تحوّل حكم أصدرته محكمة ابتدائية مغربية في 20 مارس/ آذار الماضي، وقضى بفرض عقوبة السجن 18 شهراً على متهمين اثنين باغتصاب طفلة في الـ12 من العمر، متحدرة من مدينة تيفلت (وسط)، والذي نتج عنه حمل، وأيضاً بسجن متهم ثالث سنتين، إلى قضية شغلت الرأي العام الذي طرح تساؤلات عن فعّالية القوانين في حماية ضحايا الاعتداءات الجنسية العنيفة، خاصة الأطفال. وأعقبت ذلك مطالب شعبية بأن تتدارك محكمة الاستئناف الحكم الذي "لا يلائم ما اقترفه المدانون".
وكان لافتاً عدم تردد المحكمة الابتدائية في إعلان أن "المتهمين الثلاثة تمتعوا بأسباب تخفيف العقوبات، استناداً إلى ظروفهم الاجتماعية وخلو سجلاتهم من السوابق القضائية، وكون العقوبة التي يقررها القانون قاسية في حقهم".
وأبدت جمعيات حقوقية ونسائية في المغرب صدمتها واستياءها من الحكم الذي وصفته بأنه "وصمة عار وجريمة ضد احترام حقوق المرأة والطفل مقارنة بفظاعة الفعل الجرمي المرتكب في حق طفلة قاصر".
وحذرت تنظيمات نسائية من المسّ بالأمن القضائي، وأكد "اتحاد العمل النسائي"، في رسالة وجهها إلى رئيس السلطة القضائية، رفضه مبررات المحكمة بأن "المتهمين باغتصاب الطفلة تمتعوا بأقصى ظروف التخفيف على صعيد العقوبات المتخذة ووقف تطبيق جزء منها، ما لا يرتقي إلى مستوى الفعل المرتكب".
واعتبر الاتحاد أن "التساهل الواضح في حيثيات الحكم ومنطقه مع مغتصبين عبثوا بجسد طفلة، بالاتفاق بينهم، يعيد طرح السؤال حول مفهوم السلطة في تقدير النتائج الخطرة لارتكاب أفعال إجرامية في غاية الخطورة والبشاعة، ويشير إلى إلغاء قوانين حماية الطفلات، ما يسمح باستباحة أجسادهن وكرامتهن وإنسانيتهن".
وعموماً، يعيش الشارع المغربي منذ سنوات حالة من الغضب بعد توالي حوادث اغتصاب وقتل الأطفال. وطالبت منظمات معنية بقضايا الأطفال بتطبيق عقوبة الإعدام في حق مرتكبي أفعال إجرامية، وناقشت منظمات غير حكومية موضوع صرامة القوانين.
ووصفت الكاتبة الوطنية لمنظمة "النساء الاتحاديات" حنان رحاب، في حديثها لـ"العربي الجديد"، الحكم في حق الجناة الثلاثة بأنه "غير مقبول باعتباره أحد مظاهر الإفلات من العقاب التي تشجع على ارتكاب جرائم ضد قاصرين ونساء".
وأضافت: "يتعارض الحكم مع دستور المملكة، لا سيما الفصلين 117 و110 المتعلقين بالأمن القضائي والتطبيق العادل للقانون، وكذلك مع الاعلان الأممي الخاص بالمبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة".
وينص الفصل 484 من القانون الجنائي المغربي على معاقبة من "يهتك عرض قاصر تحت سن الـ18 أو يحاول ذلك بالسجن بين سنتين وخمس سنوات. ويضاعف العقوبة الى السجن بين 10 سنوات و20 سنة في حال إثبات اقتران هتك العرض بعنف، أو إذا كان الفاعل من أقرباء الضحية أو ممن لهم سلطة أو وصاية عليها، أو يقدمون خدمة بالأجرة. أما إذا نتج عن الفعل فض بكارة الضحية فتتراوح مدة السجن بين 20 و30 عاماً".
وترى رئيسة "فيدرالية رابطة حقوق النساء" سميرة موحيا، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "هناك قصوراً في القوانين المغربية التي ما زالت تكرّس تمييز ودونية النساء، كما أن تطبيقها سيئ، ويخضع لهيئات قضائية تحكمها عقلية ذكورية محافظة لا تؤمن بمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، وغير مهتمة بثقافة حقوق الإنسان".
وتعتبر أيضاً أن "قانون مناهضة العنف والقانون الجنائي ومدونة الأسرة في المغرب لا تحمي الطفلات والنساء الناجيات من العنف. ورغم أن القانون رقم 13 لمناهضة العنف ضد النساء عزز بعض التدابير، لكن بنوده لم تطبق في قضية الطفلة المتحدرة من تيفلت".
وسألت: "هل يعقل عدم أخذ القضاء بوقائع وجود اغتصاب متكرر وفض بكارة وحمل وعوامل أخرى خاصة بوضع الطفلة لتشديد الحكم المتخذ ضد المغتصبين بدلاً من إخضاعه لظروف التخفيف كون أحدهم متزوجاً، أو عدم توفر سوابق قضائية؟ فعلياً راعت المحكمة ظروف المغتصبين المجرمين والوحوش وغير الآدميين، في حين أسقطت النظر في ظروف الطفلة والفظاعة التي تعرضت لها".
وتلفت إلى أن "قانون مناهضة العنف يصمت عن مسؤولية الدولة في ضمان العناية بالنساء والطفلات ضحايا العنف من خلال توفير علاج نفسي وجسدي لهن لتعزيز قدرتهن على الاندماج".
وتؤكد "ضرورة إعداد قانون إطار لمناهضة العنف وملاءمته مع المواثيق الدولية المبنية على حقوق توفير الوقاية والحماية ومنع الإفلات من العقاب، وجبر الضرر وتعويض النساء والطفلات الناجيات من العنف، وكذلك مراجعة جذرية للقانون الجنائي للقضاء على التمييز والعنف ضد النساء". وتطالب أيضاً بـ"إحداث تغيير عميق وشامل في مدونة الأسرة (الأحوال الشخصية) من أجل استيعاب التحولات الثقافية والاقتصادية التي عرفها المجتمع".
من جهته، يطالب رئيس "المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات ضد الأطفال" خالد الشرقاوي السموني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بتعديل القانون الجنائي لتشديد عقوبات الاعتداء الجنسي. ويدعو السلطات القضائية إلى عدم التساهل مع مجرمي الاغتصاب أو تخفيف الأحكام.