أدى مقتل طفلة فرنسية في الدائرة التاسعة عشرة من العاصمة باريس، يوم الجمعة الماضي، إلى استغلال رموز اليمين المتطرف الأوروبي للغضب الشعبي الذي ولدته تفاصيل حادثة الاعتداء الوحشي.
وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية ذكرت أن كاميرات المراقبة أظهرت بالفعل وصول الطفلة لولا، وهي في الثانية عشرة من العمر، إلى مدخل سكنها، لتختفي تماماً بعد الثالثة بدقائق، ليعثر شخص على جثة الطفلة عند مدخل العمارة ذاتها، التي يعمل فيها والد الطفلة مسؤول صيانة.
وساهمت كاميرات المراقبة في موقع الجريمة في إلقاء القبض على شابة في الـ24 من العمر، رصدت الكاميرات حركتها تزامناً مع اختفاء الفتاة.
توافُد الفرنسيين إلى مكان الحادث، ووضع الورود ورسائل تعزية للأسرة التي أصيبت بمأساة موت صغيرتهم، استمرا بشكل مكثف بعد انكشاف تفاصيل فظيعة عمّا حلّ بلولا التي تعرضت أيضاً لتعذيب واعتداء جنسي. شعور الفرنسيين بالصدمة امتد ليشمل أوروبيين آخرين، مع توالي أخبار اعتقال أشخاص آخرين، تعتقد الشرطة أنهم شاركوا بطريقة أو أخرى في مساعدة الشابة المتهمة الرئيسة في الجريمة، ومنها نقل الجثة وإعادتها بعد ساعتين لتُلقى أمام مسكنها.
ورغم أن التحقيق لم ينتهِ بعد، إلا أن فظاعة الحالة التي وُجدت عليها الجثة عند الحادية عشرة من مساء الجمعة الفائتة، وربط الأمر بما يسمى "الهجرة السرية"، وخصوصاً أن المتهمة العشرينية استخدمت شقة أختها في العمارة نفسها لتنفيذ جريمتها، وبأنها تقيم بصفة سرية بعد عامين من انتهاء إقامتها، كل ذلك دفع بالسجال إلى مستوى أشبه بالتحريض اليميني المتطرف بالكراهية على عموم المهاجرين.
De nationalité algérienne et en situation irrégulière, c’est officiel : l’assassin de #Lola n’aurait jamais dû croiser sa route. Encore une fois. #Francocide
— Eric Zemmour (@ZemmourEric) October 17, 2022
على المستوى الفرنسي استغل السياسي اليميني المتشدد إيريك زيمور الجريمة ليغمز من جنسية الموقوفة، فذهب محرضاً على الجزائريين من خلال كتابته، معتبراً أن "لولا ما كان يجب أن تلتقي القاتل. رسمياً الآن: الجنسية جزائرية ودون تصريح إقامة". ولإشعال الوضع أكثر، اعتبر هذا السياسي المتطرف أن ما يجري بمثابة إبادة جماعية، حين ربط الحادثة بهاشتاغ وضعه بنفسه على موقعه في تويتر #Francocide "فرانكوسيد".
واستغل آلاف الأوروبيين، إلى جانب الفرنسيين، هاشتاغ لولا (#Lola) للتعبير عن الغضب والمواقف الرافضة للمهاجرين في القارة عموماً. واندفعت في المقابل شخصيات سياسية عدة من معسكر القوميين المتشددين في أوروبا في ذات الاتجاه الذي ذهب إليه زيمور، حيث اعتبرها هؤلاء فرصة لاستغلال الصدمة في الشارع الفرنسي والأوروبي من جريمة القتل لبث سموم أخرى تحرّض على المهاجرين. بل ربط بعضهم على وسائل التواصل بين الذكرى السنوية الثانية لمقتل المدرس صموئيل باتي، بعد عرضه رسومات للنبي محمد على طلابه، والتحريض الشامل على مجتمعات الهجرة.
فذهب في ذات الاتجاه السياسي الألماني المثير للجدل من حزب "البديل لأجل ألمانيا"، بيورن هوك، إلى اعتبار أنه "في نهاية المطاف، إن مشكلة العنف المستورد مسؤولية سياسية، فهناك جرائم كان من الممكن تجنبها بسياسة هجرة أكثر تقييداً".
Das Problem bei der importierten Gewalt ist letztlich die politische Verantwortung. Es gibt Verbrechen, die wären bei einer restriktiveren Einwanderungspolitik vermeidbar gewesen. Mehr unter: https://t.co/gn43jEvswh pic.twitter.com/LmldooLMRA
— Björn Höcke (@BjoernHoecke) October 18, 2022
على ذات المنوال استدعت السياسية الهولندية اليمينية المتشدة إيفا فلار في لقاء تلفزيوني جريمة قتل الصبية باعتبارها "ضحية أخرى وجب التضحية بها على مذبح التعددية الثقافية (في المجتمع) والهجرة الجماعية".
وفي بريطانيا ذهب اليميني المتطرف بول جوزيف واتسون إلى اتهامات ضمنية بتواطؤ في وسائل الإعلام، معتبراً أنه يجري تغييب الجريمة بقوله إن "هذه قصة إخبارية عالمية، كلنا نعرف لماذا هي ليست كذلك". وقد حصدت تغريدته حتى صباح اليوم الأربعاء أكثر من 52 إعجاباً ونحو 19 ألف إعادة تغريد، واستغلها مئات الموتورين للتحريض على المسلمين، رغم أن كثيرين رفضوا الربط بين دين المتهمة والجريمة، معتبرين أن جرائم كثيرة تقع دون الالتفات إلى دين المجرم.
This should be a global news story. We all know why it isn’t. https://t.co/G8rpqaz9y5
— Paul Joseph Watson (@PrisonPlanet) October 17, 2022
ورغم أن السلطات الفرنسية تحدثت في معلومات أولية نشرتها الصحافة عن أن القاتلة المفترضة تعاني من أمراض نفسية، إلا أن ذلك لم يُعفِ من رفض معلقين كثر لتلك الرواية، والإصرار مثلما أراد أقطاب التطرف اليميني الأوروبي على ربطها بالمسلمين، والمهاجرين عموماً.
في كل الأحوال، وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، تتجه باريس يوم غد الخميس إلى تظاهرة دعا إليها إيريك زيمور، لاستغلال غضب الناس وصدمتهم بالجريمة، وذلك لخلق المزيد من أجواء التحريض في مجتمع يعاني بالأساس من حالة استقطاب واحتجاجات ضد الطبقة الحاكمة بسبب قضايا أخرى تتعلق بغلاء المعيشة وارتفاع معدلات التضخم.
وحذر كثيرون ممن علّقوا على أفكار التطرف اليميني ودعواته التحريضية من تحويل جريمة قتل الصبية لولا إلى مسألة أوروبية، ما يعني "بداية توسيع رمي التهمة عموماً على المهاجرين". وذهب آخرون إلى اعتبار مظاهرة الغد في باريس "شرارة انطلاق عنف لأسباب كامنة في المجتمع"، بينما استغل آخرون مواقع المحرضين للدعوة إلى "انتهاج خط روسيا ودول مثل المجر وبولندا بالعودة إلى الإيمان الديني لمواجهة الكابوس".