انتقادات حقوقية للإيقاف التحفظي: يهدد حرية التونسيين

02 أكتوبر 2022
المدد المطولة للإيقاف التحفظي ظلم للموقوفين (شادلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

تنتقد أسر الموقوفين على ذمة القضاء والأوساط الحقوقية في تونس طول فترات الإيقاف للمتهمين من دون محاكمة، وتجاوز فترات الإيقاف القانونية، ما يتسبب في سلب الحرية، والمس بالحقوق، فضلاً عن تأثير ذلك على السجون التي تشهد اكتظاظا قياسياً.
ويبدي حقوقيون قلقاً من تزايد أعداد حالات الإيقاف التحفظي التي تتجاوز الآجال القانونية من دون أن يمثل المتهمون أمام المحاكم نتيجة بطء المرفق القضائي، أو تعطل الحصول على الأدلة في بعض القضايا، ويعتبرون أن تمديد الإيقاف التحفظي من بين الانتهاكات المتكررة.
عصام بوقرة واحد من بين مئات الموقوفين التونسيين الذين تجاوزوا مدة الاحتفاظ القانوني من دون حكم، وهو موقوف منذ ما يزيد عن السنة، يواجه تهمة استهلاك مادة القنب الهندي المدرجة ضمن جدول المخدرات الخفيفة، غير أنه لم يعرض بعد على القضاء.
كتب عبد الجليل بوقرة والد السجين عصام في تدوينات عبر موقع "فيسبوك"، أن "أهم المعارك في تونس هي معركة الحريات الفردية"، منتقدا "طول فترة إيقاف المتهمين، وانتهاك حقهم في الحرية في قضايا يفترض أن تفصل فيها المحاكم في الآجال القانونية".

وسعى المشرع التونسي إلى حصر الحالات التي يجوز فيها سلب حرية أي متهم، نظرا لخطورة ذلك على العدالة، وتأثيره على الفرد، فالأصل أن المتهم بريء ما لم تثبت إدانته، وقد كرس المشرّع حالتين فقط يجوز فيهما اعتقال المواطن من دون حكم، وهما الاحتفاظ، والإيقاف التحفظي، لكن الحالتين تعرفان تجاوزات.
وتنظم مجلة الإجراءات الجزائية في تونس، الاحتفاظ الذي يكون من اختصاص بعض مأموري الضابطة العدلية، ويُقضى بالأماكن التابعة لمراكز البحث، ومدته محددة بثلاثة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة لنفس المدة بشرط التعليل. أما الإيقاف التحفظي فإنه من اختصاص السلطة القضائية، ويقضى بالسجن بمقتضى بطاقة إيداع، ومدته القصوى قد تصل إلى 9 أشهر في الجنحة، و14 شهرا في الجناية.
وإيقاف المتهمين تحفظياً لم يكن محدد المدة قبل صدور قانون في 1987، قصر لأول مرة مدة الإيقاف التحفظي على ستة أشهر مع إمكانية التمديد فيها مرة واحدة بالنسبة للجنحة، ومرتين بالنسبة للجناية، على ألاّ يتجاوز كل تمديد ستة أشهر، وبمقتضى قانون صدر في 1993، تم تخفيض مدة الإيقاف التحفظي عند التمديد فيه بجعل فترة الإيقاف بالنسبة للجنحة مرة واحدة بثلاثة أشهر، وبالنسبة للجناية مرتين لا تزيد كل واحدة عن أربعة أشهر.

الصورة
التوقيف لمدد طويلة من دون محاكمة يخالف القانون (شادلي بن إبراهيم/ Getty)

يقول عضو هيئة المحامين، نزار الجابري، إن "مدة الإيقاف التحفظي محددة بالنصوص القانونية وتصل إلى مدة أقصاها 14 شهراً، غير أن عوامل أخرى قد تطيل هذه المدة، ما يتسبب في حبس المتهمين من دون تهم أحياناً، مؤكدا أن "القضاء يمكن أن يبرئهم لاحقاً بعد أن يقضوا مدة إيقاف طويلة من أجل جرم لم يرتكبوه".
ويضيف الجابري لـ"العربي الجديد"، أن "تجاوز الآجال القانونية للإيقاف التحفظي يضطر القضاة أحياناً إلى القيام باختبارات غير دقيقة تحت ضغط الوقت، وهو ما ينتج عنه ظلم في بعض الأحيان للمساجين، أو صدور أحكام لا تتماشى مع الجرائم المركبة".
وحول إمكانية طلب السجناء تعويضات عن طول آجال الإيقاف بعد ثبوت براءتهم، يقول الجابري إن "القانون يسمح لهم بطلب تعويضات، غير أن هذه الحالات نادرة نظرا لطول الإجراءات، وعدم وثوق الموقوفين في الحصول على حقوقهم".

تقول المحامية والناشطة الحقوقية نادية الشواشي لـ"العربي الجديد"، إن "السجن في عدد من القضايا لا يمثل حلاً لمشاكل المجتمع، وينبغي تغيير أحكام السجن بالعمل للصالح العام في قضايا النفقة مثلاً، والتي تقدر بنحو 34 ألف قضية سنوياً، وتنتهي أحيانا بسجن المتخلف عن دفع النفقة لفائدة المنتفع بها".
وتضيف الشواشي أن "طول فترة الإيقاف من دون محاكمة، وتجاوز آجالها القانونية، يزيد من إحساس الموقوفين بالظلم وعدم الثقة في العدالة".

ويشير تقرير أصدرته الأمم المتحدة حول المعايير الدولية في السجون التونسية إلى أن الزيارات إلى السجون والاستماع للمساجين كشفت وجود العديد من الشكاوى، والشعور بالظلم لدى المساجين نتيجة طول مدة انتظار المحاكمات، أو تجاهل إطلاق السراح الشرطي المتاح قانوناً، فضلاً عن كون السجون التونسية تعاني من ارتفاع كبير في عدد الموقوفين الذين تجاوزت مدة ايقافهم تحفظياً 14 شهراً.
وأوصى التقرير الأممي بضرورة تطوير التشريعات بصفة تضمن المحاكمة العادلة والتحقيق الجزائي مع تقليص فترات السجن إلى ما بين 3 و6 أشهر لمن ليس لديهم قضايا سابقة، وذلك لإعطائهم فرصة، والمساهمة في الحد من ظاهرة الاكتظاظ.

المساهمون