المغرب العطِش... النقص المزمن للمياه يهدد الاستقرار الاجتماعي

18 يوليو 2023
لا تكفي المياه الاحتياجات اليومية في المغرب (Getty)
+ الخط -

تقضي الشابة زهرة ساعات عدة يومياً في رحلة بحث مضنية عن قطرة ماء باتت نادرة هذه الأيام في مدينة زاكورة جنوب شرقي المغرب، التي توصف أصلاً بأنها "قطعة عطش"، جراء شحّ كميات الأمطار المتساقطة، وتوالي فترات الجفاف لسنوات، ما حوّل حياة سكان جماعة فزواطة، التي تقطن في المدينة وتنتمي إليها زهرة، إلى جحيم، ودفعهم إلى الاحتجاج على الأوضاع.
تقول زهرة لـ"العربي الجديد": "نعاني كثيراً من ندرة المياه في فصل الصيف، لكن المشاكل زادت هذه السنة، وبات من المحتم أن نبذل جهوداً أكبر لجلب الماء، ما يتطلب قطعنا مسافات طويلة ومواجهة الحرّ الشديد من أجل الحصول على كميات مياه لا تكفي احتياجاتنا اليومية".
تتابع: "قد نقضي بين 3 و5 ساعات يومياً في التنقل للبحث عن آبار صالحة للشرب في مناطق مجاورة، ويزداد الأمر تعقيداً حين ينعدم وجود الماء، علماً أن المنطقة تعاني منذ سنوات من مشاكل انقطاع الماء الصالح للشرب، في حين تزود المنازل بالماء لساعات معدودة مرة كل عشرة أيام، وتحرم بعضها من حصتها أيضاً.
وباتت مناطق عدة جنوب شرقي المغرب، وأيضاً مدينة تاونات، عرضة للعطش الشديد والانقطاع المتكرر للماء الذي يعكس في شكل واضح حجم المشاكل التي تواجهها الموارد الحيوية في المملكة.
ورغم أن السلطات المحلية تتدخل في جلب الماء من مصادر أخرى قريبة من أجل مساعدة سكان المناطق العطشى على تنفيذ الأنشطة المختلفة في حياتهم اليومية، لم يمنع ذلك تنظيم سكان بعض القرى تظاهرات نددت بالمنحى الخطير الذي بلغه الوضع.
ويعد المغرب من البلدان التي تعرف تراجعاً في الموارد المائية، إذ تبلغ معدلات كميات المتوفرة فيه 22 مليار متر مكعب سنوياً، ما يعني أن حصة الفرد تبلغ نحو 650 متراً مكعباً سنوياً، مع توقع أن تنخفض إلى 500 متر مكعب سنوياً بسبب شحّ المياه.
وكانت الحكومة المغربية أقرّت برنامجاً للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري بين عامي 2020 و2027، ورصدت له موازنة 115 مليار درهم (12 مليار دولار). 
وفي موازاة سياسة إنشاء السدود، توجه المغرب في السنوات الأخيرة إلى البحر لمحاولة تعزيز إمداداته من المياه، وشرعت السلطات في تنفيذ مشروع الطريق السيار للماء الذي يربط بين حوضي سبو وأبي رقراق، ويفترض أن تنتهي أشغاله قبل نهاية العام الحالي بهدف تدارك النقص الحاصل في كميات المياه في عدد من المناطق، أبرزها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء.
وكان لافتاً خلال الأيام الماضية استنكار فرع حزب "العدالة والتنمية" في مدينة تاونات استمرار معاناة جزء كبير من سكانها من العطش، بسبب عدم ربطها بأي مشروع للتزود بالماء الصالح للشرب من سدود كثيرة وكبيرة، أو بسبب عدم انتظام عمليات نقل المياه إليها نتيجة تأخر وتعثر مشاريع مبرمجة، أو حصول عيوب في تنفيذها.
ويقول رئيس جمعية "أصدقاء البيئة" بمدينة زاكورة جمال أقشباب، لـ"العربي الجديد"، إن "الشحّ المائي خلق توترات اجتماعية، لأن الأهالي أصبحوا يطالبون بحقهم في الماء، وينظمون احتجاجات ضد مواجهة المدينة أزمة مياه حادة وخانقة غير مسبوقة، نتجت عن تدهور الموارد المائية السطحية والباطنية، وتراجع مخزونها".
ويشير إلى أن "المنطقة تعرف جفافاً منذ عام 2014 بسبب تراجع كميات الأمطار، والارتفاع الملحوظ في درجة الحرارة، وأيضاً نسبة التبخر. كما تقف أسباب أخرى وراء استنزاف الفرشاة المائية، منها غياب مؤسسة لتأمين الماء في زاكورة، فلا توجد إدارة تابعة لوكالة الحوض المائي لدرعة واد نون التي تبعد عن زاكورة أكثر من ألف كيلومتر، ما فتح الباب أمام فوضى حفر الآبار، وخلق تسيباً وآثاراً سلبية طاولت زراعة البطيخ الأحمر وتلك التي تتطلب كميات من المياه".

تعرف مناطق عدة في المغرب جفافاً كبيراً (فاضل سنّا/ فرانس برس)
تعرف مناطق عدة في المغرب جفافاً كبيراً (فاضل سنّا/ فرانس برس)

من جهته، يرى الخبير البيئي ورئيس جمعية "المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ" مصطفى بنرامل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المغرب يشهد عجزاً سنوياً في هطول الأمطار منذ عقد من الزمن، ما تسبب في ضعف الجريان السطحي للأنهر والأودية، وانخفاض في مخزون السدود. كما تقلصت نسبة استرجاع تغذية المياه الجوفية المستخرجة سواء لاستخدامها في توفير مياه الشرب أو السقاية في المساحات الزراعية التي تنتشر في كل ربوع المغرب، خصوصاً في المناطق التي يعتمد فيها الطلب بشكل حصري على أنظمة الإمداد المحلية".
يُضيف: "تسببت سنوات الجفاف المتتالية في نقص مزمن للمياه، بالتزامن مع ارتفاع درجة الحرارة في غالبية المدن المغربية نتيجة تغيّر المناخ، وظاهرة "النينيو" (ارتفاع في درجة حرارة مياه البحر السطحية بشكل لا يتناسب مع الفترة الزمنية) التي يشهدها العالم، والمغرب غير مستثنى منها".
ويرى أن "ما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة إلى سكان العديد من المناطق القروية، هو احتمال أن يتسبب مشروع ربط الأحواض المائية عن نزاعات واحتجاجات حول المياه نتيجة تقلص حصة السكان. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث أزمة اجتماعية واقتصادية. وتلقت قرى ومدن حضرية إنذارات بقطع إمدادات المياه بدءاً من فترة عيد الأضحى، ولا تزال مستمرة في أوج حاجة السكان للمادة الحيوية والثمينة خلال فصل الصيف."
ويوضح أن "العديد من القرى والمراكز الحضرية شهدت اضطرابات في الإمدادات المائية. وقطع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب إمدادات المياه عن مدينة القنيطرة التي تعتبر مركزاً صناعياً مهماً في المغرب في 11 و12 يوليو/ تموز الجاري، ما شكل صدمة لجميع سكانها والمواطنين عموماً، خصوصاً أنها تعرف بمياهها الوفيرة، وتزويدها العاصمة الرباط وأجزاء من مدينة الدار البيضاء بكميات كبيرة من المياه.

يمكن أن تنشأ صراعات من فقدان إمدادات الماء (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
يمكن أن تنشأ صراعات من فقدان إمدادات الماء (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)

ويتحدث بنرامل عن أن المغرب يحتل المرتبة 22 بين الدول الأكثر عرضة لخطر نقص المياه، ويدعو إلى استباق الأوضاع التي قد تتسبب في اندلاع احتجاجات اجتماعية يصعب أن يتنبأ أحد بنتائجها، من خلال مواصلة الحكومة العمل لإنشاء السدود في تواريخ محددة، وبرمجة مشاريع تشييد أخرى في مناطق جبلية وصحراوية من أجل جمع مياه الأمطار، وكذلك البحث عن مصادر جديدة للمياه الجوفية من أجل تعزيز إمدادات مياه الشرب لسكان القرى والمناطق الصحراوية. كما يحث بنرامل الحكومة على الاستثمار في مصادر المياه غير التقليدية مثل إنشاء محطات لتحلية مياه البحر على امتداد الشواطئ من أجل تخفيف الاستغلال المفرط للمياه الجوفية. وهو يطالب الحكومة أيضاً بتأمين إمدادات المياه الصالحة للشرب في المناطق القروية من خلال ضمان تجهيز وتحديث وصيانة مراكز مياه الشرب، وتنفيذ برنامج لمعالجة استخدام تلك العادمة من أجل ري المساحات الخضراء في مدن بينها الرباط وتطوان وطنجة.
ويعتبر بنرامل أيضاً أنه "من المفيد إطلاق حملات للتوعية بالوسائل المثالية لاستعمال المياه في الوسطين القروي والحضري، وأن يتعاون جميع الشركاء الرسميين والاجتماعيين لتوفير الموارد المائية، تمهيداً للحّد من الاحتجاجات أو النزاعات التي قد تنتج عن نقص الإمدادات المائية.

وكان تقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة أورد أنّ "السيناريوهات المناخية تشير إلى أنّ ارتفاع درجة الحرارة مستمرّ في المغرب حتى نهاية القرن الحالي، وأنّه قد يعاني من موجات حرارة أكثر تواتراً وشدّة في حال لم تُخفَّف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تزداد تركيزاً".
وتوقع التقرير أن يصل متوسّط الزيادة السنوية في درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وإلى 1.8 درجة مئوية مع حلول عام 2050.
وكانت هيئتان مغربيتان تنشطان في مجال البيئة طالبتا، في ديسمبر/ كانون الأول 2022، مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان) بإعلان "حالة طوارئ مناخية من أجل تجاوز سوء وضع البلاد في مواجهة تغيّر المناخ". ودعت "جمعية مغرب أصدقاء البيئة" و"حركة الشبيبة من أجل المناخ"، من خلال عريضة أطلقتاها بدعم من منظمة "غرينبيس" الدولية، إلى الإقرار الرسمي بتأثير تغيّر المناخ في المغرب، من قبيل الإعلان عن حالة طوارئ مائية، وأوضحتا أنّ البلاد تشهد كوارث كثيرة مرتبطة بالمناخ.

المساهمون