجهزة اﻷمنية، بدلاً من كونه تدبيراً استثنائياً يُلجأ إليه عند الضرورة، لتجعل منه وسيلة للتنكيل بحرية الرأي والتعبير، وعقاباً على إبداء الاهتمام بالشأن العام، والدفاع عن حقوق الناس، وذلك من دون حكم القضاء".
وحسم القانون المصري المدة القصوى للحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي، وسائر مراحل الدعوى الجنائية، بثلث الحد الأقصى للعقوبة، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح، وثمانية عشر شهراً في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام؛ لكن النيابة العامة كررت استدعاء النصوص اﻷكثر استبداداً في الترسانة التشريعية لمعاقبة أصحاب الرأي المخالف للسلطة الحاكمة.
وأوضحت الشبكة الحقوقية أن "النيابة العامة أصدرت آلاف قرارات إخلاء السبيل، بما يعني انتفاء أي مخاطر للشخص المُخلى سبيله، ثم أهدرت وزارة الداخلية تلك القرارات، ولم تفرج عن هؤلاء، بل أعادتهم مقبوضاً عليهم متهمين بالجرائم الوهمية ذاتها التي سبق للنيابة كشف زيفها؛ وبدلاً من أن تنتصر النيابة للحق والعدالة، وتأمر بإخلاء سبيلهم، نجدها تحقق من جديد في ما سبق أن فرغت منه، وتصدر قرارات جديدة بحبس اﻷشخاص أنفسهم".
فيما أصدر "مركز التنمية والدعم والإعلام" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، ورقة موقف من الحبس الاحتياطي المطول في مصر، خلص فيها إلى 15 توصية تمنع تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة.
وأوصت الورقة بـ"إعادة النظر في المنظومة القانونية المصرية بشكل عام، لا سيما ما يتعلق بنصوص المواد العقابية ذات العلاقة بممارسة حرية الرأي والتعبير بشكل عام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، والفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق اللتين تتمتع بهما النيابة العامة بأعمال نظام قاضي التحقيق بشكل دائم".
كما أوصت بـ"معالجة القصور في قانون الإجراءات الجنائية، وتحديثه، وإيجاد طرق عقابية لبعض الجرائم المالية غير الحبس، ما يخفف الحمل عن السجون، ويعيد ترتيب الأوضاع داخلها. وتكوين لجنة قضائية تصدر قرارات الإفراج تباعاً، وعلى دفعات، بما يتناسب وتصنيف المحبوسين احتياطياً".
وأوصت أيضاً بـ"وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم، والالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006، وإلزام النيابة العامة أو المحاكم بتسبيب أوامرها القضائية بالحبس الاحتياطي، بالإضافة إلى وقف ظاهرة إحالة سجناء الرأي على قضايا أخرى بعد انتهاء مدد حبسهم الاحتياطي".