نشر شاب مصري تسجيلاً على مواقع التواصل، ظهر فيه وهو يبكي ويشكو من انتهاكات بحقّه في قسم شرطة العجوزة بمحافظة الجيزة. وقال إنّه تعرّض لإهانات متعددة وضرب غير مبرر ومعاملة غير بشرية، مشدداً أنّه لم يعد يطيق العيش بسبب ما شهده من عدم رحمة في الساعات التي قضاها في داخل القسم. وقد انتشر الفيديو بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تنديد مجتمعي بجريمة التعذيب في أقسام الشرطة وفي مقار الاحتجاز المختلفة في مصر، علماً أنّ الشعب المصري كان قد ثار على ذلك في 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وعلى الرغم من أنّ ملف التعذيب كان بمثابة الشرارة الأولى لثورة يناير، فإنّه مستمر في المسّ بكل معاني الإنسانية والحياة حتى يومنا هذا.
وتعليقاً على ما نُشر، نفت وزارة الداخلية المصرية "صحة ما تضمّنه مقطع الفيديو من ادعاء أحد الأشخاص باحتجازه دون وجه حق لمدة يومين بقسم شرطة العجوزة بالجيزة". أضافت أنّ "حقيقة الواقعة تتمثل في أنّه بتاريخ 4 يناير (المنصرم)، اصطدمت سيارة يستقلها شخص وبصحبته طفل (نجل زوجته) بسيارة ميكروباص أعلى الطريق الدائري في دائرة قسم شرطة العجوزة، وقد فرّ سائق السيارة من موقع الحادث تاركاً الطفل في السيارة، بسبب صدور حكم بالحبس عليه في إحدى القضايا، وضُبط بصحبته شقيق زوجته وتم تسليم الطفل إلى خاله من دون احتجازه عقب صدور قرار النيابة العامة لرفض والدته الحضور إلى القسم لاستلامه.. وجارٍ اتخاذ الإجراءات القانونية حيال تلك الادعاءات".
وبينما نفت وزارة الداخلية صحة الواقعة، لم تتطرق إلى ما قاله الشاب عن الانتهاكات، ولا سيّما الضرب، في قسم الشرطة. يُذكر أنّ أيّ رواية بخصوص الضرب والتعذيب في أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز المصرية، هي أقرب إلى التصديق من قبل المواطنين المصريين، نظراً إلى سجل جهاز الشرطة ووزارة الداخلية في مصر الحافل بها على مدى عقود.
ولمصر سجلّ إجرامي ومعيب في ما يتعلّق بالوفيات الناجمة عن التعذيب في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية. وقد كان مقتل خالد سعيد على يد أمينَي شرطة في السادس من يونيو/ حزيران 2010 بمثابة الشرارة الأولى للثورة. كذلك قضى عصام عطا بعدما عذّبه ضباط في السجن عبر إدخال خراطيم مياه في فتحات جسده حتى الموت، في سجن طرة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، فيما كان يقضي هناك عقوبة بالحبس لمدّة سنتَين لتورطه في مشاجرة يوم 25 فبراير/ شباط 2011 في منطقة المقطّم.
وكانت دراسة بحثية حول ظاهرة التعذيب في مصر، صدرت في عام 2015، قد كشفت أنّ 76 في المائة من حالات التعذيب كانت في اتهامات لا علاقة لها بالاضطرابات السياسية في البلاد، وإنّما كانت تأتي إمّا بشكل روتيني من دون سبب واضح وإمّا لمحاولة الحصول على اعترافات من المتهم. وذكرت الدراسة التي أعدّتها المجموعة المتحدة للمحامي الحقوقي نجاد البرعي أنّ الفئة العمرية 18-35 عاماً هي الأكثر تعرّضاً للتعذيب بنسبة 58 في المائة، تليها الفئة العمرية 36-49 عاماً بنسبة 23 في المائة، في حين انخفضت نسبة تعذيب الأطفال (دون 18 عاماً) إلى 10 في المائة والشيوخ (50 عاماً وما فوق) إلى تسعة في المائة فقط.
وأشارت الدراسة إلى انتشار التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية بين العمّال المياومين (الذين يتقاضون أجراً يومياً في مقابل عملهم) والحرفيين والعاطلين من العمل، فضلاً عن انتشار التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية بين المتهمين بارتكاب جرائم تقليدية، وكذلك تعذيب الضحايا لدوافع سياسية. وأوضحت الدراسة أنّ 50 في المائة من حالات التعذيب التي تناولتها أتت عن طريق الضرب سواء بالأيدي مباشرة أو بآلات صلبة راضّة، فضلاً عن طرق التعذيب أو استخدام القسوة الأخرى من المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة، واستخدام آلات مكهربة غير مميتة وغيرها.
المصريون ليسوا وحدهم من يخبرون طبيعة الانتهاكات الواقعة في أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز الرسمية في مصر، بل ثمّة إدراك عالمي لهذه الجريمة. ولطالما صدرت تنديدات عالمية بانتهاكات حقوق الإنسان في ظل النظام المصري الحالي، كان آخرها بيان مشترك في الدورة 46 لـ"مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" في مارس/ آذار 2021، إذ عبّرت 32 دولة عن شعورها "بقلق عميق إزاء مسار حقوق الإنسان في مصر"، وسلّطت الضوء على "القيود المفروضة... على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، والتضييق على المجتمع المدني والمعارضة السياسية، وتوظيف قانون الإرهاب ضد المعارضين السلميين".
وفي تقريرها العالمي لعام 2022، أفادت منظمة "هيومان رايتس ووتش" بأنّ "محاولات مصر السطحية لخلق انطباع التقدم في حقوق الإنسان لم تخفِ القمع الحكومي الوحشي لجميع أنواع المعارضة عام 2021، واستمرت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، عام 2021، بالسير في الطريق المعتاد للقمع الذي لا يعرف الهوادة". أضافت المنظمة أنّ "قوات الأمن المصرية تصرّفت بحصانة من العقاب، وارتكبت بشكل روتيني الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب بحق النشطاء السياسيين أو المشتبه بهم وكذلك المواطنين العاديين".