يواجه الفلسطينيون النازحون في مخيمات الإيواء، جنوبي قطاع غزة، أزمات مركبة ومتعددة، أبرزها انتشار الأمراض الناجمة عن تلوث المياه والغذاء وتدني مستوى نظافة المرافق العامة.
قال نازحون من مدينة غزة وشمالي القطاع في مخيم إيواء بمركز تدريب تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بمدينة خانيونس، جنوبي القطاع، إن أكثر الأمراض المنتشرة بينهم هي النزلات المعوية وما يرافقها من تقيؤ وارتفاع درجات الحرارة والإسهال المعوي.
ويشكو النازحون من عدم نظافة المرافق العامة داخل المخيم، فضلا عن انقطاع المياه لفترات طويلة جدا، ما يضاعف من معاناتهم ويهدد حياتهم جراء اشتداد الأمراض.
ويعتمد معظم النازحين في توفير وجباتهم الغذائية على المعلبات التي توزع داخل المخيم، فبعد مرور نحو شهرين على بداية الحرب الإسرائيلية، قالوا إن أموالهم نفدت وإنهم غير قادرين على شراء خضار ولحوم لطهي الطعام.
الأطفال الأكثر تضرراً في غزة
النازح يوسف حمودة، من بلدة جباليا، شمالي القطاع، قال إن "الأطفال هم الفئة الأكبر التي تعاني من النزلات المعوية جراء التلوث"، مضيفاً: "هذه الأمراض مسببها الأول هو الأكل والمياه الملوثة، إذ يعاني المصابون من ارتفاع درجة الحرارة والإسهال".
وأوضح حمودة أن "المرافق العامة غير النظيفة الموجودة في المكان تساهم في زيادة حدة الأمراض وتوسعها"، مشيراً إلى أنه "على مدار أيام الحرب، فإن المياه التي كانت تصل إلى المخيم لم تكن نظيفة أو صالحة للشرب".
وشكا حمودة من ارتفاع أسعار البضائع والخضار، الأمر الذي يصعب شراءها لأطفاله، ويفاقم أوضاعهم الصحية، معتبراً أن "أونروا" تأخرت في خطوة توزيع الدقيق على الفلسطينيين، لافتاً إلى أنّ "الكميات الواصلة قليلة ولا تكفي لسد احتياجات أسرته من الخبز".
وتابع: "من بداية الحرب، كنا نقف بطوابير للحصول على الخبز منذ بداية النهار وحتى آخره، وكنا أحيانا نغادر دون الحصول على شيء"، معربا عن خيبة أمله من استئناف الحرب مجددا، خاصة في ظل الآمال التي كانت لديه وفق ما ورد من أنباء بشأن إمكانية التوصل لوقف إطلاق نار في غزة ووقف الحرب ومبادلة الأسرى في صفقة واسعة.
ودعا حمودة العالم لـ"النظر إلى أوضاع قطاع غزة، والضغط باتجاه وقف الحرب وسط سقوط آلاف الفلسطينيين بين جريح وشهيد".
حطب التدفئة يضاعف أمراض الجهاز التنفسي
زكي البكري، النازح من منطقة الكرامة، شمالي القطاع، إلى خانيونس جنوباً، قال إن "استخدام الحطب للطهي عوضا عن الغاز أصاب مستخدميه بأمراض في الجهاز التنفسي".
وأضاف وهو يطهو الغداء على الحطب: "استنشاق الدخان الناجم عن احتراق الحطب والأوراق والأخشاب، أصابنا بأمراض كالسعال المستمر وآلام في الرئة، كما أن التعرض للحرارة الكبيرة للحطب المشتعل ثم التعرض لبرودة الجو يساهم في الإصابة بالمرض".
فضلاً عن ذلك، فإن "غالبية الموجودين في المخيم أصيبوا بأمراض معوية، أبرزها النزلات"، بحسب البكري. ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، قال إن عائلته "تتعمد ترك الخبز يتخمر بشكل كبير كي يصبح مشبِعاً أكثر" في ظل عدم وجود مصدر دخل يمكنه من شراء الدقيق أو الطعام.
انقطاع المياه والتلوث والأمراض
من جانبها، قالت أم ضياء المشهراوي، التي نزحت من حي الرمال بمدينة غزة، إن "انقطاع المياه المتكرر لفترات طويلة عن المرافق العامة (الحمامات)، يزيد نسبة التلوث التي تؤدي للإصابة بأمراض".
وأضافت: "إلى جانب انقطاع المياه، هناك أزمة في المرافق العامة، حيث ينتظر النازحون لاستخدامها في طوابير طويلة، وحينما يصل دورهم يفاجأون بعدم وجود مياه"، مشيرة إلى أن "هذه الظروف تساهم في انتشار الجراثيم والملوثات وبالتالي الأمراض".
وأوضحت أنها أصيبت بنزلات معوية جراء انعدام النظافة، وتلقت العلاجات اللازمة لفترة أسبوع إلى أسبوعين، واصفة الحياة في مخيم الإيواء بأنها "صعبة" بخاصة مع عدم وجود مصادر دخل سواء للموظفين أو لأصحاب المشاريع الخاصة.
الشتاء والنزوح... معاناة كل دقيقة
عبد الله المجدر، النازح من حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، قال إن حياة النازحين خاصة مع فصل الشتاء "متعبة، وفي كل دقيقة وثانية هناك معاناة جديدة"، مضيفاً: "نزحنا من منازلنا دون أن نجلب معنا أي شيء، تركنا منازلنا ومشاريعنا وأعمالنا"، وأوضح أنه لجأ لافتتاح مشروع صغير لطهي "الكبدة" على نار الحطب، في ظل عدم توفر الطعام المطهو للنازحين واعتمادهم بشكل كامل على المعلبات.
وتابع: "هذا المشروع فيه مصلحة للناس، خاصة مع اعتمادهم منذ أكثر من 50 يوما على أكل النواشف (غير المطهي) ما سبب لهم أمراضا مختلفة".
أما تيسير الضبة، النازح من حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، فاكتفى بسرد شهادته بشأن ما جرى معه في مدرسة البحرين بحي تل الهوا، غرب المدينة، حينما نزح للمرة الأولى من منزله إلى هناك، قائلاً: "بعد 25 يوماً من نزوحنا من حي الشجاعية وصل جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى المكان وحاصره، وكنا في ذلك الوقت نتمنى أن تمطر السماء كي نستغل المطر لشرب الماء". وبعد أيام من الحصار، هاجم الجيش الإسرائيلي المدرسة وقتل نحو 13 فرداً، وفصل النساء عن الرجال، وفق قوله. وأضاف: "شقيقتي قُتلت برصاصة اخترقت صدرها وظهرها، فيما أخذونا نحن الرجال للتحقيق معنا ونحن مكبلون، ليخلوا سبيلنا في وقت لاحق وننزح إلى جنوب القطاع".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، يشن الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة خلّفت دماراً هائلاً في البنية التحتية وعشرات الآلاف من القتلى والجرحى المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لمصادر رسمية فلسطينية وأممية.
ومع اندلاع الحرب وجه جيش الاحتلال تحذيرات لسكان شمالي القطاع وطلب منهم التوجه جنوباً.
(الأناضول، العربي الجديد)