يُسجَّل انقسام داخلي بين المحامين المغاربة بعد الإعلان عن اتفاق ما بين الحكومة و"جمعية هيئات المحامين بالمغرب"، تمّ التوصّل إليه ليل أوّل من أمس الثلاثاء، بشأن فرض إجراءات ضريبية وردت في مشروع قانون المالية لسنة 2023.
وكان اللقاء الذي جمع ما بين رئيس الحكومة عزيز أخنوش و"جمعية هيئات المحامين بالمغرب" قد انتهى إلى تعليق الإضراب المفتوح عن العمل الذي خاضه بداية الأسبوع الحالي، آلاف المحامين رفضاً للتدابير الضريبية التي قرّرت الحكومة فرضها في مشروع الموازنة الجديدة، في "انتظار ما ستسفر عنه اللجنة التقنية المشتركة بين الجمعية والحكومة من خلاصات ونتائج للتدقيق في باقي عناصر الملف الضريبي".
وفي خطوة لافتة، أعلنت "فيدرالية جمعيات المحامين الشباب"، اليوم الخميس، رفضها لمخرجات اللقاء الذي جمع بين مكتب "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" وأخنوش، وعدّته "انتكاسة تاريخية لا تليق بالإرث المعنوي والحقوقي للجمعية ولا بأدوراها في قيادة المعركة التي يخوضها الجسم المهني".
وأعربت الفيدرالية، في بيان لها، عن رفضها المبدئي لـ"أيّ اتفاق لا يتضمّن سحب المقتضيات الضريبية والسماح للمواطنين بالاستفادة من خدمات العدالة من دون حواجز مادية". ودعت مجلس "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" إلى عقد اجتماع عام استثنائي لـ"الدفاع عن قراراتها والتشبث باستمرار المعركة النضالية"، مشدّدة على "مواصلة الترافع على مستويات عدّة للتعريف بحقائق الملف الضريبي وكلّ المطالب العادلة للمحامين".
وفي سياق الانقسام في المواقف ما بين "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" التي قادت المفاوضات مع الحكومة حول التدابير الضريبية الجديدة وتنظيمات المحامين الأخرى، وجّهت "مجالس هيئات المحامين باستمرار مقاطعة الجلسات ودعوة الباقي لتبنّي نفس المواقف إلى حين إسقاط المقتضيات الضريبية".
وقال الناشط الحقوقي والمحامي في هيئة مراكش محمد الغلوسي لـ"العربي الجديد" إنّ "إعلان تعليق الصيغ الاحتجاجية ضدّ الحكومة خلّف تذمّراً واسعاً في أوساط الجسم المهني، ورأى محامون كثر أنّ ما تمّ التوصّل إليه لا يلبّي مطالبهم"، لافتاً إلى أنّ "مجالس هيئات عديدة أعلنت تشبّثها بمواصلة النضال حتى تحقيق مطالب المحامين وانضمّت إليها كوادر مهنية شابة".
وأوضح الغلوسي أنّ "ثمّة محاولات لإجهاض الحراك المهني للمحامين وتقديم ما خلص إليه اجتماع هيئات المحامين بالمغرب مع رئيس الحكومة على أنّه انتصار"، مشدّداً على "ضرورة تفويت الفرصة على كلّ المحاولات الرامية إلى شقّ صفوف المحامين، والذي ستكون له تداعيات سلبية على مستقبل المهنة وممارسيها".
وكانت "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" قد أعلنت، ليل الثلاثاء الماضي، تعليق الإضراب المفتوح عن العمل الذي بدأه المحامون يوم الاثنين الماضي، وذلك عقب "حصول توافق مع الحكومة بخصوص الملف الضريبي"، كان من أبرز بنوده تخفيض قيمة السداد عن كلّ ملف من 300 درهم (نحو 28 دولاراً أميركياً)، وهي الصيغة الأخيرة التي أقرّها مجلس النواب المغربي، إلى 100 درهم (نحو تسعة دولارات) عن كلّ ملف، على أن تُسدّد وفق الطريقة التي يختارها المحامون. وتُعفى الملفات المشمولة بنظام المساعدة القضائية من هذه التسبيقات.
كذلك، حصل المحامون الجدد (الذين يباشرون أعمالهم بعد نهاية فترة التمرين) على تمديد إضافي من الإعفاء من سداد هذه الضرائب، من ثلاث سنوات إلى خمس.
كذلك نصّ الاتفاق على استثناء وتوسيع دائرة الملفات ذات الطابع الاجتماعي والحقوقي المعفاة من الدفع المسبق على الحساب، وتخفيض الاقتطاع من المنبع إلى نسبة 10 في المائة بدلاً من 15 في المائة للمحامين الذين يعملون لوحدهم وخمسة في المائة بدلاً من 10 في المائة للشركات المدنية المهنية الخاصة بالمحامين.
تجدر الإشارة إلى أنّ مشروع الموازنة الجديدة يفرض سداد المحامي تلقائياً لدى كاتب الضبط في صندوق المحكمة، تسبيقاً مالياً عن الضريبة عن كلّ ملف في كلّ مرحلة من مراحل التقاضي، أي عند إيداع أو تسجيل دعوى أو طلب أو طعن أو عند التسجيل نيابة أو مؤازرة في قضية بمحكمة. وجاء هذا الإجراء بعدما تبيّن لمصالح الضرائب أنّ المحامين لا يصرّحون بمداخيلهم الحقيقية.
وقد حدّد المشروع مبلغ التسبيق بـ300 درهم (نحو 28 دولاراً أميركياً) بمحاكم الدرجة الأولى، و400 درهم (نحو 37 دولاراً) في محاكم الدرجة الثانية، و500 درهم (نحو 45 دولاراً) في محكمة النقض. أمّا الدعاوى المتعلقة بالأوامر المبنية على طلب المعاينات، فيسدّد لقاءها مبلغ مسبق عن الضريبة قدره 100 درهم (نحو تسعة دولارات).
وعلى مدى أكثر من أسبوعَين متواصلَين، نظّم المحامون وقفات احتجاجية واعتصامات أمام البرلمان المغربي وفي محاكم البلاد، بالإضافة إلى إضرابات عن العمل يومَي الثامن والتاسع من الشهر الجاري. كذلك قرّرت هيئاتهم عدم الاستجابة إلى دعوة وزير العدل عبد اللطيف وهبي لحضور اجتماع اللجنة المشرفة على امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة.