الموت يغيّب الناشطة الحقوقية الأردنية والوزيرة السابقة أسمى خضر

21 ديسمبر 2021
كانت أسمى خضر من أبرز المدافعات عن حقوق المرأة في الأردن (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

غيّب الموت الوزيرة الأردنية السابقة والمحامية، أسمى خضر، مساء أمس الاثنين، بعد صراع  طويل مع المرض، لتكتسي صفحات التواصل الاجتماعي في الأردن بالأسود حزناً عليها.

وكانت خضر امرأة عصامية وأماً لولد وثلاث بنات، صنعت نفسها بنفسها، وتحمل طاقة هائلة لمواجهة الظلم والتسلّط الواقع على حياة العديد من أفراد المجتمع. وهي ناشطة سياسية وقانونية واجتماعية، لها حضورها أينما وجدت، مدافعة عن حقوق النساء والأطفال والطبقات المهمّشة، لم تخلع روب المحاماة الأسود طوال حياتها في جوهر تصرفاتها وأفعالها، حتى وإن تغيّرت مواقع عملها ومناصبها.  

أسمى حنا خضر من مواليد 25 يناير/كانون الثاني 1952، تقلّدت العديد من المناصب الرفيعة في الأردن. هي التي درست القانون في جامعة دمشق، وعملت في العديد من القطاعات التعليمية والقانونية والصحافية، وتنقّلت بين عدّة مناصب وزارية، منها الناطق باسم الحكومة عام 2004، ووزيرة للثقافة في العام نفسه، وأصبحت عضواً في مجلس الأعيان الأردني السادس والعشرين. 

في بلدة الزبابدة القريبة من جنين، وُلدت خضر عام 1952، تميّزت كبرى فتيات العائلة بقوة شخصيتها وجرأتها على الحياة. وبسبب مرض إحدى أخواتها واضطرار الأم إلى السفر إلى القدس لعلاجها، أُدخلت أسمى مدرسة راهبات مار يوسف الداخلية في نابلس، حيث أتيح لها أن تعتمد أكثر فأكثر على نفسها لتتنقل في دراستها بين مدارس جنين ونابلس وعمّان، وتنهي الثانوية العامة عام 1970. وعندما كانت على مقاعد الدراسة الثانوية، انتُخِبَت نهاية الستينيات عضواً في اللجنة التنفيذية لاتحاد طلبة الضفتين، في وقت كانت فيه ناشطة في ميدان العمل العام. 

أصاب المرض والدها وأقعده عن العمل مطلع السبعينيات، ورغم حصولها على التوجيهي "الثانوية العامة"، إلّا أنها لم تستطع أن تتابع دراستها بسبب ضيق ذات اليد. عملت في العديد من الأعمال بهدف المساهمة في إعالة أسرتها، تارة في شركة الدخان برأس العين، برفقة زميلات لها، وتارة معلمة في روضة، لكنّ تبرّع عم وخال لها بتدريسها، وضعها على الدرب لتحقيق حلمها بدراسة الحقوق في جامعة دمشق عام 1972. 

وبسبب آرائها، تركت خضر العمل في مدرسة راهبات الوردية والتحقت بصحيفة "الأخبار" التي أسّسها فؤاد النمري، موظفة علاقات عامة وكاتبة مقالة، إلى أن مكّنها حصول زوجها على فرصة عمل في السعودية من التفرّغ للتدرب في مكتب محاماة. عملت لاحقاً في المكتب، قبل أن تستقلّ بمكتب افتتحته في جبل الحسين في عمّان عام 1984، بعد أن "لاحظت أنّ التمييز يلاحقها بسبب نسبة القضاة وزملائها، واستبعادهم أن تكون محامية - امرأة وراء النجاحات التي حققتها في القضايا التي ترافعت بها". 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

مع عودة الديمقراطية عام 1989، آزرت خضر المرشّحة للانتخابات توجان فيصل، في القضايا التي رفعت ضدّها بتهمة الردّة، على خلفية آراء لها، وعبّرت عن موقفها من قضية توجان في لقاء مع الملك الراحل الحسين، فضلاً عن آراء أخرى ذات صلة بالمناخ الديمقراطي. 

شاركت مطلع التسعينيات في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، التي قالت عنها خضر: "أعتقد أنها كانت بداية العلاقة بيني كمواطنة وناشطة في الحياة العامة والدولة". 

انتُخبت في عام 1993 رئيسة لاتحاد المرأة الأردنية لغاية عام 1997، وأسّست في عام 1998 مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان "ميزان". 

وبسبب نشاطها السياسي والقانوني، كان البعض يصنّف خضر في صفوف المعارضة، لكن اتصالاً هاتفياً من الرئيس المكلّف فيصل الفايز، في خريف عام 2003، فتح الباب أمامها كوزيرة دولة، وناطقة رسمية باسم الحكومة، ثم وزيرة للثقافة مكلّفة شؤون الإعلام في تعديل لاحق على الحكومة. وقالت حينها: "قبلتُ المشاركة لأنني اطلعت على كتاب التكليف الذي كان صادراً حينها، وتضمّن العديد من القضايا التي أهتمّ بها، كالمرأة وحقوق الإنسان، والتنمية الاجتماعية، والسياسية".

مركب وظيفتها الرسمية سار بهدوء في عهد حكومة الرئيس فيصل الفايز، بينما واجهته أمواج عاتية في عهد حكومة عدنان بدران، الذي اختارها في إبريل/نيسان 2005 للمنصب ذاته الذي شغلته في حكومة سلفه. لكن "غضب" البرلمان على الحكومة والتهديد بحجب الثقة عنها، دفعا بدران إلى إجراء تعديل عليها قبل أن تتقدم للثقة، فغادرت بموجبه أسمى خضر منصبها.  

اختيرَت المحامية أسمى خضر عضواً في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، وهي اللجنة التي ترأسها أحمد عبيدات، مطلع التسعينيات، في وقت ذهبت فيه زميلاتها في عام 1993 لاختيارها رئيسة لاتحاد المرأة الأردنية، وهو المنصب الذي شغلته حتى عام 1997، لتصبح بعد ذلك المنسّق العام للمعهد الدولي لتضامن النساء، والأمين العام للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة. وبين كل هذا وذاك لم تغلق المحامية أسمى خضر أبواب مكتبها، ولم تخلع "روبها" كمحامية، إلّا عند مشاركتها في الفريق الحكومي. 

غادرت أسمى خضر الحياة، وهي تدافع عن حقوق المرأة، وهي الرئيسة التنفيذية لجمعية معهد "تضامن النساء" الأردني، ومستشارة ومؤسسة "تضامن"، لتترك أثرها في حياة العديد من الأردنيين والأردنيات المدافعين عن حقوق الإنسان.

المساهمون