اختتم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - تونس، اليوم الجمعة، أعمال ندوته العلمية الدولية "القرابة والجوار والجماعة"، التي تناول فيها باحثون من بلدان عدّة، من بينها فلسطين ومصر وتونس، بالدراسة والتحليل، علاقات التقارب والجوار وسبل ربط الصلة ما بين المحلي والمشترك.
وقال الأستاذ الباحث في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس "9 أفريل" معز السالمي، لـ"العربي الجديد"، إنّه ركّز في مداخلته على "التغيّرات التي شهدتها العائلة التونسية من التقاليد إلى الحداثة"، مبيّناً أنّ "هذا التغيير بدأ عندما أخذ الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الحكم في خمسينيات القرن الماضي وأحدث تغييرات جذرية في المجتمع التونسي، فهو غيّر الأحكام والنظم التي كانت سائدة في ذلك الوقت، والتي كانت تسيّر العائلة التونسية".
وأكّد السالمي أنّ "مجلة الأحوال الشخصية مكّنت المرأة التونسية من الخروج من تحت سيطرة الرجل والعائلة الممتدّة إلى العائلة النواة"، مضيفاً أنّ "تغييراً هيكلياً رافق هذا التغيير، أي أنّ النظام البورقيبي حاول في تلك الفترة التخلّص من المؤسسة الدينية من دون التخلص من الدين، بمعنى أنّ بورقيبة كان يريد التخلّص من الفقهاء والعلماء، فصار أشبه برئيس مجتهد يدفع إلى التطوّر والخروج من التخلّف متخلياً عن أمور كثيرة، من قبيل محاولة التخلّص من الحجاب. لكنّ جلّ التغييرات التي أحدثها النظام البورقيبي أنشأت عائلة هي في الحقيقة انعكاساً للنظام، فعلى الرغم من أنّها عائلة حداثية فإنّها تسلطية تعتمد سلطة الأب لأنّ النظام كان تسلطياً".
وبيّن السالمي أنّ "التسلّط البورقيبي على المستوى السياسي أُنشئ على أساس النظام العائلي، فواصل الرجل القوامة بالمفهوم الإسلامي، وكذلك بالمفهوم الوطني، أي أنّه جعل الوطن في خدمة التطوّر، فكان الوطن الجديد هو المحرّك للخروج من التخلف"، مؤكداً أنّ "النمط المجتمعي يظهر المساواة ما بين المرأة والرجل، لكنّه في الحقيقة نظام تسلطي وربّما أكثر من ذي قبل". وشرح أنّه "على الرغم من كلّ ما قدّمه بورقيبة من حداثة وتعليم فإنّ العائلة بقيت تسلطية، إذ إنّه عند المرور بالحداثة، لم يحصل دفع نحو إنسان يفكّر بذاته، لأنّ هذا كان يُعَدّ خطراً على النظام".
من جهته، قال الباحث الفلسطيني خالد علي زواوي لـ"العربي الجديد" إنّ ورقته ركّزت على "قضية الهويات في مدينة نابلس (شمالي الضفة الغربية)، حيث صار الفضاء منتجاً للهوية المقاومة ذات البُعد السياسي". وشرح أنّ "منطقة جبل النار، على سبيل مثال، كانت ذات بعد نضالي قتالي بدأ خلال الحملة الفرنسية في فلسطين، وقد تمّ الانتصار عليها". وأضاف أنّ "الهوية الثانية تتعلق بشباب البلد، وهي هوية حديثة لنشطاء بعد الانتفاضة الأولى، وهي ما زالت حتى الآن تشكّل سمات البلدة القديمة المقاومة".
ولفت زواوي إلى "قراءة التحوّلات الحضارية في البلدة القديمة (نابلس) وتحوّلها إلى فضاء دفاعي ومقاوم، وكلّ هذا بقيادة شباب البلد"، متحدّثاً عن "علاقات قرابة وترابط في داخل البلدة القديمة، وعن علاقة صداقة نشأت كذلك بين المجموعات لتتجاوز علاقات القرابة".
وفي سياق متصل، أكدت الأستاذة التونسية المساعدة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وفاء الطويري، لـ"العربي الجديد"، أنّها ركّزت في مداخلتها اليوم على "مفهوم الجماعة لدى طلاب أفريقيا جنوب الصحراء في تونس، وكيف يتعايشون في مجموعات"، موضحة أنّهم "تجاوزوا النظام الاجتماعي الناتج عن الغربة والهجرة نحو مفهوم جديد من الاندماح".
وبيّنت الطويري أنّ "تجمعات الطلاب من أفريقيا جنوب الصحراء برزت في شكل مغاير لبلدان المنشأ"، مشيرة إلى أنّهم "حاولوا تجاوز صعوبات الاندماج في المجتمع عن طريق التنظيم الاجتماعي الثقافي، الأمر الذي مكّن الطلاب من أصول اجتماعية مختلفة من أن يندمجوا ويخلقوا تجمّعات جديدة وفقاً لمقاربات في المعيش اليومي والحياة اليومية".
أمّا الأستاذة التونسية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في تونس هيام التركي فأقرّت لـ"العربي الجديد" بـ"محاولتي فهم النموذج الفعلي لسلوك الأفراد، والبحث في التمثلات وقياس أنواع الفعل في تلقائيتها لاختراق الفضاء العام".
وأوضحت التركي أنّها حاولت "تسليط الضوء على سوق المنزل ومحاولة الاستثمار في الجوار، فبرزت ملامح جديدة للحيّ، الأمر الذي فتح آفاقاً على مستوى العلاقات الداخلية واستثمار المجتمع المدني للحيّ". وبيّنت أنّ "دور سوق المنزل لا يبرز فقط على مستوى استهلاكي، بل حتى على مستوى معيشي لتحسين المعيش وتثمين الموروث المادي واللامادي".
وفي الإطار نفسه، ركّزت الباحثة التونسية في علم الاجتماع الحضري آمنة فريخة على "الجندرة والنوع الاجتماعي، واختارت المجال الحضري في منطقة صفاقس عاصمة الجنوب التونسي لدراسة علاقات الجوار"، موضحة لـ"العربي الجديد" أنّها عملت على "جنان صفاقس لأنه يمثّل هوية المنطقة، إذ إنّ الجد أو الأب كانا يمنحان الأبناء (والأحفاد)، وفقاً لهندسة معيّنة، فضاءات سكنية بجوارهما ليبقوا قريبين منهما، علماً أنّ جدراناً كانت تفصل بينها، الأمر الذي يجعل الفضاء الخاص بارزاً.
وبيّنت فريخة أنّ "هذا الفضاء كان الإطار الذي يلتقي فيه الجميع ويعرف بعضهم أخبار بعض، لكنّ الجدران استُبدلت بأخرى أكثر علوّاً، وبالتالي صرنا نشهد توجّهات فردانية، فتغيّرت العلاقات حتى بين الجوار ولم تعد علاقات قرابة مثل ما كانت الحال في السابق".