يشعر أهالي قرى بني تيدجيت في إقليم (محافظة) فكيك شرقي المغرب بقلق كبير إزاء مصير عشرات التلاميذ الذين اضطروا في الأشهر الماضية إلى ترك المقاعد الدراسية بسبب ظروفهم الاجتماعية والمعيشية. وعلى الرغم من الإصلاحات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين في المغرب في السنوات الأخيرة، والبرامج التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة لمكافحة التسرّب المدرسي، يُبدي مسؤولون ومهتمون بالشأن التعليمي في البلاد، حالياً، مخاوفهم من استمرار الهدر المدرسي وما ينتج عن ذلك النزيف من تحديات وتداعيات على المجتمع، خصوصاً في ما يتعلق بانتشار الجريمة في المجتمع وتزويج القاصرات.
يقول عبد المالك بوبكري، وهو من سكان منطقة بني تيدجيت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ضيق ذات اليد يجعل عدداً من التلاميذ من دون خيار آخر سوى الانقطاع عن المدرسة. ويأتي ذلك لتقليص نفقات البيت من جهة ومساعدة الأسرة في توفير تكاليف الحياة من جهة أخرى". ويلفت بوبكري إلى أنّ "ثمّة أسراً ترفض إرسال بناتها إلى المدرسة وتعمد إلى تزويجهنّ في سنّ مبكّرة".
ويُعَدّ الانقطاع عن التعليم في المغرب من أبرز أوجه الاختلال التي تعاني منها المنظومة التعليمية، بحسب ما تفيد تقارير رسمية، في حين ترتفع نسبة التسرّب المدرسي خصوصاً في الأرياف، نظراً إلى بُعد المدارس وارتفاع نسب الفقر.
وفي 12 إبريل/ نيسان الجاري، كشف وزير التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة شكيب بنموسى، في خلال عرض قدّمه أمام أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، أنّ نحو 331 ألف تلميذ وتلميذة غادروا صفوف الدراسة في خلال العام الدراسي الماضي (2020-2021)، بنسبة ارتفاع بلغت 0.3 في المائة مقارنة بالعام الدراسي الذي سبق (2019-2020)، موضحاً أنّ هذه المعطيات تؤثّر سلباً على مؤشّرات التنمية البشرية والتربية والاقتصاد بالبلاد، ولافتاً إلى أنّ انقطاع التلميذات عن الدراسة يشكّل أحد أسباب تزويج القاصرات.
ومنذ سنوات يطمح المغرب إلى وقف النزيف المدرسي عبر مجموعة من البرامج التي توفّر النقل المجاني والطعام والمبيت للتلاميذ الذين يقطنون بعيداً عن مقار تعليمهم، أو عبر تقديم الدعم المادي للأسر واستقبالها في سكن التلميذات والتلاميذ، مع مبادرة توزيع مليون حقيبة تحوي لوازم مدرسية، بالإضافة إلى إنشاء مدرسة الفرصة الثانية التي تقدّم دعماً مدرسياً وتكويناً (تدريباً) حرفياً للتلاميذ الذين تسرّبوا من التعليم.
لكنّ معطيات رسمية تضمّنها مشروع الموازنة الفرعية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة لعام 2022 تكشف أنّ الهدر المدرسي ما زال يشكّل تحدياً مقلقاً لقطاع التعليم في التعليم الثانوي الإعدادي، وما زالت مؤشّرات الانقطاع الدراسي من أقسام الابتدائي والإعدادي والثانوي مرتفعة.
وفي السياق ذاته، كشف تقرير للمجلس الأعلى للحسابات (أعلى هيئة رقابية في المغرب) عن عامَي 2019 و2020 استمرار ارتفاع معدّل ظاهرة الهدر المدرسي في المرحلة الإعدادية في الوسط القروي، إذ بلغت نسبة الانقطاع 12.2 في المائة في العام الدراسي 2019-2020، في مقابل 9.3 في المائة في الوسط الحضري.
في سياق متصل، يرى رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الهدر المدرسي عبد الصمد الزياني أنّ "ظاهرة التسرّب المدرسي تُعَدّ من أكبر التحديات التي تواجهها منظومة التعليم في المغرب"، مشيراً إلى أنّ "الهشاشة والعوز يُعدّان إلى جانب الطلاق وقساوة الظروف المناخية من أبرز العوامل المؤثّرة في تحديد مستقبل الأبناء ودفع مئات منهم إلى ترك المدرسة سنوياً". يضيف الزياني لـ"العربي الجديد" أنّ الأسر المعوزة "تنظر إلى التلميذ كعنصر فاعل وأساسي في تأمين القوت اليومي لها"، موضحاً من جهة أخرى أنّ "توفير المبيت والطعام للتلميذات البعيدات عن مقرّ مؤسساتهنّ التعليمية يساهم بشكل كبير في احتواء انعكاسات اقتصادية واجتماعية عديدة مرتبطة بانقطاع الفتيات عن الدراسة، من قبيل زواج القاصرات".
وبحسب دراسة ميدانية أعدّتها النيابة العامة في المغرب حول زواج القاصرات، كُشف عنها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإنّ "الهدر المدرسي هو الرافد الأساسي لزواج القاصرات، سواء تعلّق الأمر بعدم الالتحاق مطلقاً بمقاعد الدراسة أو التسرّب خارج المسار الدراسي بعد الولوج إلى المدرسة".
من جهته، يقول الخبير التربوي عبد الناصر الناجي لـ"العربي الجديد" إنّ "للهدر المدرسي تأثيراً (سلبياً) كبيراً في مستقبل وتنمية المغرب الطامح إلى تحقيق نموذج تنموي جديد، كما أنّه يشكّل خطراً قد يعيق تحقيق النهضة التربوية المنشودة". ويتحدّث الناجي عن مخاطر الهدر المدرسي، إذ "يتأثّر المنقطعون عن الدراسة بالظواهر المشينة في المجتمع ويتحوّلون إلى أطفال عدوانيين، وقد يساهمون في مظاهر الجريمة".