رحلت المقدسية فاطمة سالم "أم ربيع" في السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعد صراع طويل مع عتاة المستوطنين في حيّ الشيخ جراح، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، وزميله نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، أرييه كينغ، وهو عراب الاستيطان اليهودي في المدينة المقدسة، وتحديداً في حيّ الشيخ جراح.
يفتقد أهالي منطقة "كبانية أم هارون" في حيّ الشيخ جراح أيقونة حيّهم "أم ربيع"، التي كانت على الدوام عنواناً للصمود والتصدي، ليس في الحيّ فقط، بل في كل معارك القدس، مثل معركة البوابات الإلكترونية، وهبّة مصلى باب الرحمة، وفي مؤازرة المرابطات عند أبواب المسجد الأقصى، ومساندة المرابطة المقدسية نورة غيث صب لبن على مدى سنوات نضالاتها في مواجهة المستوطنين قبل أن يتمكنوا من الاستيلاء على منزلها في عقبة الخالدية بالبلدة القديمة من مدينة القدس.
كان للراحلة أم ربيع صولات وجولات في مواجهة أرييه كينغ، وصلت إلى حد الاعتداء عليها بالضرب، والتسبب بكسر في يدها، بعد أن حاولت منعه من إقامة خيمة في وسط أرضها التي اتخذها بن غفير قبل نحو عامين مقراً يدير منه شؤون المستوطنين في الحيّ.
خاضت السيدة الفلسطينية آخر صولاتها في مواجهة تغول بلدية الاحتلال ومستوطنيه في شهر مارس/آذار الماضي، حين تصدت لطواقم تابعة لبلدية الاحتلال في القدس، حضرت إلى منزلها لتعلّق على جدرانه أمر هدم موقَّع من رئيس البلدية، وبإيعاز من نائبه أرييه كينغ، الذي لم يفلح حتى بعد وفاتها في اقتلاعها من منزلها.
وفي تذكّر نضالات "أم ربيع"، يقول أحمد صب لبن، نجل المرابطة المقدسية نورة غيث: "كانت تربط عائلتي بالراحلة فاطمة سالم علاقة وثيقة منذ ثمانينيات القرن الماضي، فقد صمدت الحاجة أم ربيع أمام قرارات الإخلاء المتكررة، وخاضت صراعاً في المحاكم بهدف البقاء مع أبنائها في منازلهم، والحفاظ على الوجود الفلسطيني في الحيّ، قبل أن يستولي المستوطنون في نهاية عام 2021 على قطعة أرض مملوكة لها، وتقع في مواجهة منزلها، وهي الأرض التي استوطن فيها وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، وأقام مكتباً له داخلها حين كان عضواً في الكنيست، ما سبّب توتراً ومواجهات دامت عدة أيام".
يضيف صب لبن لـ"العربي الجديد": "برحيل أم ربيع طويت صفحة مشرفة من حياة أحد المرابطين المقدسيين، لكن ذكراها تظل خالدة، وستبقى نضالاتها باقية مع بقاء أنجالها الأربعة، وصمودهم في مواجهة تغوّل المستوطنين على حيّ الشيخ جراح".
ويعبّر جارها محمود السعو، الذي شاطرت عائلته الراحلة في معركة الصمود والبقاء في حيّ الشيخ جراح، عن مشاعر فقدها، قائلاً لـ"العربي الجديد": "رحيل أم ربيع ترك في قلوبنا حزناً وألماً كبيرين، لكننا سنتذكرها على الدوام، وهي حاضرة معنا في هذه الأيام التي نواجه فيها أوضاعاً صعبة منذ إعلان حالة الحرب عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
تعيش عائلة الراحلة فاطمة سالم في حيّ الشيخ جراح منذ 73 عاماً، وتملك منزلاً وقطعة أرض مجاورة، ويهدد الاحتلال العائلة بإخلاء منزلها منذ سنواتٍ عدة، وتُعاني العائلة من اعتداءات المستوطنين المتكررة.
في عام 1988 أُخطرت العائلة بالإخلاء للمرة الأولى، وتمكنوا من تجميد القرار في العام ذاته، وفي عام 2012، فتح المستوطنون الملف مجدداً؛ بهدف تنفيذ قرار محكمة الاحتلال الصادر في عام 1988، بموجب قانون "التقادم على حكم مدني"، الذي يتيح إمكانية تنفيذ الحكم حتى 25 عاماً من تاريخ صدوره، وفي عام 2015، تجدد قرار الإخلاء، وعلى إثره تعرض زوجها لجلطةٍ دماغية، ومكث في المستشفى لمدة 6 أشهر، ثم تُوفي.
وفي قرار الإخلاء الأخير، أمهلت سلطات الاحتلال عائلة سالم حتى 29 ديسمبر/ كانون الأول 2021 لترك المنزل، لكن الموعد أُجِّل إلى أجل غير مسمى بعد تقديم محامي العائلة دعوى إلى دائرة التنفيذ والجباية الإسرائيلية. وفي يناير/كانون الثاني 2022، أصدرت سلطة التنفيذ والجباية الإسرائيلية أمراً بتطبيق قرار إخلاء عائلة سالم من منزلها في حيّ الشيخ جراح، إلا أن "أم ربيع" نجحت في تجميده من جديد، وظل التجميد قائماً حتى بعد رحيلها.
ويقطن حيّ الشيخ جراح أكثر من 3 آلاف فلسطيني على مساحة تقدَّر بنحو ألف دونم، وهي آخر ما بقي من أراضٍ بعد مصادرة الاحتلال آلاف الدونمات التي أقيمت فوقها 3 مستوطنات تعرف بمستوطنات التلة الفرنسية، وتقع المنازل الفلسطينية المستهدفة على طول شارع نابلس، وفي منطقة شيكونات اللاجئين، وكبانية أم هارون، وعدد العقارات المهددة بالإخلاء 28 عقاراً يقطنها نحو 500 فلسطيني.