أغلقت حصيلة النزاعات العشائرية المتكررة في العراق، خلال الأسبوع المنصرم، على 9 ضحايا وعدد من الجرحى، وفقاً لأرقام قدمتها أجهزة الشرطة المحلية في عدد من مدن ومحافظات جنوب البلاد ووسطها، في وقت امتدت تلك النزاعات إلى مناطق شرقيّ العاصمة التي تحول أحد أحيائها السكنية قبل أيام إلى ساحة مواجهات مسلحة استمرت لنحو ساعة كاملة بين عشيرتين، قبل تدخل وحدات من الجيش العراقي.
وعادة ما تكون هذه النزاعات بسبب خلافات اجتماعية واقتصادية أو جرائم جنائية وحوادث عرضية، سرعان ما تتحول إلى مواجهات بين عشيرتي الطرفين، ويفاقم ذلك انتشار السلاح، وعدم قبول أحد الطرفين بالاحتكام للقانون.
والأسبوع المنصرم لقي 9 أشخاص مصرعهم، وأصيب آخرون، نتيجة نزاعين بين عشيرتين في محافظتي ميسان وذي قار جنوبيّ العراق، الأول بسب نزاع على ملكية أرض زراعية، والثاني في قضية زواج وطلاق.
النزاعات العشائرية التي تشهدها المحافظات الجنوبية من العراق تحولت إلى حروب دموية تستمر لعدة أيام
وتتصدر محافظة ذي قار والبصرة وميسان وواسط ثم بغداد، المحافظات الأكثر تسجيلاً للنزاعات العشائرية التي يذهب ضحيتها مواطنون، وتسبب في كثير من الأحيان فرض حظر تجول وإغلاق للطرق والمناطق من قبل قوات الأمن، فضلاً عن خسائر مادية بالممتلكات العامة والخاصة، إثر الاشتباكات التي تستخدم فيها أسلحة متوسطة وخفيفة وقنابل، وصولاً إلى عبوات ناسفة محلية الصنع، كما حصل في محافظة ذي قار قبل أيام.
ويعزو مسؤول أمني عراقي بوزارة الداخلية ببغداد، استمرار المواجهات العشائرية إلى تفشي السلاح، مبيناً أن بعض العشائر تمتلك أسلحة أكثر مما تملكه الشرطة في بعض مدن الجنوب.
ويضيف لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أن بعض الاشتباكات يتورط بها أفراد في الجيش والشرطة والحشد الشعبي ويستخدمون أسلحة الدولة في الاشتباكات من زاوية نصرة عشائرهم ومساندتها، وهو ما يحتّم على الدولة الحزم في قوانين مواجهة الظاهرة، بطرد أي منتسب أمني أو شخص يحمل صفة موظف حكومي حال ثبوت تورطه بتلك الاشتباكات، والسجن إذا استخدم سلاح الدولة"، معتبراً أن حل الأزمة يبدأ بنزع السلاح، سواء بتسويات مع العشائر عبر الترضية أو بشرائه منهم أو بالقوة.
فارس المحمداوي، وهو زعيم قبلي في محافظة ميسان جنوبيّ العراق، يقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النزاعات العشائرية، وخصوصاً في محافظات الوسط والجنوب، أصبحت تشكل خطراً على حياة المواطنين الأبرياء وترهق الأمن بالعموم"، مبيناً أن "أغلب النزاعات العشائرية تعود لأسباب لا تستوجب الاشتباكات بالسلاح، كالزواج وبيع السيارات والمواشي وملكية الأرض وحوادث الدهس وغيرها".
وأوضح أن "القوات الأمنية تقف عاجزة أمام منع حدوث النزاعات العشائرية، ووصل الحال في بعض العشائر أنها تدرب أبناءها على كيفية استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة"، مشيراً إلى أن "فوضى السلاح المنفلت وكثرة النزاعات العشائرية وغياب سلطة الدولة في تلك المناطق دفعت العشائر إلى تسليح أبنائها، حتى أصبح كل فرد من أفراد العشيرة يمتلك سلاحاً شخصياً بحجة الدفاع عن النفس والعشيرة، مشدداً على ضرورة حصر السلاح المنفلت بيد العشائر وفرض هيبة الدولة لأنه يهدد السلمي المجتمعي".
وفي وقت سابق، قال رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، إن "الأعراف العشائرية في العراق تحولت من الجانب الإيجابي إلى الجانب السلبي، إذ كانت سابقاً أحد أساليب فضّ النزاعات والخلافات قبل عرضها على المحاكم أو أحياناً في أثناء نظر الدعاوى يحصل صلح عشائري يؤدي إلى انتهاء الدعوى بالتنازل عنها، مؤكداً أنه لا يوجد مصطلح (قانون عشائري) بل (أعراف عشائرية)".
وأضاف: "بعض الممارسات العشائرية تحولت إلى ظاهرة سلبية تسبب إرباكاً في الوضع الأمني وخللاً في التماسك الاجتماعي بين أبناء العشيرة الواحدة، خصوصاً بعد أن امتهن البعض فكرة المشيخة وكأنها منصب مكتسب يستغل لأغراض الارتزاق، في حين أن أبناء العشائر الأصلاء وشيوخ العشائر المعروفين لدى الجميع يرفضون هذه الممارسات التي أصبحت عبئاً عليهم أيضاً".
من جهته قال عضو مجلس شيوخ عشائر الفرات الأوسط، علي الجابري، لـ"العربي الجديد" إن "النزاعات العشائرية التي تشهدها المحافظات الجنوبية من العراق لم تعد عادية يمكن تجاوزها، بل تحولت إلى حروب دموية تستمر لعدة أيام".
وأشار الجابري إلى أن "جميع محاولات الحكومة فشلت في إنهاء النزاعات العشائرية أو الحد منها، ما جعلها تهدد السلم المجتمعي والنسيج الاجتماعي وتفكيك الأواصر المجتمعية، نتيجة التخندق العشائري والتقاليد العشائرية البالية".
وكان رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قد أصدر أوامر عسكرية بمصادرة الأسلحة في مناطق النزاعات العشائرية، ومن القرارات التي اتخذت، إجراء تفتيش واسع في كل المناطق التي تحصل فيها نزاعات عشائرية، وضبط الأسلحة ومصادرتها، سواء كانت خفيفة أو متوسطة.
بدوره قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق، حامد المطلك، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النزاعات العشائرية أصبحت تشكل خطراً على حياة المدنيين وتربك الوضع الأمني داخل البلد الذي يعاني من أزمات مركبة، لذا يجب على الحكومة العراقية الوقوف بقوة ضد هذه الممارسات التي لا تقل خطورة عن إرهاب تنظيم داعش والمليشيات وعصابات القتل والخطف".
وأضاف: "للأسف الشديد، إن القوات الأمنية ليست لها الجدية في بسط وفرض القانون في المناطق التي تشهد نزاعات عشائرية مسلحة، بسبب طبيعة الانتماء العشائري والفكري لأبناء تلك المناطق".
ويستبعد المطلك أن "تحقق الحكومة بخططها الأمنية الاستقرار في العراق، وخصوصاً في المناطق الجنوبية، وذلك لأنها غير قادرة على نزع السلاح من العشائر في تلك المناطق".