المغرب أمام اختبار مواجهة الغش في البكالوريا

05 يونيو 2023
تبدأ امتحانات البكالوريا غداً الثلاثاء (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

عاد ملف الغش باستعمال وسائل متطورة إلى الواجهة في المغرب مع بدء امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) بدورتها الأولى يوم غد الثلاثاء، وتواجه السلطات المعنية اختباراً حقيقياً لفاعلية إجراءاتها في حربها ضد ظاهرة تفاقمت واتخذت مستويات غير مسبوقة خلال السنوات الماضية. 
وعمد الأمن المغربي خلال الأيام الماضية إلى شن حرب استباقية، كان آخر فصولها اعتقال ثلاثة أشخاص بمدينة تطوان، شمالي البلاد، أول من أمس السبت، لترويجهم عشرة أجهزة إلكترونية و119 بطارية صغيرة وسماعات لاسلكية دقيقة، فضلاً عن هواتف محمولة وسلاح أبيض ومبلغ مالي يشتبه في كونه من تأثيرات هذا النشاط.
والخميس الماضي، أوقف عدد من الأشخاص لحيازتهم وترويج معدات وتجهيزات إلكترونية مهربة تستخدم في الغش في الامتحانات المدرسية في كل من مدينتي العيون (جنوب) وجرسيف (شمال شرق). وقبل ذلك بيوم، قادت معلومات دقيقة وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومصالح الأمن بمدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية إلى تفكيك مختبر إلكتروني للغش، وتوقيف ثلاثة أشخاص تم العثور بحوزتهم على 220 بطاقة إلكترونية من نوع VIP، و393 سماعة لاسلكية دقيقة، و180 هاتفاً محمولاً، علاوة على 208 سماعات سلكية، و180 خيطا كهربائيا للشحن ومجموعة من قطع الغيار الخاصة بالمعدات الإلكترونية.
ويأتي ذلك في وقت ينتظر فيه أن يتقدم بدءاً من يوم غد الثلاثاء، 426 ألف طالب وطالبة، إلى الدورة الأولى لامتحانات البكالوريا، بزيادة 18 في المائة عن العام الماضي، وجرى توفير 1753 مركزاً للامتحانات بمجموع قاعات امتحان بلغ 24600 على مستوى جميع الأكاديميات.
وتفرض وزارة التربية الوطنية سنوياً إجراءات خاصة لضمان نجاح امتحانات البكالوريا، ومنع محاولات تسريب الامتحانات أو الغش، من بينها اعتماد لجان خاصة مزودة بمعدات للكشف عن الوسائط الإلكترونية والهواتف النقالة داخل مراكز الامتحانات. وقبل أسبوع على انطلاق الامتحانات، وعد وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، بمحاربة ظاهرة الغش، مؤكداً حرص وزارته على تطويق الغش بكل وسائله، بما فيه الإلكتروني.
وقال إن وزارته "تحرص على محاربة ظاهرة الغش من خلال التوعية والتنسيق مع السلطات الأمنية والمحلية والعمل مع أولياء أمور التلاميذ للحد من هذه الظاهرة".

ويقول مسؤول في وزارة التربية الوطنية طلب عدم ذكر اسمه، إن الوزارة والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية التابعة لها، تفرض سنوياً عددا من الإجراءات التي تهدف أساساً إلى تفادي وقوع التلميذ في المحظور، وتجنيبه التعرض للعقوبات التي ينص عليها القانون. ويلفت، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن الأمر يتعلق أساساً بتنظيم حملات توعية في المدارس حول آفة الغش بالامتحانات، بالإضافة إلى لقاءات مع مدراء المؤسسات، مع وضع ملصقات للتعريف بالظاهرة وآثارها وعواقبها، وتكليف خلايا يقظة على الصعيدين الوطني والجهوي، وفرق محلية وإقليمية للمراقبة خلال الامتحانات، علاوة على معاقبة المتورطين بعقوبات تأديبية وأخرى جنائية (قانون 02-13).
من جهته، يرى الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم ـ التوجه الديمقراطي، عبد الله غميمط، أن ظاهرة الغش أصبحت بنيوية في قطاع التعليم والامتحانات، وهي امتداد لظاهرة الغش المجتمعي السائد في مجالات عدة، معتبراً أن الحديث عن الظاهرة بات موسمياً يثار مع اقتراب امتحانات الشهادة الرسمية.

عمد الأمن المغربي خلال الأيام الماضية إلى شن حرب استباقية

 

ويقول غميمط لـ "العربي الجديد" إن "الغش قائم ومسكوت عنه طوال العام الدراسي، وتبدو المنظومة التعليمية في بعض الأحيان مطبعة مع الغش"، لافتاً إلى أن "الإجراءات المتخذة من قبل وزارة التربية الوطنية تبقى برتوكولات تلجأ إليها بمناسبة الامتحانات كموعد لمحاربة الغش وإعطاء مصداقية للتقويم والنتائج، في حين نعتبر في الجامعة الوطنية للتعليم أن الظاهرة لا يمكن محاربتها بطريقة زجرية وعدم استعمال الهاتف وعدم السماح للتلاميذ باستخدام مجموعة من الوسائل، بل يتعين اعتماد مقاربات أخرى من خلال التوعية والتأكيد على أهمية محاربة الغش والاعتماد على الذات وتكافؤ الفرص بشكل مستمر خلال العام الدراسي". 
كما يشدّد غميمط على ضرورة اعتماد المقاربة التربوية التي تقوم على تربية التلاميذ والمؤسسات والمحيط حول الخطر الذي تشكله ظاهرة الغش على تكافؤ الفرص والنتائج ومستقبل الشباب والمنظومة التربوية. ويؤكد على "أهمية المقاربة القانونية في محاربة الغش، لكنه يرى في الوقت نفسه أنها تبقى غير كافية ولا يمكن أن تعطي النتائج المرجوة إذا لم ترتبط بمقاربة التحسيس (التوعية) والتأطير"، داعياً إلى "ضرورة تغيير نمط الامتحانات واعتماد مقاربات تقييمية أخرى تفتح الإمكانية للتلاميذ للاعتماد على أنفسهم والإبداع وتطوير ملكات الفهم والتحليل بعيداً عن النمطية التي تطبع الامتحانات في الوقت الراهن".

يضيف غميمط أن محاربة الغش مسؤولية الجميع والوزارة والأسر، ويتعين أن تكون تلك المحاربة عملية مستمرة وبآليات مؤسساتية لا سيما في ظل انتشارها وتحولها في معظم الحالات إلى مرادف للنجاح والمردودية. وأقرت وزارة التربية الوطنية قانوناً عام 2016 يتضمن عقوبات بالحبس تتراوح ما بين ستة أشهر وخمس سنوات، وغرامة تتراوح ما بين 5000 درهم (حوالي 500 دولار أميركي)، و10000 درهم (حوالي 1000 دولار أميركي)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، من دون الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي.
ويحدد القانون حالات الغش، بأنّها تبادل المعلومات كتابياً أو شفوياً بين الطلاب داخل فضاء الامتحان، وحيازتهم أي مخطوط أو وثيقة لها ارتباط بموضوع الامتحان، واستعمال آلات أو وثائق غير مرخص بها داخل الامتحان، وحيازة أو استعمال الوسائل الإلكترونية الحديثة كيفما كان شكلها أو نوعها، سواء كانت مشغلة أو لا. وينص على العقوبات التأديبية التي تطبق بحق كل طالب أو طالبة يغش في الامتحان، بدءاً بالإنذار من قبل المكلفين بالحراسة وانتهاءً بسحب ورقة الامتحان وتحرير محضر بذلك. كما تتخذ اللجنة التأديبية العقوبات المقررة بحسب درجة خطورة الغش، منها اعتماد نقطة موجبة للسقوط والإقصاء لمدة سنتين من اجتياز الامتحان في القانون.

المساهمون