استمع إلى الملخص
- دراسة محمد نجيب بوطالب تبرز زيادة تدفق المهاجرين في 2023، مع تقديرات تشير إلى عبور 40 إلى 150 مهاجر يوميًا من ليبيا والجزائر إلى تونس، التي تعد الممر الرئيسي لهذه الهجرة.
- الباحث يقترح تحسينات لوضع المهاجرين في تونس، مثل تسجيلهم في مراكز صحية ويشيد بالجهود الإنسانية التونسية لحماية المهاجرين، مؤكدًا على أهمية تونس كنقطة عبور آمنة.
يدفع المهاجرون الأفارقة في تونس مبالغ تتراوح ما بين ألفين وخمسة آلاف دولار إلى شبكات تهريب البشر في رحلة محفوفة بالمخاطر، وفق نتائج دراسة بحثية حديثة أصدرها الباحث في علم الاجتماع، محمد نجيب بوطالب، تحت عنوان "الهجرة إلى أوروبا من دول أفريقيا جنوب الصحراء: تحقيقات حول العبور من تونس".
وكشف الباحث في علم الاجتماع، محمد نجيب بوطالب، في مؤلفه الصادر عن مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بتونس، أن عام 2023 كان مفصلياً في زيادة تدفقات المهاجرين من دول جنوب الصحراء، وأن المناطق الحدودية جنوب البلاد هي الممر الرئيسي لهم، حيث تصل تكلفة رحلتهم قادمين إلى تونس نحو 5 آلاف دولار يدفعونها لمهربي البشر. وأبرز أن "ما بين 40 و100 مهاجر يعبرون يوميا الحدود البرية بين تونس وليبيا، بينما يجتاز ما بين 50 و150 المسالك الحدودية الرابطة بين تونس والجزائر جنوب غرب البلاد".
ووفق الدراسة التي خصّ نجيب بوطالب "العربي الجديد" بنتائجها، فإن "وتيرة تدفق المهاجرين غير منتظمة، إذ ترتفع وتنخفض في فترات السنة"، وأكد أنه "اعتمد على منهجية المقابلات السريعة مع المهاجرين في المناطق الحدودية الجنوبية التي بيّنت أن رحلة الوصول إلى تونس قد تستغرق شهرين".
المهاجرون الأفارقة في تونس: رحلة العبور
وأفاد بوطالب بأن "المقابلات التي وثّقها مع المهاجرين أكدت أن شبكات تهريب البشر الناشطة في دول أفريقيا جنوب الصحراء تعمل بشكل مترابط، حيث يتم التنسيق بينها لاستلام المهاجرين على مراحل ومساعدتهم للعبور إلى تونس باستعمال مركبات رباعية الدفع".
وأضاف: "غالبا ما يتكتّم المهاجرون الأفارقة في تونس عن معطيات بشأن المبالغ التي يدفعونها للمهربين، والتي تتفاوت بحسب فترات الهجرة وبلد الانطلاق وظروف التنقل ومدّته". وأشار الباحث في علم الاجتماع إلى أن "المقابلات التي أجراها مع مهاجرين قادمين من وجهات مختلفة، من بينها السودان ومالي وسيراليون ومدغشقر وساحل العاج، بيّنت أن تونس ليست إلا محطة في مسيرة هجرتهم نحو شمال المتوسط، وأن أغلبهم سيواصلون الطريق عبر البحر للالتحاق بأفراد من عائلاتهم نجحوا في الوصول إلى أوروبا، لكنهم يجمعون على أنهم يفضلون العبور إلى دول شمال المتوسط انطلاقا من سواحل تونس باعتباره بلدا آمنا".
المهاجرون الأفارقة في تونس: بلد آمن
وقال بوطالب: "يتلقى بعض المهاجرين الأفارقة في تونس تحويلات مالية تصل إليهم عبر شبكة البريد من أفراد عائلاتهم في أوروبا بغاية تمويل رحلتهم البحرية بشكل غير نظامي انطلاقا من سواحل صفاقس". وتحدث عن شهادات وصفها بـ"الإيجابية" من المهاجرين حول إقامتهم في تونس، مؤكدا أنهم "يعتبرون تونس بلدا آمنا رغم صد الأمن الحدودي للمهاجرين الذين يحاولون العبور قادمين من الجزائر وليبيا في فترات متواترة".
كذلك، تبيّن الشهادات الموثقة أن "مهاجرين من جنسيات مختلفة يقدمون أنفسهم على أنهم من السودان بغاية الحصول على صفة طالب لجوء التي تمنحها القوانين الدولية للقادمين من بؤر التوتر".
ويقدّر الباحث في علم الاجتماع محمد نجيب بوطالب عدد المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى تونس بناء على المعاينات الميدانية بنحو 50 ألفا، بمن في ذلك من غادروا تونس منذ سنة. غير أن وزير الداخلية كمال الفقي أعلن خلال الجلسة التي جمعته بأعضاء البرلمان الاثنين الماضي، أن نحو 23 ألف مهاجر من 27 جنسية يقيمون في تونس بشكل غير نظامي، بينما يقيم 9 آلاف بطريقة قانونية، في حين جرى صدّ 130 ألف مهاجر العام الماضي، و53 ألف محاولة دخول منذ بداية العام الجاري.
ويرى مؤلف الدراسة أن "السلطات التونسية تقوم بجهد إنساني كبير لحماية المهاجرين، ولا سيما الفئات الهشة منهم، إذ تتم دوريا مساعدة النساء على الولادة في مراكز صحية"، لافتا إلى أن "مهاجرات حوامل يفضلن الوصول إلى تونس، وهن على وشك الوضع للحصول على الرعاية اللازمة خلال الأسابيع التي تلي الولادة".
وتضمنت توصيات الدراسة "ضرورة تسجيل المهاجرين في مراكز صحية من أجل مراقبة وضعهم، وتجنّب انتشار الأوبئة والأمراض التي يمكن أن ينقلوها في رحلتهم من أفريقيا جنوب الصحراء نحو شمال المتوسط مرورا بتونس".
يُذكر أن الباحث سبق أن أصدر كتاباً موسوماً بـ "الهروب من الكامور إلى أوروبا عبر البلقان"، رصد خلاله ظاهرة الهجرة غير النظامية من الجنوب الشرقي لتونس، وخصوصاً من ولاية تطاوين، وما تشهده من زيادة غير مسبوقة في أوساط الشباب الذين يريدون التوجّه إلى أوروبا، وفرنسا على وجه الخصوص، عبر تركيا وصربيا والمجر والنمسا؛ وهي مسالك جديدة مثّلت بديلاً أكثر أماناً من ركوب القوارب عبر المتوسّط.