على الرغم من الإعلانات المتكررة من قبل مسؤولي النظام السوري ووسائل إعلامه التي تدعو اللاجئين السوريين إلى العودة إلى بلادهم، خصوصاً في دول الجوار، فإنّ ثمّة معلومات تفيد بتعرّض عائدين للاعتقال والابتزاز ومختلف أنواع الانتهاكات، بما في ذلك القتل.
وذكر مصدر مطّلع لـ"العربي الجديد" أنّ شابَين من بلدة مضايا في ريف دمشق حاولا قبل أيام العودة إلى سورية عبر معبر كسب الحدودي مع تركيا بعد التنسيق مع لجان المصالحة التابعة للنظام، لكنّهما اعتقلا من قبل أجهزة النظام الأمنية.
وأوضح المصدر أنّ الشابَين يُدعيان أدهم سيف الدين وأدهم حسين جديد كانا يقيمان في ريف حلب الخاضع لسيطرة المعارضة، مضيفاً أنّ شخصاً ثالثاً يُدعى حسن عكاشة دخل من تركيا عبر معبر جرابلس وانتقل إلى إدلب، ليُعتقل في مدينة حلب على الرغم من أنّه هو الآخر نسّق عودته مع لجان المصالحة التابعة للنظام.
وفي هذا الإطار، أوضح الناشط أبو عبد الرحمن المتحدر من بلدة مضايا، لـ"العربي الجديد"، أنّ "اعتقال الشابَين سيف الدين وحسين تمّ قبل أربعة أيام"، مشيراً إلى أنّهما "مدنيان ولم ينتميا سابقاً لأيّ فصيل عسكري، وكانا قد خرجا من بلدتهما حين تعرّضت للحصار في عام 2015". وحول أسباب الاعتقال والتهم الموجّهة إليهما، قال أبو عبد الرحمن إنّه لا يعلم تحديداً ما هي تهمتهما، "لكنّ ثمّة تهماً جاهزة ومعلبة لدى النظام توجّه إلى كلّ من يدخل مناطق سيطرته من تركيا أو مناطق سيطرة المعارضة، ومعظم تلك التهم يتعلق بالخدمة العسكرية. وثمّة تهم ملفّقة أخرى، فقد أوقف شخص في وقت سابق على أساس أنّه مطلوب لفرع المخدرات، علماً أنّه حين خرج من سورية كان يبلغ من العمر 16 عاماً فقط".
وأضاف أبو عبد الرحمن أنّه "في حال نجح العائد بالوصول إلى منطقته، يُبلّغ بوجوب إتمام إجراءات المصالحة، لكنّ دورية تقصده في منزله وتعتقله بعد يوم أو يومَين. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين يدخلون إلى مناطق سيطرة النظام من دون تنسيق وطلب مصالحة، فإنّهم يتحوّلون إلى أشخاص مطلوبين للنظام، ولا يستطيعون دخول منازلهم أو عناوينهم المعروفة، إذ يُصار إلى مداهمة تلك الأماكن حالما يعلم النظام بوصول أحد العائدين". ولفت إلى أنّ عدد العائلات المهجّرة من بلدة مضايا بريف دمشق يبلغ نحو 500 عائلة، لا يجرؤ أبناؤها الشباب على العودة إلى منطقتهم.
الاعتقالات مستمرة
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثّقت في تقرير لها نشرته في شهر يوليو/ تموز الماضي اعتقال عشرات العائدين إلى مناطق سيطرته لقضاء عيد الأضحى في سورية. كذلك اعتقلت أجهزة النظام الأمنية في يونيو/ حزيران الماضي 11 لاجئاً سورياً عادوا من لبنان بطريقة غير نظامية، عقب مرسوم العفو الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد في نهاية إبريل/ نيسان الماضي، وقد زُعم حينها أنّه في استطاعة كلّ اللاجئين العودة الى بلادهم، بمن فيهم المطلوبون من قبل الأجهزة الأمنية، ما لم يكونوا متورّطين بعمليات قتل، وهم غير ملزمين بمراجعة أيّ جهة.
من جهتها، ذكرت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية"، في يونيو 2021، أنّ أكثر من 15 لاجئاً فلسطينياً اعتقلوا بعد عودتهم من أوروبا أو دول الجوار إلى سورية، من بينهم 13 شخصاً بعد عودتهم من لبنان، ولاجئ واحد بعد عودته من السويد وآخر من هولندا.
أمّا منظمة "هيومن رايتس ووتش" فأفادت في تقرير أصدرته في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بأنّ اللاجئين السوريين العائدين إلى سورية من لبنان والأردن بين عامَي 2017 و2021 واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهاداً على يد النظام السوري والمليشيات التابعة له. وشدّدت المنظمة على أنّ سورية غير آمنة للعودة، إذ أشارت إلى أنّه من بين 65 من العائدين أو أفراد عائلاتهم الذين قابلهم ناشطون في المنظمة، وُثّقت 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي، و13 حالة تعذيب، وثلاث حالات اختطاف، وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة إخفاء قسري، وحالة عنف جنسي واحدة.
كذلك أصدرت دائرة الهجرة الدنماركية في يونيو الماضي تقريراً ذكرت فيه أنّه في خلال السنوات الخمس الماضية تعرّض اللاجئون السوريون العائدون لانتهاكات جسيمة من قبل أجهزة النظام السوري، بمن في ذلك الذين قاموا بتسوية أوضاعهم قبل عودتهم، وذلك في ظلّ عدم وجود منظمات دولية لمراقبة العودة.
جهود وخطط لإعادة اللاجئين
ويتزامن ذلك مع جهود من قبل دول، خصوصاً في الجوار السوري، لإعادة اللاجئين الموجودين على أراضيها إلى سورية. وقد حمل وزير المهجرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين إلى دمشق قبل أيام قليلة خطة لإعادة اللاجئين السوريين، بحثها مع وزيرَي الداخلية لدى النظام السوري محمد خالد الرحمون والإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف.
وقد صرّح مخلوف بعد الاجتماع مع الوفد اللبناني بأنّ "الأبواب مفتوحة لعودة السوريين والدولة جاهزة لتقديم كلّ ما يحتاجون إليه، بدءاً من النقل والطبابة والتعليم، ومستعدة لتقديم مراكز إيواء لمن لم يتمّ إعمار بيوتهم".
ونقل "تلفزيون سورية" أنّ شرف الدين قدّم خارطة طريق للعودة "الكريمة الآمنة" للاجئين في لبنان، وبحث إمكانية تشكيل لجان مشتركة لتنسيق ومتابعة العودة تدريجياً، بمعدّل 15 ألف لاجئ شهرياً، يُنقلون إلى مراكز إيواء تحوي بنى تحتية ومدارس ومستشفيات في أقرب مكان، مع تأمين وسائل نقل عام، على أن تُقدَّم مساعدة إلى المزارعين للعودة إلى أراضيهم في القرى التي هُجّروا منها، من دون توضيح هوية الجهة التي سوف تموّل هذه الخطط.
في سياق متصل، تروّج تركيا لخطة تقضي بإعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري، وسط تسريبات تفيد بأنّها تجري اتصالات كذلك مع النظام السوري ليعود مئات آلاف آخرين إلى مناطق سيطرة النظام السوري، خصوصاً مدن حلب ودمشق وحمص.