المغرب: جمعيات تعمل على لمّ شمل الأسر

25 ابريل 2021
الوساطة الأسريّة قد تجنّب عائلته التفكّك (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

"قصدتُ الجمعية وكلّي أمل في إيجاد حلّ لمعاناتي، وهو ما تحقق ولله الحمد بعد ثلاث جلسات من الوساطة". هذا ما تقوله زهرة، المغربية الثلاثينية، بعدما انتهت لتوها من جلسة وساطة أسرية أخيرة أدّت إلى اتفاق ودي مع طليقها لتنظيم زيارة أبنائها في إطار الحضانة. وزهرة واحدة من بين عشرات النساء اللواتي يقصدنَ جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" في مدينة الدار البيضاء، لعلهنّ يجدنَ أيّ حلّ ينهي معاناتهنّ من جرّاء نزاعات أسريّة وصلت إلى طريق مسدود، ويوفر عليهنّ تكاليف ومشاق اللجوء إلى محاكم البلاد لحلّ نزاعاتهنّ.
تقول زهرة "العربي الجديد" إنّها عانت كثيراً خلال الأشهر الماضية، إذ إنّ "طليقي استغل فترة الحجر الصحي وحرمني من أطفالي. وكلّما طالبته بإعادتهم إلى منزلي، كان يهدّدني. وبعدما وجدت نفسي بين نارَين، نار حرماني من فلذات كبدي ونار صعوبة الإجراءات القانونية بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية في البلاد من جرّاء تفشي فيروس كورونا الجديد، قرّرت الاستعانة بجمعية التحدي للمساواة والمواطنة بناء على نصيحة من إحدى صديقاتي. وقد وضع ذلك نهاية لمعاناة استمرت لما يقارب سنة كاملة". يُذكر أنّ الناشطات في هذه الجمعية يشاركن عشرات النساء قضاياهنّ ومآسيهنّ مع محاولة تطويق خلافاتهنّ الأسريّة، من خلال توفير مساحة للثقة والتفهم والبحث عن الحلول وتقريب وجهات النظر، عبر استماع المتخصصات إلى جميع الأطراف.
وفي ظلّ غياب مأسسة الوساطة الأسرية حتى الساعة كحلّ لإنقاذ الزيجات والحفاظ على حقوق جميع الأفراد، تحاول جمعيات ومراكز نسائية وحقوقية لمّ شمل عشرات من الأسر المغربية من خلال العمل على معالجة النزاعات وتسوية الخلافات والسيطرة عليها قبل اللجوء إلى القضاء. ولتحقيق ذلك تقوم الجمعيات والمراكز التي تعتمد على دعم تتلقاه من وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة في المغرب، بوساطة مؤلفة من ست مراحل.

بروز جمعيات تطالب بمأسسة الوساطة الأسرية قد تكون له إيجابيات

 

الأولى هي استقبال الأطراف في حالة نزاع أو طرف واحد كخطوة أولى، تتبعها ثانية لطرح النزاع من قبل الأطراف المتخاصمة والكشف عن المشاكل الحقيقية، ثمّ ثالثة للاتفاق على المشاكل التي يجب إيجاد حلّ لها. وفي مرحلة رابعة، يقدم أطراف النزاع مقترحات وحلولاً قابلة لتشكيل أرضية للتفاوض، في حين تخصص المرحلة الخامسة لتفاوض الأطراف حول الحلول، ويكون الهدف اختيار الحلول التي يمكن الاتفاق عليها فتكون الأفضل لها وللأبناء. وتنتهي مهمة الجمعيات والمراكز العاملة في مجال الوساطة الأسرية، من خلال مواكبة الحالات في مرحلة سادسة تتبع الاتفاق لمراقبة مدى التزام الطرفين بشروط الاتفاق.

توضح رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة في الدار البيضاء، بشرى عبدو، أنّ "الوساطة الأسرية التي تتولاها الجمعيات تمثّل حلاً للنزاعات الزوجية والحفاظ على استقرار الأسر وتماسكها"، لافتة "العربي الجديد " إلى أنّ "التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي على المستويين الاجتماعي والاقتصادي انعكست على القيم الأسرية، وصار من الضروري التفكير في وسائل للحفاظ على الأسرة". بالنسبة إلى عبدو فإنّ "الوساطة الأسرية هي وسيلة تجاوز الخلافات بشكل ودي، انسجاماً مع طبيعة الأسرة التي تقتضي السرية والكتمان والحفاظ على الود والوئام من أجل ضمان استمراريتها بعيداً عن ردهات المحاكم وما تسبّبه من انقسام داخلها" لافتة إلى أنّه "في ظلّ زيادة عدد حالات الطلاق مع أكثر من 100 ألف حالة سنوياً وتزايد مقلق في النزاعات والخلافات الأسرية التي أدت إلى نتائج وخيمة تهدد الاستقرار والأمن المجتمعي، فإنّ دور الوساطة الأسرية يقضي بالمساهمة في الحدّ من ذلك بتطويق النزاعات داخل الأسرة ومنع تفاقمها".
وتؤكد عبدو أنّ "الوساطة الأسرية تمتاز بخصائص عدّة تجعلها مطلوبة من جميع الأطراف، في مقدمتها سرعة الحسم في النزاع وتسويته، بالإضافة إلى ضمان السرية لكل ما يجري في خلالها والحفاظ على أسرار الحياة الخاصة التي يؤدي إفشاؤها أمام المحاكم إلى تعميق الخلافات وتأجيج الصراعات الزوجية.

تُسجَّل محاولات لتسوية الخلافات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء

 

كذلك، هي تتسم بمرونة من خلال عدم التقيّد بأيّ شكليات مسطرية (قانونية وعرفية معتمدة) أو وسائل إثبات بعينها تسهم في التوصل إلى حلول توفيقية تحظى برضى الطرفين، من دون نسيان تخفيفها من عبء رسوم التقاضي وأتعاب المحامين على الزوجين، إذ إنّ خدماتها مجانية".
من جهته، يرى الباحث في علم الاجتماع منعم الكزان، أنّ "الوساطة الأسرية صارت ضرورة مجتمعية من جرّاء التحولات البنيوية التي تشهدها كل بقاع المعمورة ومن بينها المغرب، ما أدّى إلى انحسار دور مجموعة من المؤسسات التي كان يُعتمد عليها كمؤسسة الحكمين أو مجلس العائلة في إصلاح ذات البين بين الأزواج". يضيف الكزان لـ"العربي الجديد" أنّ "بروز جمعيات تطالب بمأسسة الوساطة الأسرية في السنوات العشر الأخيرة، قد تكون له إيجابيات من بينها سدّ ثغرات التحوّلات المجتمعية من جهة وتخفيف العبء على المحاكم من جهة أخرى، فضلاً عمّا تتسم به من مميزات كالسرية والمكاشفة والتفريغ النفسي والبحث عن تسويات ودية، وهي مميزات تجنّب الأطراف حرج كشف أسرار عش الزوجية الذي قد يخلّف جرحاً عميقاً يصعب معه إعادة لمّ شمل الأسرة وإعادتها إلى سابق عهدها".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وعلى الرغم من الدور الكبير الذي يمكن أن تؤديه جمعيات الوساطة الأسرية، فإنّ دورها يبقى بحسب الكزان "ضعيفاً وذلك لأسباب عدّة، من بينها غياب ثقافة وساطة الجمعيات لحلّ النزاعات الأسرية في المغرب، وعدم اقتناع الأطراف بها كوسيط نتيجة غياب ضمانات نفسية كما هي الحال في المؤسسات التقليدية كمجلس العائلة أو مؤسسة الحكمين أو الجيران أو الحيّ. يُضاف إلى ذلك غياب الكوادر الكافية في هذه الجمعيات وغياب الإطار القانوني". ويتابع الكزان أنّه "نظراً إلى التحوّلات المجتمعية يتعيّن تكريس وساطة الجمعيات كبدائل جديدة عن المؤسسة القضائية من خلال وضع إطار قانوني من جهة وتدريب كوادر وخبراء متخصصين في مجال الوساطة الأسرية في المجال النفسي وكذلك الاجتماعي والقانوني والتواصلي، كذلك، الدفع نحو إنشاء مؤسسات للاستشارات الأسرية يصار من خلالها إلى محاربة الطلاق والتفكك الأسري".

المساهمون