بدأ العد العكسي لموعد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان بتاريخ 15 مايو/ أيار الجاري، في حين لا تزال العوائق الهندسية التي تحرم الأشخاص المعوقين من ممارسة حقوقهم الانتخابية باستقلالية وكرامة وإنسانية موجودة وبلا حلول، مع الأمل في أن يتحرك المعنيون وينفذوا وعودهم التي تتكرّر في كل دورة انتخابية، وتبقى بمثابة قنابل صوتية.
تتكرر المشاهد التي تحتوي الكثير من الأذى النفسي والإهانة الإنسانية على مرّ الدورات الانتخابية، لكن رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس تعتبر أن "استحقاق عام 2018 كان الأسوأ للأشخاص ذوي الإعاقات الذين تعرضوا لمعاملة شبيهة بحمل صناديق شوالات البطاطا"، في إشارة إلى حمل عناصر الدفاع المدني الأشخاص المعوقين وكراسيهم على الأدراج للاقتراع في ظلّ غياب تام للتجهيز الهندسي المناسب للمباني.
وترى اللقيس أنه "إلى جانب الأذى النفسي الناتج من الإهانة الإنسانية الذي ألحقه هذا التصرف بالناخبين من الأشخاص المعوقين الذين يملكون حق الاقتراع باستقلالية وكرامة لمرشحيهم، استغلت ماكينات الأحزاب التقليدية أوضاع الأشخاص المعوقين، وتقدّم بعض أعضائها لمساعدتهم على الإدلاء بأصواتهم، ثم غادروا وتركوهم في الطوابق العليا".
اقتراحات معطلة
وتلفت إلى أن "الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً قدم اقتراحات عدّة لوزارة الداخلية، في مقدمها إنشاء مركز ميغاسنتر الذي حدد مواصفاته لضمان حق الجميع في الاقتراع في هذا المركز، لكنه لم يعتمد في هذه الدورة الانتخابية. كما طالب الاتحاد بمنحه حق تسجيل الأشخاص المعوقين وكبار السن مسبقاً، من دون أن يعني ذلك أن يقترعوا وحدهم، فنحن مع الدمج ونرفض إقامة مراكز مخصصة فقط لنا، ونريد تحديداً أن تتوفر مراكز مجهزة في كل منطقة إدارية، لكن تبين أن هذا المشروع يحتاج إلى قانون، علماً أنه كان يمكن تمريره من خلال قانون معجل مكرر، لو أن النية موجودة".
تضيف: "اقترحنا أيضاً بناءً على مسح ميداني نفذه الاتحاد لمراكز الاقتراع في كل المحافظات، والذي أظهر احتواء 40 في المائة من المدارس الرسمية على طوابق أرضية وملاعب وباحات، نقل أقلام الاقتراع إليها، وأبدت وزارة الداخلية موافقتها وكلفت المحافظين بتحديد الأماكن المناسبة التي يسهل الوصول إليها، وهو ما يجب أن ينفذ بسرعة لأن الوقت ليس لصالحنا والانتخابات قريبة. وهناك دور أيضاً لوزارة التربية على صعيد الإشراف على العملية ومتابعة أوضاع المدارس لضمان تجهيز الطوابق الأرضية والمصاعد كي تكون مفتوحة طوال اليوم الانتخابي. وفي حال حصل ذلك نكون أمام سابقة حرم منها جيل كامل منذ صدور القانون المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2000، مع الإشارة إلى هناك 80 ألف ناخب يحملون بطاقات إعاقة".
وتتناول اللقيس أيضاً فقدان حق الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية والذهنية والسمعية في التواصل، "فهؤلاء أيضاً يملكون حق الاقتراع بكرامة واستقلالية، والقانون واضح في هذه المسألة إذ يؤكد حقهم في الاستعانة بمساعد يختارونه. من هنا يجب أن تعترف الدولة رسمياً، وتعتمد لغة الإشارة بطريقة برايل، وتبسّط اللغة لهذه الفئات التي تمثل نحو 15 في المائة من السكان، وتمنحها الحق في الانتخاب والوصول إلى المعلومات".
وتأمل اللقيس في أن يدمج المرشحون عن المجتمع المدني في برامجهم الانتخابية حقوق الأشخاص المعوقين "فنحن جزء من المجتمع، والحقوق لا يمكن أن تتجزأ، ونحن غيارى على البلد، ويجب عدم السماح بانتقاص أي حق من حقوق الإنسان، مع إصرارنا على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، لأن التدهور وحال الفوضى التي نعيشها والانهيار يحتاجان أكثر من أي وقت مضى إلى استحقاق يعكس قرار الناس وإرادتهم".
"لو تتوفر الإرادة"
من جهته، يقول وزير الداخلية السابق زياد بارود لـ"العربي الجديد" إن هذا الموضوع مزمن ومؤسف لكن معالجته بسيطة إذا توفرت الإرادة واعطيَ الأولوية، فغالبية مراكز الاقتراع إدارات عامة رسمية، خصوصاً مدارس وبلديات".
ويرى بارود أن "المعالجة تكمن في تجهيزها كلها وبشكل دائم ومستدام بما يلزم لاستقبال ذوي الاحتياجات الإضافية وذوي الإرادة الصلبة، والمشكلة لا تعالج بصورة ظرفية، لكن يبقى ذلك ممكناً من خلال توزيع أقلام الاقتراع في الطوابق الأرضية حيثما أمكن".
حبر على ورق
بدوره، يقول المستشار القانوني في مؤسسة "مهارات" طوني مخايل لـ"العربي الجديد" إن "قوانين كثيرة تكفل حقوق الأشخاص المعوقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنها لا تزال حبراً على ورق تماماً مثل البيانات الوزارية على مرّ الحكومات المتعاقبة التي تتحدث عن هذه الحقوق، فمجلس الوزراء لم يصدر منذ 29 مايو/ أيار عام 2000، مراسيم تطبيق القانون رقم 220-2000، من أجل توضيح آليات تطبيقه من قبل الوزارات والإدارات العامة والمؤسسات الخاصة المعنية".
ويتوقف مخايل عند الاتفاقية الدولية الخاصة بتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وكرامتهم الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2006، والتي وقعها لبنان عام 2007، لكنها بقيت غير ملزمة له كونه لم يصادق عليها وعلى بروتوكولها المرفق، "ما يؤكد أن لا نية للدولة لتفعيل منظومة الحقوق، ولا تملك رؤية لتحسين أوضاع المواطنين، والعمل لدمج كل فئات المجتمع".
ويلفت إلى أن مراكز الاقتراع المجهزة لا تتجاوز أصابع اليد، فغالبيتها تكون في الطابق الثاني أو الثالث، ويتعذر بالتالي وصول الأشخاص المعوقين إليها. ورغم توصية وزير الداخلية بسام مولوي، يجب توفير اعتمادات لتجهيز المباني التي ستعتمد كمراكز انتخابية وتشغيل المصاعد الكهربائية والمراحيض المجهزة، وغيرها من التجهيزات والمواصفات المطلوبة الصعبة، والتي تحتاج إلى وقت لإنجازها، في حين أن الفترة التي تفصلنا عن موعد الاستحقاق قصيرة.
بعيداً عن الموضوع الحياتي
على صعيد رصد الخطاب السياسي للمرشحين للانتخابات النيابية، يقول مخايل: "لا شكّ في أن الخطاب السياسي للمرشحين لا يركز كثيراً على برامج تعنى بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، بل يصبّ في إطار الدعاية والبروباغندا السياسية التي تبنى على توجيه الاتهامات السياسية للخصوم وإثارة المشاعر. وتختلف الشعارات بحسب انتماء كل فريق سياسي، فهناك من يركز على محاربة الفساد، وآخر على السيادة وحياد لبنان، وغيرها من الخطوط السياسية الكبيرة البعيدة حتى من الموضوع الحياتي اليومي للناس".
ويشير مخايل إلى أن "كل الوعود والشعارات والخطوات تبقى بلا ترجمة، فالقانون 220-2000 ينص على إلزامية التوظيف بنسبة مقتطعة أي حصة كوتا نسبتها 3 في المائة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الوظائف الرسمية والخاصة. ويواكب هذه النسبة حوافز لأرباب العمل مثل إعفاءات ضريبية، كما يغرّم من لا يلتزم بها. في المقابل، صدر قرار عام 2017 بمنع التوظيف الذي لم يستثنِ حتى الأشخاص ذوي الإعاقات، ما نسف جميع حقوقهم، علماً أن مخالفات كثيرة طاولت هذا القانون الذي عطّل قانوناً آخر للسماح بتوظيف أكثر من 4500 شخص لا أحد منهم من ذوي الاحتياجات".
التحرك الأخير
وفي مسيرة نفذها مؤخراً أمام السراي الحكومي بعنوان "نحو عملية اقتراع دامجة تحترم التنوع"، طالب "الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً" بتحقيق مطالبهم قبل الانتخابات النيابية، أي قبل تاريخ تثبيت مراكز الاقتراع، على أن تكون جميع المراكز التي تتضمن غرفاً في الطوابق الأرضية قد تحوّلت إلى أقلام اقتراع. وشدد على أن "كل مشاهد الإذلال التي شهدناها خلال السنوات الماضية هي جريمة بحق المقترعين المعوقين لم ولن نقبل بها".
ويؤكد مصدر في وزارة الداخلية لـ"العربي الجديد" أن "الوزارة تتابع أوضاع المقترعين المعوقين والمباني التي يمكن تجهيزها لهم، وستحرص على أن تكون جميعها جاهزة قبل موعد الانتخابات النيابية، لأننا نريد ضمان حقوقهم وكرامتهم وإزالة العوائق كلها من أمامهم، وذلك بالإمكانات المالية المتوفرة لدينا، وسنضمن مع الوزارات المعنية إتمام التجهيزات الهندسية والتقنية، خصوصاً تأمين الكهرباء الضروري لكل مراكز الاقتراع".
تجدر الإشارة إلى أن الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات (لادي) سجلت مشاهدات متفرقة لانتخابات المغتربين اللبنانيين المقيمين في الخارج والتي جرت يومي الجمعة والأحد الماضيين، حيث تبين عدم جهوزية الكثير من مراكز الاقتراع لاستقبال الأشخاص المعوقين في كل من المغرب، بريطانيا، الغابون، ساحل العاج، جمهورية الكونغو الديموقراطية، هولندا، فرنسا، روسيا، ألمانيا، ورومانيا.