تنفّذ وزارة الداخلية العراقية حملات أمنية لملاحقة واعتقال المتسوّلين المنتشرين في الشوارع وعند تقاطعات العاصمة بغداد والمدن الأخرى، فالأمر آخذ في الاتساع في عموم البلاد. لكنّ خبراء في الشأن الاجتماعي يرون أنّ حملات الاعتقال ليست حلاً ناجعاً، فالأمر يتطلّب تدخلاً حكومياً حاسماً ومعالجات حقيقية.
وقد تسبّبت الظروف التي يواجهها العراق في العقدين الماضيين، بعد الغزو الأميركي للبلاد، في تزايد الفقر والبطالة، الأمر الذي أدّى إلى تضاعف عدد المنخرطين في التسوّل من الشباب والأطفال من كلا الجنسَين. ويُستغَلّ هؤلاء أحياناً من قبل شبكات مختصّة بالتسوّل، لا سيّما في بغداد.
ولا تتوفّر إحصاءات رسمية عن عدد المتسوّلين الذين اعتقلتهم الشرطة العراقية، إلا أنّ ضابطاً في شرطة بغداد أوضح، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ "الحملات التي نُفّذت في الأسبوعَين الماضيين طاولت عشرات المتسوّلين في مناطق العاصمة، علماً أنّ كثيرين منهم يأتون من المحافظات الأخرى إلى بغداد للتسوّل". ويكشف الضابط الذي تحفّظ عن ذكر هويته، أنّه "أُطلق سراح جزء منهم، في حين ثبت عمل آخرين من ضمن شبكات تسوّل منظّمة يديرها أشخاص قيد الملاحقة في الوقت الحالي".
وأقرّ الضابط نفسه بأنّ "ثمّة حاجةً إلى قانون يعالج هذه الظاهرة تحديداً، إذ إنّ إبقاءهم في السجون من دون اتهام أو محاكمة أمر غير ممكن، كذلك فإنّ السجون غير مهيّأة لاستيعاب عدد كبير منهم"، وأشار إلى أنّ "حملات الاحتجاز هي من ضمن الحلول والمحاولات التي تنفّذ من أجل تحجيم هذه الظاهرة المتفشية في المجتمع".
من جهته، كان المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء خالد المحنا، قد أفاد في تصريح سابق، بأنّ "الوزارة مستمرّة في حملاتها الأمنية للقضاء على ظاهرة التسوّل، لا سيّما أنّ بعض المتسوّلين يلجأون لوسائل غير مشروعة تصل إلى حدّ ابتزاز المواطنين"، مؤكداً أنّ "مفارز الشرطة مستمرّة في حملاتها لمكافحة الظاهرة".
أضاف المحنا أنّ "لموضوع التسوّل عناصر كثيرة، إذ إنّ بعض المتسوّلين يعيشون تحت خط الفقر، فيضطرون للخروج إلى الشارع للتسوّل من أجل سدّ حاجاتهم الضرورية. لهذا يجب على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية شمول أكبر عدد من الفئات الفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر، لكي يتسنّى لوزارة الداخلية والأجهزة التنفيذية القيام بواجباتها تجاه ضبط المتسوّلين والمشرّدين"، مشدداً على "أهمية توفير البنى التحتية الخاصة لإيواء الأطفال المشرّدين وغيرهم".
تقرير | ارتفاع أعداد المتسولين في #بغداد بشكل غير مسبوق مع انعدام فرص العمل
— قناة الرافدين (@alrafidain_tv) January 1, 2022
ــــــــــــــــــ#العراق | #قناة_الرافدين
الموقع الإلكتروني | https://t.co/qjKXou4Djx pic.twitter.com/IyQ6WLiNKo
أمّا عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية صلاح مهدي فقال، في تصريح صحافي سابق، إنّ "ثمّة مناطق شهدت حملات اعتقال واحتجاز عشرات المتسوّلين، من بينهم نساء وأطفال وكبار في السنّ، وقد جُمعوا من الطرقات والتقاطعات لاحتجازهم"، مضيفاً أنّ "الاعتقال ليس حلاً لظاهرة التسوّل التي تفاقمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة".
ودعا مهدي إلى "ضرورة إيجاد حلول ذات بعد إنساني، تعتمد برنامجاً وطنياً لمواجهة الظاهرة المتفاقمة بشكل غير مسبوق في معظم المحافظات"، مبيّناً أنّ "المتسوّلين نوعان؛ الأوّل هم الفقراء الباحثون عن لقمة العيش، والنوع الآخر هم الذين اتّخذوا التسوّل مهنة تُدار من قبل مافيات محلية".
في سياق متصل، دعا الباحث في الشأن المجتمعي باسل العطواني الحكومة إلى "تحمّل مسؤوليتها إزاء هذا الملف"، مشدداً، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أنّ "الملف ينطوي على خطورة، لا سيّما أنّه من الممكن استغلال الأطفال والشبان من قبل بعض العصابات لتنفيذ جرائم مختلفة". أضاف العطواني أنّ "الاعتقال لا يمكن أن يكون حلاً، وعلى الحكومة والجهات المسؤولة أن تعالج المشكلة من أساسها، من خلال توفير فرص عمل ودعم الفقراء وتنفيذ برامج توعية وتثقيف ودورات تدريب على بعض المهن".
وأوضح العطواني أنّ "الملف يحتاج الى خطة طويلة الأمد ومخصصات مالية كبيرة، وهذا أمر يجب أن يوضع في حساب الجهات المسؤولة في حال أرادت القضاء على الظاهرة بالشكل الصحيح".
تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومات العراقية المتعاقبة تعرّضت لانتقادات كثيرة بسبب تقصيرها في متابعة ملف التسوّل، علماً أنّه يُعَدّ من أكثر الملفات تأثيراً على المجتمع، ما دفع الحكومة الحالية إلى التوجّه نحو خطة جديدة.