انفصال كنيسة لاتفيا عن بطريركية موسكو

10 أكتوبر 2022
خضعت كنيسة لاتفيا لقرار السلطات (مايكل فلودرا/ Getty)
+ الخط -

تتزايد ملامح الانقسام والانشقاقات في الكنيسة الأرثوذكسية المسيحية على إثر الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي باتت تلقي بظلالها على شتى مجالات الحياة، وأحدثها إلزام السلطات في لاتفيا كنيستها الأرثوذكسية بالانفصال عن الكنيسة الروسية.  
وأثار تبني برلمان لاتفيا "السيم" مشروع قانون رئاسي بشأن انفصال الكنيسة الأرثوذكسية عن بطريركية موسكو، استياء الكنيسة الروسية التي اتهمت سلطات لاتفيا بـ"التدخل السافر في شؤون المؤمنين"، في حين أكد البرلمان أن "القانون لا يتدخل في تعاليم الإيمان، ولا قضايا القانون الكنسي".
وبعد توقيع رئيس لاتفيا، إيغيلس ليفيتس، على القانون الذي أقره البرلمان، سيتعين على الكنيسة الأرثوذكسية تعديل ميثاقها قبل 31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. 
وأحال ليفيتس إلى البرلمان في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي مشروع قانون الانفصال الكامل للكنيسة الأرثوذكسية عن بطريركية موسكو، موضحاً أن "الدولة تعترف بأن الكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة مستقلة تماماً، ولا تخضع لسلطة أي كنيسة أخرى خارج لاتفيا". 
ويعتبر كبير الباحثين في قسم الدراسات الاجتماعية والسياسية بمعهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، رومان لونكين، أن قرار السلطات اللاتفية يحمل في طياته ملامح العلاقات الكنسية في زمن إصلاح المسيحية الغربية في القرنين الـ16 والـ17 الميلادي، متوقعاً أنه لن يثني المؤمنين اللاتفيين العاديين عن ذكر بطريرك موسكو.    
ويقول لونكين، وهو متخصص في الأديان، لـ"العربي الجديد": "تريد السلطات اللاتفية بقرارها إنشاء كنيسة خاضعة لسيطرتها بروح شعار زمن الإصلاح الذي كان يقول (من له السلطة، له الدين). اتخذت لاتفيا قراراً جذرياً يشبه سياسات الاتحاد السوفييتي بالرقابة على السياسة البشرية للكنيسة، والتدخل في شؤون المؤمنين".  
وحول رد فعل الكنيسة اللاتفية على القرار، يضيف: "في بيان لها بعد تبني القانون، استسلمت الكنيسة لقرار السلطات، ولكنها لم تتخل عن الاتصالات مع بطريركية موسكو. قررت قيادة الكنيسة ألا تدخل في خلاف مفتوح مع السلطة، وأتوقع أن يواصل المؤمنون ذكر البطريرك كيريل خلسة، وهم لا يزالون يعتبرون كنيسة موسكو بمثابة كنيستهم الأم. هذا وضع غير مألوف بالمرة من وجهة نظر القيم الأوروبية". 
ويجزم بأنه لا مجال للنظر إلى قرار سلطات لاتفيا خارج سياق الحرب في أوكرانيا، قائلاً: "ما كان للقانون أن يرى النور إلا كنتيجة للأزمة السياسية في أوروبا، واستمرار تراجع مستوى المعيشة في دول البلطيق. يتم تفسير كافة المشكلات، لا سيما في الدول الأوروبية الأكثر فقراً، بالمواجهة مع روسيا. الأزمة الأوكرانية توجه ضربة غير مباشرة للكنائس، وفي مقدمتها بطريركية موسكو. يتميز قانون الكنيسة اللاتفية بدرجة عالية من النفاق حيال أحكام حرية العبادة والمعتقد الدولية والأوروبية"، على حد تعبيره. 

الصورة
كنيسة أرثوذكسية قديمة في مدينة ريغا (مايكل فلودرا/Getty)
كنيسة أرثوذكسية قديمة في مدينة ريغا (مايكل فلودرا/ Getty)

ويلفت لونكين إلى أن انشقاق الكنيسة اللاتفية عن الكنيسة الروسية ليس سابقة، إذ عملت السلطات الأوكرانية المناهضة لروسيا منذ عام 2018 جاهدة على فصل الكنيسة الأوكرانية عن بطريركية موسكو، بينما تسعى سلطات جمهورية الجبل الأسود لفصل كنيستها عن بطريركية صربيا. 
وأثار القانون ردود أفعال غاضبة في موسكو، حتى قبل تمريره بشكل رسمي، وعلق مستشار بطريرك موسكو وسائر روسيا، رئيس الكهنة نيقولاي بالاشوف، بالقول: "يبدو أن لاتفيا تعود إلى أخلاقيات ما قبل الحرب العالمية الثانية في زمن دكتاتورية كارليس أولمانيس. في عشرينيات القرن الماضي، مارست السلطة أيضاً تأثيراً سياسياً وأمنياً كبيرين على الكنيسة الأرثوذكسية اللاتفية بهدف إنهاء علاقتها مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وإخضاعها لبطريركية القسطنطينية وفق نموذج إستونيا المجاورة". 
وكان كارليس أولمانيس رئيساً لوزراء لاتفيا، وقائماً بأعمال الرئيس بين عامي 1936 و1940، وصعد إلى السلطة عن طريق تدبير انقلاب في عام 1934، مدشناً حقبة الحكم الاستبدادي في البلاد.

بدورها، كتبت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عبر "تيليغرام": "أحال الرئيس اللاتفي إلى البرلمان تعديلات تقتضي منح الكنيسة الأرثوذكسية اللاتفية صفة مستقلة عن بطريركية موسكو. ظلاميون". 
أما صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين، فوصفت القرار بأنه "تعسف"، و"قرار خيالي غير مسبوق"، ويعكس "تدخل الدولة بشكل مباشر في الشؤون الكنسية".
ويندرج انفصال الكنيسة اللاتفية عن موسكو ضمن الحملة التي تقودها لاتفيا للتضييق على كل ما يتعلق بروسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا في نهاية فبراير/ شباط الماضي، والتي وصلت إلى حد دعوة الرئيس ليفيتس إلى عزل سكان البلاد الناطقين بالروسية في حال كانوا يعارضون التوجه السياسي للجمهورية.

المساهمون