تشهد مناطق المعارضة في محافظة درعا، جنوبي سورية، عملية إفراغ ممنهجة للشباب، من جرّاء سياسة انتهجها النظام السوري والحلفاء الروس منذ نشر حواجزه بين بلداتها ومدنها في عام 2018، تحت غطاء ما سمّي بـ"اتفاق تسوية" تستّر به التضييق بمختلف أنواعه والترهيب والحصار، وحتى هتك أبسط روابط المواطن بالوطن. وقد دفع كلّ ذلك الشباب إلى الرحيل عن أرضهم.
"لم يعد هناك أمل في إحداث أيّ تغيير"، فكرة يتمسّك بها محمد الذي فضّل عدم الكشف عن هويته كاملة، علماً أنّه من سكان ريف درعا الشرقي. ويقول محمد لـ"العربي الجديد" إنّ "الهجرة إلى أيّ مكان خارج سورية هي فرصة للحياة من جديد بعيداً عن تهديدات الموت التي يختبرها السوريون بشكل يومي". ويلفت محمد إلى أنّه سوف يكون "الشخص الأخير الذي يغادر البلد، من بين 15 شاباً. نحن كنّا أصدقاء في البلدة نفسها، ومن بيننا اليوم من هم في لبنان أو تركيا، فيما العدد الأكبر توجّه إلى ليبيا". ويستعدّ محمد للسفر في خلال الأسبوع المقبل، مؤكداً أنّ "جميعناً نتمنّى الوصول إلى أوروبا في النهاية".
يضيف محمد أنّ "النظام يعمد إلى التخلّص من الشباب السوري، خصوصاً شباب درعا، عبر التضييق عليهم، أوّلاً من خلال فرض التجنيد الإلزامي في القوات النظامية. ويعني ذلك إجبارهم على قتل أشقائهم السوريين وحصارهم وتجويعهم، في ظل ظروف خدمة صعبة جداً على مستوى الطعام واللباس وحتى الرواتب التي لا تكفي لتأمين أبسط الاحتياجات اليومية. كذلك يضيّق عليهم لجهة أنّهم يجدون أنفسهم مهدّدين بالاعتقال لأسباب عدّة، قد تكون كتابة رأي عبر وسيلة تواصل اجتماعي أو مشاركة في تظاهرة مطالبة بالحرية والكرامة. وقد يكون السبب قريباً معارضاً أو تصنيف المنطقة التي ينتمي إليها بأنّها مناهضة للنظام".
ويتابع محمد أنّه "إلى جانب ذلك، لا تتوفّر فرص عمل ولا رواتب تسمح للشباب بإنشاء عائلة أو امتلاك منزل أو حتى تأمين الاحتياجات الشخصية، لذلك لم يعد من شيء يربط الشباب بالبلد".
من جهته، يقول أبو محمد الحوراني من ريف درعا الغربي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخيارات اليوم أحلاها مرّ في ظل وضع أمني واقتصادي سيّئ، ووسط حالة من عدم الاستقرار تعصف بالمجتمع والشباب خصوصاً، الأمر الذي يجعلهم أمام خيارَين، إمّا الاستسلام لمطالب النظام وإمّا الهجرة". ويلفت إلى أنّ "المجتمع يعاني من قلة الخدمات على بساطتها، من قبيل إصلاح الطرقات وإنارة الشوارع وصيانة شبكات المياه وغيرها، بالتزامن مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية والأدوية وتدنّي الدخل. وهو ما يجعل الناس يعيشون تحت ضغوط نفسية كبيرة، من جرّاء الخراب والتهديدات الدائمة باقتحام البلدات والمدن".
في سياق متّصل، يقول أبو محمود الحوراني، المتحدّث باسم "تجمّع أحرار حوران"، موقع إعلامي محلي مختصّ بأخبار درعا، إنّ "ثمّة تزايداً ملحوظاً في سفر الشباب، خصوصاً مع إصدار النظام، بداية الشهر الماضي، قراراً يسمح بإعطائهم إذن سفر بعد أن كان قد عمد إلى منح جميع الشباب المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية إذناً بتأجيل تلك الخدمة لمدّة عام كامل". ويشير الحوراني لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الأهالي اليوم مجبرون على قبول سفر أبنائهم وكذلك خسارتهم في الغالب، إذ إنّهم لن يعودوا طالما الأوضاع باقية على حالها".
يضيف الحوراني أنّ "الأسباب الرئيسية لهجرة الشباب تتمحور حول الخدمة الإلزامية في القوات النظامية، وقناعة المجتمع بأنّ الشباب يُرمون على الجبهات المشتعلة للتخلّص منهم. يُضاف إلى ذلك تدهور الوضع الاقتصادي، فالشباب بمعظمهم اليوم يعيشون على ما يصل إليهم من مساعدات من ذويهم. وتأتي كذلك الضغوط الأمنية من اعتقال واغتيال".
ويتابع الحوراني أنّه "على الرغم من عدم توفّر إحصاءات لعدد المهاجرين، يمكن القول، من خلال ملاحظاتنا في مختلف المناطق، إنّ عشرات الشباب يغادرون درعا بشكل شبه يومي، ووجهة سفرهم الرئيسية اليوم هي ليبيا والعراق عبر مطار دمشق. أمّا السفر عبر الطرق غير الشرعية، فيكون غالباً في اتّجاه لبنان وتركيا، وكلّ ذلك بتسهيلات تقدّمها القوات النظامية عبر شبكات الفساد والتهريب".
في الإطار نفسه، يرى مصدر معارض من دمشق أنّ "تهجير الشباب سياسة النظام منذ استلامه السلطة في سبعينيات القرن الماضي. وأظنّ أنّ الهدف الاستراتيجي من ذلك هو التخلص من قوّة التغيير الحقيقية، خصوصاً الشباب أصحاب الكفاءات. كذلك هو يُعدّهم استثماراً، لا سيّما أنّ تحويلات المغتربين هي مدخل مهمّ للعملة الأجنبية ودخل رئيسي لعدد كبير من العائلات".
يضيف المصدر لـ"العربي الجديد" أنّ "الأمر تضاعف بشكل كبير في خلال السنوات الأخيرة، فحاول النظام أسر أكبر عدد من الشباب في القوات النظامية وتحييدهم عن حركة التغيير، أمّا البقية فكان يدفع بهم إلى مغادرة البلد، ووصل ذلك إلى حدّ طلب الأجهزة الأمنية من الناشطين الخروج من البلد بشكل مباشر".
ويتابع المصدر ذاته أنّ "النظام يحاول التخلّص من أكبر عدد ممكن من السوريين، ليتخلّص من واجبات الدولة الخاصة بتأمين الخدمات وفرص العمل والمواد الغذائية والوقود وغيرها من الاحتياجات. والأهم من ذلك هو تسهيل إعادة سطوته الأمنية على المناطق التي ما زالت خارج سيطرته بشكل تام، إذ لن يبقى فيها، إذا استمرّ الوضع على حاله، سوى كبار السنّ والنساء والأطفال".
تجدر الإشارة إلى أنّ النظام عمّم، في 17 يونيو/ حزيران الماضي، على شُعَب التجنيد في محافظتَي درعا والقنيطرة، منح إذن سفر لمؤجّلي الخدمة العسكرية عاماً كاملاً، بعدما كان قد أصدر في الرابع من إبريل/ نيسان الماضي قراراً خاصاً بالمحافظتَين، يمنح من خلاله المكلّف المتخلّف عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية تأجيلاً لمدّة عام كامل، بعد إجراء تسوية مع لجنة أمنية بحضور قاضي الفرد العسكري.