يعتبر كثير من الأتراك أن المرشحيّن الرئيسيّين للانتخابات، زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب أردوغان وزعيم حزب الشعب المعارض كمال كلجدار أوغلو، لم يتمكنا من الوصول إليهم جيداً، وأن المرشح المنسحب محرم إنجة كان الأقرب إلى شريحة الشباب، والذي قال قبل انسحابه إنه "لو أمكن للأشخاص في عمر 15 إلى 18 سنة التصويت، لفزت بالانتخابات من دون منازع".
خلال الأيام الأخيرة، ركز كل من أردوغان وكلجدار أوغلو على الشباب، وخاصة الفئات التي تنتخب لأول مرة، والذين يتجاوز عددهم 5 ملايين ناخب، أي ما نسبته أكثر من 7.5 في المائة من إجمالي عدد الناخبين الذين قدرتهم الهيئة العليا للانتخابات بأكثر من 64 مليون ناخب، علهما يكسبان الأصوات التي كانت ستذهب لمحرم إنجة.
ولد معظم جيل الشباب التركي بعد وصول حزب العدالة والتنمية في عام 2002 إلى السلطة، ما يجعل معلوماته عما كانت عليه البلاد قبلها محدودة، وهو ما يجعل معظم أفراد هذا الجيل لا يكترثون بما يعده الحزب الحاكم إنجازات، ما دفع الرئيس أردوغان إلى التركيز على مطالبهم خلال برنامجه الانتخابي، وفي اللقاءات الجماهيرية التي قام بها في الولايات.
أكد أردوغان توفير 6 ملايين وظيفة جديدة خلال 5 سنوات، والعمل على تخفيض معدل البطالة إلى حدود 7 في المائة، إضافة إلى رفع نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 16 ألف دولار سنوياً، مكرراً ما تضمنه برنامجه الانتخابي بمنح قرض بقيمة 150 ألف ليرة تركية للمقبلين على الزواج من دون فوائد، على أن يبدأ سداد الأقساط بعد سنتين، وأنه سينشئ "بنك الأسرة والشباب" من عائدات الغاز الطبيعي والنفط اللذين تنتجهما البلاد.
ولد معظم شباب تركيا بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة
ونظراً لامتعاض الشباب من ارتفاع الضرائب على الأجهزة التقنية، وردود فعلهم تجاه اللاجئين، وعد أردوغان بإزالة نظام المقابلات في التوظيف بالقطاع الحكومي، وإعفاء الطلاب الجامعيين من الضرائب عند شراء الجوالات والحواسيب الآلية لأول مرة، وتغيير سياسات حزبه تجاه المهاجرين عبر العمل على خفض معدلات الهجرة، وتوزيع المهاجرين في الولايات بنسب متوافقة مع احتياجات الزراعة والصناعة.
يشير التركي فهري إيت (32 سنة)، من منطقة الفاتح بإسطنبول، إلى تزايد جماهيرية أردوغان بين الشباب خلال الفترة الأخيرة، وإلى أن الكثير من الشباب سيصوتون له بعد "مكيدة" حزب الشعب على محرم إنجة، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "وعود تحسين المعيشة، ورفع الحد الأدنى للأجور، ورفع أجر العاملين بالقطاع الحكومي زادت إقبال الشباب على المشاركة بالانتخابات، بينما كان عدد كبير منهم متردداً في السابق. انسحاب محرم إنجة صفع الشباب، والأرجح أن تصوت غالبيتهم لأردوغان".
وتقول الطالبة الجامعية بيرفان شاهين (22 سنة)، إن الشباب التركي يهتم بالسياسة والاقتصاد، لكن اهتمامه بحريته يأتي في المرتبة الأولى، لذا أرجح التوجه نحو انتخاب كمال كلجدار أوغلو لأنه وعد بعودة تركيا إلى اتفاقية إسطنبول المناهضة للعنف ضد المرأة، ومنح الحرية للجميع، بمن فيهم المثليون، ولم يتحدث عن منع الحجاب وفق تقاليد حزبه، بل وعد بقانون يضمن ذلك الحق.
تضيف شاهين، متحدثة لـ"العربي الجديد"، أنها كانت ستصوّت للمرشح محرم إنجة، لكن انسحابه جعلها تختار مرشح المعارضة، معتبرة أنه "يكفي عشرين سنة حكم للعدالة والتنمية. تركيا بحاجة إلى التغيير، وهذا الرأي هو الغالب بين غالبية جيل الشباب".
وركزت أحزاب المعارضة التركية الستة على الشباب من خلال السياسات الاجتماعية في برامجها الانتخابية، ويرى المحلل التركي باكير أتاكجدان أن "برامج المعارضة تركزت على إلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى البرلماني الذي كان معتمداً قبل عام 2018، وهذا يطرب كثيرين، فضلاً عن نظام قضائي جديد، والإفراج عن المعتقلين، والنهوض بالاقتصاد، وتسريع وصول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. كما تعد المعارضة بتعزيز الحريات، وإلغاء جريمة إهانة الرئيس، والدفاع عن حقوق النساء، بما فيها حرية الحجاب، واحترام حريات الجميع، بما فيها المثلية الجنسية".
ويستدرك المحلل التركي بأن "برنامج الحزب الحاكم يخاطب العقل، ويركز على قوة تركيا واستمرار التنمية، ولهذا مفاعيل ذات ديمومة أكبر لأن العزف على العواطف لن يجدي، في حين أن وعود القروض الميسرة وتأمين فرص العمل وزيادة الأجور تأثيرها أكبر. أردوغان يؤثر المحافظة على تقاليد تركيا الإسلامية، وهذا يريح كثيرين، لكنه لا يناسب البعض".
ويكشف أتاكجدان أن "القوانين تمنع نشر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات بعشرة أيام، لمنع أي تأثير على الناخبين، ما يجعل كل ما يقال عن تبدل الآراء غير موثوق، لكن وفق الاستطلاعات السابقة، كان نحو 54.7 في المائة من الشباب لا يؤيدون النظام الرئاسي والرئيس أردوغان، وهذا لا يعني أنهم يؤيدون مرشح الطاولة السداسية، بل إن معظمهم كانوا يؤيدون محرم إنجة".
ويضيف الباحث التركي أن "البرامج الانتخابية، ثم الزيارات الميدانية التي قام بها المرشحان الرئيسيان إلى المدن الكبرى بدلت مزاج الشارع التركي، لأن الناخب واجه المرشحين وسمع الوعود بنفسه، وليس من السهل التملّص من تنفيذ تلك الوعود في الديمقراطية التركية".
لا تقل أصوات النساء عدداً وأهمية عن أصوات الشباب، على اعتبار أن أكثر من نصف شباب تركيا من الإناث، ويرى المراقبون أن الاهتمام بالمرأة والأسرة كانت غالبة على برامج المرشحين، وصولاً إلى تحول التنافس بين أردوغان وكلجدار أوغلو على أصوات النساء، ما جعلهما يتخليان عن بعض مبادئ حزبيهما، ففي حين حرص مرشح "الطاولة السداسية" على ظهور فتيات محجبات خلال حملته، وهو المتحدر من حزب الشعب العلماني المعادي للحجاب، تعهد مرشح "تحالف الشعب" بمزيد من الحريات للمرأة، ورشح حزبه ضمن قوائمه للانتخابات البرلمانية ملكة جمال تركيا السابقة سيدا ساريباش.
ويزيد عدد النساء في تركيا عن عدد الذكور، فمن بين عدد السكان البالغ أكثر من 85 مليون نسمة، بحسب هيئة الإحصاء الحكومية، يبلغ عدد الإناث 42 مليونا و628 ألفاً، بينما عدد الذكور 42 مليونا و452 ألفاً.
وترى تفيدة أكان (46 سنة)، من ولاية قيصري، أنه "لا يجوز النظر إلى المرأة من خلال إسطنبول أو أنقرة وإزمير، فنساء الجنوب والأناضول مؤثرات، وإن كان عددهن أقل من المدن الكبرى، لكن وسائل الإعلام واستطلاعات الرأي تختصر المرأة التركية في نساء المدن". وأضافت في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المرأة حلت في صدارة برامج المرشحين، وما كان يؤخذ على الأحزاب حتى انتخابات عام 2018، زال في هذه الدورة، فالتفضيل يجب أن يكون حسب مستقبل تركيا، وتحسين الوضع المعيشي، وليس وفق الحريات الشخصية التي أصبحت مجال التسابق بين أردوغان وكلجدار أوغلو. سأصوت لحزب العدالة والتنمية، لكن الكثير من صغار السن سيصوتون للمعارضة لأنهم يريدون التغيير".
تعلن الأكاديمية زيهرة كوجير (29 سنة)، تأييدها للمعارضة ومرشحها كلجدار أوغلو، مبينة أن البرنامج الانتخابي للمعارضة يخاطب المرأة بشكل مفصل، في حين لم يول برنامج الرئيس أردوغان المرأة أهمية خاصة، بل أدرجها ضمن الأسرة بشكل عام. وتضيف: "حزب العدالة والتنمية بات حزباً تقليدياً، وقلما يأخذ مطالب النساء والشباب في الحسبان، إذ إنه منشغل بالصناعات العسكرية، والتنازع مع دول العالم، ما تسبب في تراجع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ومرشح المعارضة وعد باستعادة تلك العلاقات، والعمل على انضمام البلاد إلى الاتحاد".
وينتقد كثيرون تركيز الاهتمام على الانتخابات الرئاسية وتجاهل الانتخابات البرلمانية التي ستجري في اليوم ذاته، مع وعود الأحزاب المتنافسة برفع حصة المرأة في البرلمان. تقول المنتمية إلى حزب الشعب الجمهوري فوندا أكجول (41 سنة)، إن انتخابات البرلمان غاية في الأهمية، خاصة إذا فازت المعارضة وألغت النظام الرئاسي وعاد للبرلمان التركي دوره التشريعي والرقابي، مشيرة إلى أن المعارضة أكثر انفتاحاً على المرأة، ولا تأثير لحزب السعادة الإسلامي أو حزب المستقبل على برامج المعارضة، لأن الطاولة السداسية متفقة على إسقاط حزب العدالة والتنمية والعودة إلى النظام البرلماني.
من جهتها، ترى عضو حزب العدالة والتنمية، الأكاديمية عائشة نور، أن "السياسيين بشكل عام يتوجهون منذ دورتين سابقتين لزيادة تمثيل المرأة بالبرلمان ومنحها أدواراً سياسية عبر الوزارات والتمثيل الدبلوماسي، وفضلاً عن كون قانون الأحزاب يفرض تمثيل النساء، فإن هناك رغبة شديدة من النساء للمشاركة بالعمل السياسي والحزبي. حزب العدالة والتنمية يسعى منذ عام 2002، لترشيح امرأة مقابل كل ثلاثة رجال، وتوجد نائبات لرئيس الحزب، كما توجد سيدات يترأسن فروعاً ولجاناً وأعمالاً تنظيمية".