مع اقتراب الحرب اليمنية من عامها الثامن، ما زالت ظاهرة تجنيد القاصرين دون السن القانونية تمضي قدماً بلا أي رادع، وزج مئات منهم في "محارق الموت" المحتم في ظل عدم تلقيهم أي تدريب عسكري.
وتتفاوت ظاهرة تجنيد أطراف الحرب اليمنية للأطفال، إذ تعتمد آلية مدروسة وذات منهج لدى جماعة الحوثيين التي تحرص على استقطاب الأطفال وطلاب المدارس، فيما تقوم باقي الأطراف بعمليات تجنيد متفرقة، مثل القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
ودفع مقتل أطفال وأسر بعضهم لدى خوضهم المعارك في الصفوف الأمامية أطراف النزاع إلى تكليف الباقين تنفيذ مهمات ثانوية، مثل حراسة نقاط عسكرية أو إيصال إمدادات غذاء إلى الخطوط الأمامية.
وأفاد تقرير حديث للأمم المتحدة بأن "400 طفل شاركوا في عمليات قتال مباشر، في حين تولى آخرون وضع ألغام أو إزالتها، واختيروا للتجسس أو الحراسة أو الطبخ أو نقل العتاد".
وتشير تقارير أخرى إلى أن العام الماضي شهد معدلات قياسية في عمليات تجنيد الأطفال، إذ كشف فريق الخبراء الدوليين المعني باليمن تجنيد جماعة الحوثيين 562 طفلاً خلال 5 أشهر فقط، في حين أكدت مصادر حقوقية يمنية أن الأرقام الحقيقية تتجاوز 2000 طفل قتل غالبيتهم.
وأشارت منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان في اليمن، في تقرير أصدرته، إلى أنها تحققت من تجنيد واستخدام 121 طفلاً على الأقل، بينهم طفلة واحدة على الأقل، خلال العام الماضي، ووجدت أن 88 في المائة من هؤلاء الأطفال جنّدتهم جماعة الحوثيين.
وأورد التقرير أن القوات الحكومية جنّدت نحو 8 في المائة من الأطفال، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات (2 في المائة)، وهي النسبة ذاتها التي تورطت بها القوات المشتركة في الساحل الغربي.
ومع توسّع رقعة العنف إلى محافظات شبوة وأطراف البيضاء وحجة وتعز، تزايدت ظاهرة تجنيد الأطفال مطلع العام الحالي في شكل لافت، خصوصاً من جماعة الحوثيين التي لا تتردد في كشف توجهاتها علناً.
وفي مطلع فبراير/ شباط الجاري، عرضت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وثيقة رسمية طالب فيها الحوثيون مسؤولي ومشرفي الأحياء السكنية بضرورة اختيار 5 مجندين من كل منها للمشاركة في دورات عسكرية وأمنية خاصة.
ويجد سكان صنعاء أنفسهم مجبرين على الخضوع لقرارات السلطات الحوثية مع غياب أي وسائل حماية لهم من المنظمات الدولية المعنية بالطفولة، رغم أنها تصنف تجنيد الأطفال بأنه "انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني".
ويقول الناشط المدني في صنعاء، عبد الرقيب البعداني، لـ"العربي الجديد": "انحسرت نسبياً عملية تجنيد الأطفال في أحياء العاصمة نهاية العام الماضي، لكن واضح أن النزيف البشري الذي أصاب الحوثيين جعلهم ينقبون عن مقاتلين جدد في أوساط الأطفال، فعمليات التجنيد زادت في الأحياء الشعبية الفقيرة، حيث يجرى استغلال الظروف المادية السيئة للأسر من أجل استقطاب أطفالها مقابل مبالغ مالية زهيدة، فيما ينخرط البعض طوعاً في القتال، خصوصاً المتحدرين من أسر موالية لجماعة الحوثيين".
ويورد تقرير نشرته لجنة الخبراء الدوليين المعنية باليمن نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، واطلعت عليه "العربي الجديد"، أن "جماعة الحوثيين تلجأ إلى حيل للإيقاع بالأطفال. والمخيمات الصيفية والدورات الثقافية المخصصة لليافعين تشكل جزءاً من استراتيجية الحوثيين لدعم عقائدهم، وتشجيع الناس على الانضمام للقتال وتحفيز القوات". وتابع: "ينضم بعض البالغين إلى هذه الدورات لأنهم يؤيدون العقيدة الحوثية، كما يشارك بعضهم كي لا يخسروا عملهم أو مساعدات إنسانية، أو خوفاً من التعرض لعمليات انتقام".
ورصد فريق الخبراء الدوليين، استناداً إلى تحقيقات أجراها في مخيمات ومساجد خلال عام كامل، وجود أطفال لا يتجاوزون 7 سنوات يتعلمون تنظيف أسلحة وأساليب تفادي الصواريخ. ووثق حالة ارتكاب عنف جنسي ضد طفل خضع لتدريب عسكري، وأشار إلى معلومات عن اقتياد 10 أطفال للقتال بحجة أنهم سيلتحقون بدورات ثقافية، وأخذ بعضهم من الدورات ذاتها إلى ساحات المعارك.
ورغم تحميل الحوثيين المسؤولية الكبرى عن عمليات تجنيد الأطفال داخل اليمن، يرى حقوقيون أن التحركات الدولية لم تستطع إيقاف هذه العمليات.
ويقول مسؤول الرصد في التحالف اليمني لحقوق الإنسان رياض الدبعي لـ"العربي الجديد": "ليس المجتمع الدولي، خصوصاً المنظمات التي تنفذ برامج لحماية الأطفال في اليمن، على قدر المسؤولية، فعمليات التجنيد تستمر بوتيرة عالية، وعلى مرأى ومسمع من وكالات الأمم المتحدة".
يضيف: "بيانات الإدانة والتنديد حول إشراك الأطفال في النزاع المسلح في اليمن لا توقف تجنيد الأطفال وحشدهم على الجبهات، لذا يجب أن ينتقل المجتمع الدولي إلى خطوات أكثر فعالية مثل فرض عقوبات على قيادات الصف الأول التي تورطت في عمليات تجنيد الأطفال، وتقديم دعم للمنظمات المحلية، وتكثيف التوعية بمخاطر التجنيد".